هآرتس: اردوغان مصمم على نيل موطيء قدم في غزة، ويلاحق المجرم نتنياهو
هآرتس 9/11/2025، تسفي برئيل: اردوغان مصمم على نيل موطيء قدم في غزة، ويلاحق المجرم نتنياهو
الـ 37 امر اعتقال، التي اصدرها النائب العام في تركيا في يوم الجمعة الماضي، ضد شخصيات وقادة اسرائيليين، هي فقط “الوجبة الاولى” في الملاحقة التي بدأتها تركيا وراء من هم حسب رأيها مسؤولين عن جرائم حرب، وعما يعتبر في لوائح الاتهام نية للابادة الممنهجة لسكان قطاع غزة. كما هو متوقع على راس القائمة يوجد بنيامين نتنياهو، ومعه يبرز يسرائيل كاتس، ايتمار بن غفير، ايال زمير، قائد سلاح البحرية دافيد سلمه.
اسماء الاشخاص الآخرين لم تنشر بعد. لوائح الاتهام الطويلة تذكر بالتفصيل عشرات حالات المس بالمدنيين، من بينهم نساء واطفال، وتدمير مستشفيات ومنع الطعام والمساعدات الانسانية، وتدمير البنى التحتية المدنية. مصدر رفيع في تركيا قال للصحيفة ان اعداد لوائح الاتهام تم بتعليمات واضحة من الرئيس رجب طيب اردوغان، واستمر لاسابيع طويلة. حسب قوله فان الصعوبة كانت متى سيتم نشر اوامر الاعتقال ولوائح الاتهام، حيث كان العائق الرئيسي هو النقاشات التي اجرتها تركيا مع الولايات المتحدة ودول الوساطة حول تشكيلة القوة الدولية التي ستدخل الى قطاع غزة من اجل اعادة الاعمار.
“يبدو ان اردوغان توصل الى استنتاج ازاء المعارضة الحازمة لاسرائيل للمصادقة على نشاط قوات تركية في غزة، والادراك بان الادارة الامريكية تميل الى تبني موقف اسرائيل”، قال المصدر التركي الرفيع. “اردوغان قرر انه لم يعد هناك أي سبب للانتظار”.
لكن من الجدير التعامل مع هذا التفسير التركي بتشكك. بالنسبة لاردوغان فان قضية مشاركة تركيا في القوة الدولية لم تنته بعد، وهو ينوي اجراء صراع حازم من اجلها. مشكوك فيه اذا كان يرى أي تناقض بين اصدار اوامر الاعتقال لشخصيات اسرائيلية رفيعة وبين احتمالية مشاركة تركيا في القوة الدولية. بمكانته كـ “عزيز الادارة الامريكية” ربما ان اردوغان يطمح الى تحقيق انجاز مزدوج: معاقبة اسرائيل والحصول على اذن من امريكا للمشاركة في القوة.
الامر لا يقتصر فقط على ترسيخ مكانة تركيا كدعامة رئيسية في الساحة، التي اصبحت محور السياسة الامريكية. لقد تم استبعاد تركيا لسنوات عن التدخل في الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، وهي لم تكن مشاركة في المفاوضات السابقة بين الادارات الامريكية واسرائيل والسلطة الفلسطينية حول حل “القضية الفلسطينية”. وحتى في الفترة التي كانت فيها علاقة اردوغان مع رؤساء الوزراء في اسرائيل جيدة، بل ممتازة، مثل صداقته مع اهود اولمرت، لم تعتبر اسرائيل تركيا وسيطة محتملة. وليس فقط اسرائيل.
ايضا الولايات المتحدة، مصر، الاردن والسلطة الفلسطينية، فضلت الوساطة العربية على تدخل تركيا. يجب التذكير في هذا السياق بانتقاد تركيا الشديد لدولة اتحاد الامارات بسبب التوقيع على اتفاق السلام مع اسرائيل، وتهديدها بقطع علاقاتها مع أبو ظبي في اعقاب التوقيع.
ايضا اثناء الحرب في غزة لم تجد تركيا لنفسها مقعد فارغ على طاولة الوساطة الرئيسية، رغم انه طلب منها عدة مرات، سواء من اسرائيل أو من امريكا، في الايام الاولى للحرب، الاسهام في جهود تحرير الرهائن. وحسب مصادر اسرائيلية، تركيا نجحت بالفعل في ضمان اطلاق سراح خمسة تايلانديين، وشاركت ايضا في النقاشات حول اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين، ألا انها بقيت بعيدة عن الساحة الرئيسية في كل “العروض العلنية” التي قدمتها قطر، مصر والولايات المتحدة. يبدو انه عند اقتراب المرحلة النهائية فقط، عندما قدم الرئيس الامريكي خطته لانهاء الحرب، كانت حماس هي التي منحت تركيا المكانة العلنية كدولة ضامنة لتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار وكل مراحل خطة النقاط العشرين.
الشراكة التركية التي تبناها ترامب بالتزامن مع توقيع اردوغان على “اعلان شرم الشيخ”، لامست نقاط ضعف كثيرة، ليس فقط في اسرائيل. فمصر، صاحبة الحق بوضع خطة ترامب الرئيسية، عندما اقترحت ما عرف بـ “الخطة المصرية” في شهر آذار الماضي، تنظر الآن بتشكك الى تدخل تركيا. ورغم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بعد 12 سنة من القطيعة والعداء، الا ان مصر لديها ايضا اعتبارات جوهرية ضد تدخل تركيا الكثيف في غزة.
