ترجمات عبرية

هآرتس: اردوغان لا يضيع وقته ويبني في دمشق وكيلا لتركيا

هآرتس 20/12/2024، تسفي برئيل: اردوغان لا يضيع وقته ويبني في دمشق وكيلا لتركيا

دونالد ترامب بالاجمال أراد مجاملة تركيا. “أعتقد أن تركيا ذكية جدا”، قال. “لقد نفذت سيطرة غير ودية (على سوريا) دون المس باشخاص كثيرين”. هذه الاقوال قالها الرئيس المنتخب في يوم الاثنين الماضي من خلال استخدام مفاهيم معروفة لديه من عالم الاعمال. ولكن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، لم يتحمس من هذه المقارنة. في مقابلة مع قناة “الجزيرة” قال إنه “سيكون من الخطأ الكبير اعتبار الثورة “سيطرة غير ودية”. اذا كانت هناك سيطرة فهي سيطرة إرادة الشعب السوري”.

إصرار فيدان على الدقة الدلالية في محله. أيضا في هذه المرة ترامب لم يكن دقيق تماما. تركيا حقا تنفذ عملية سيطرة، لكنها ودية بالتأكيد. على سبيل المثال هذا يتضح من المقابلة التي اجراها احمد الشرع، زعيم تنظيم المتمردين “هيئة تحرير الشام” مع الصحيفة التركية المؤيدة للحكومة “يني شفاك”. في هذه المقابلة رسم الشرع شبكة العلاقات التي يتوقع نسجها بين سوريا بقيادته وبين تركيا. “تركيا، التي قدمت الملجأ لملايين اللاجئين السوريين اثناء الحرب الاهلية، ستكون لها الأولوية في إعادة اعمار سوريا”، قال وأضاف. “نحن نؤمن بأن تركيا ستشاركنا التجربة التي راكمتها في تطويرها للاقتصاد… حيث أن هذا النصر ليس فقط من اجل الشعب السوري، بل أيضا من اجل الشعب التركي، لأن هذا هو نصر المضطهدين على مضطهديهم”. ليس هكذا تبدو السيطرة غير الودية.

الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، لا يضيع الوقت في الطريق الى تحويل سوريا الى دولة حماية تركية. في سلوكه هو يذكر بالطريقة التي فرضت فيها ايران حمايتها على العراق بعد فترة قصيرة على اسقاط صدام حسين تحت انف الإدارة الامريكية. استراتيجية اردوغان تعتمد على ساقين. الأولى، إقامة غلاف خارجي يؤيد ويساعد النظام السوري على الصعيد السياسي، الاقتصادي والدولي. والثانية، تعزيز اعتماد مراكز القوة المحلية على انقرة.

في يوم الثلاثاء الماضي استضاف اردوغان حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقد تناقشا، ضمن أمور أخرى، في التعاون بين الدولتين، بالأساس تمويل وإعادة اعمار سوريا. قطر وتركيا شريكتان مخضرمتان في كل ما يتعلق بـ “المشاريع” السياسية في الشرق الأوسط. مثلا عندما فرضت السعودية ودولة الامارات والبحرين ومصر في 2017 حصار اقتصادي على قطر، قامت تركيا بمساعدتها على تجاوز العقوبات عن طريق تأسيس قطار جوي (بالتعاون مع ايران). ايضا يوجد لتركيا قاعدة عسكرية كبيرة في قطر، تشمل 3 جندي وسرب طائرات اف16 في اطار اتفاق التعاون الأمني بين الدولتين. واذا لم يكن هذا كاف فقد عملت تركيا وقطر معا أيضا في ليبيا، الى جانب الحكومة المنتخبة هناك ضد طموحات الجنرال الانفصالي المدعوم من مصر ودولة الامارات وروسيا. تركيا قامت بارسال السلاح الى ليبيا والمدربين العسكريين، وحتى جنود عاديين. قطر من ناحيتها مولت عدد من هذه النشاطات وحتى الآن ما زالت تمول الحكومة المعترف بها.