اذا تقدمت خطة ترامب الى المرحلة الثانية والثالثة ولم تتوقف عند وقف اطلاق النار فان مصر تعتبر نفسها المرشحة الافضل لتكون الذراع التنفيذية في خطة اعادة اعمار غزة باشرافها تحت “مجلس السلام” الذي شكله ترامب. هذا لا يعني بالنسبة لها فقط مليارات الدولارات من الايرادات وتشغيل الشركات المصرية والمصريين في اعادة اعمار غزة، وشراء المواد الاستهلاكية ومواد البناء، وتحصيل الرسوم الجمركية وتحصيل الدفعات مقابل الخدمات التي يتم شراءها في غزة، بل مصر تسعى الى قيادة القوة الدولية لضمان “أمن” الحدود بينها وبين القطاع.
في هذه الخطة المستقبلية فان الامر الاخير الذي تحتاج اليه القاهرة هو منافسة تجارية مع تركيا، الامر الذي قد يؤثر سلبا على الارباح التي يمكن ان تحققها من غزة. وهذا ليس مصدر القلق الوحيد. فهناك مناطق توتر سياسية بين مصر وتركيا تنبع من المنافسة التي نشأت بينهما في ليبيا، عندما دعمت تركيا وقطر الحكومة المعترف بها سياسيا وعسكريا، بينما دعمت مصر ودولة الامارات العربية الجنرال الانفصالي خليفة حفتر.
ان اتفاق ترسيم الحدود الاقتصادية بين تركيا وليبيا، الذي هدد تصدير الغاز المصري الى اوروبا، اشعل صراع دبلوماسي بين الدولتين، الذي هدأ حاليا لا سيما بعد ان زودت تركيا مصر بسفينة عاز سائل من اجل مساعدتها على تجاوز ازمة الغاز فيها، لكن التوتر السياسي لم يتلاشى كليا. ايضا موقف تركيا ومصر من سوريا غير موحد. فخلافا للحفاوة التي احاط بها اردوغان الرئيس السوري احمد الشرع، ما زال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يظهر التهذيب والهدوء في تعامله مع من اصبح المحبب على الرئيس ترامب وصديقه المقرب محمد بن سلمان.
السيسي يخشى من ان يمنح دخول القوات التركية الى غزة، في الوقت الذي يحظى فيه اردوغان على دعم ترامب، “امتياز” بشان السيطرة الامنية في القطاع، ويلزم مصر على الاقل بالحفاظ على اليقظة العسكرية. لم يكن صدفيا ان يمتنع السيسي عن ارسال وزير الخارجية بدر عبد العاطي أو أي ممثل مصري، الى المؤتمر الذي بادرت اليه تركيا في الاسبوع الماضي من اجل مناقشة مستقبل غزة. وعندما سئل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، عن سبب غياب مصر اللافت عن المؤتمر اوضح بان وزير الخارجية المصري كان ينشغل بلقاءات دبلوماسية مهمة منعت مشاركته. ولكن مراجعة جدول اعمال وزير الخارجية كشفت عن عدم وجود أي لقاء مهم تم التخطيط له، أو تم عقده في القاهرة في الفترة التي انعقد فيها المؤتمر في تركيا.
القرار النهائي بشان مشاركة تركيا في القوة الدولية سيتم اتخاذه في نهاية المطاف في البيت الابيض، الذي يستخدم ضغط كبير على الدول العربية والاسلامية. حتى الآن غير واضحة تركيبة القوة، ومن الذي سيترأسها، وماذا ستكون مهمتها الدقيقة. فوق هذه الاسئلة تحلق قضية مصدر صلاحية نشاطاتها، هل ستكون هذه هي قوة لحفظ السلام، التي ستعمل تحت غطاء مجلس الامن، أو في اطار اتفاق دولي يوقع عليه الشركاء. واذا عملت تحت تفويض الامم المتحدة فهل ستحصل على الصلاحيات المعطاة لها ضمن البند 7 في ميثاق الامم المتحدة، الذي ينص على استخدام القوة العسكرية من اجل تطبيق السلام، أو هي ستكتفي بصلاحية الرقابة فقط.
مشروع القرار المقدم لمجلس الامن في يوم الخميس الماضي الذي صاغته الادارة الامريكية لا يجيب على كل اسئلة وشكوك الدول التي يتوقع ان تشارك في القوة. وقد اوضح وزير الخارجية التركي بان مشاركتها مرهونة بالاتفاق على النص النهائي لمشروع القرار. هنا يتوقع ان تكون تركيا عامل رئيسي قد يؤثر على صياغة القرار والية تنفيذه، حتى لو ان هذه الصياغة لم تتفق مع تطلعات اسرائيل. اذا قررت تركيا ان تكون في صف الولايات المتحدة والقيام بدور رائد يمهد الطريق لمشاركة دول اخرى في القوة الدولية، فمشكوك فيه ان تستطيع اسرائيل أو شراكة اسرائيلية – مصرية منع هذه الخطوة.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



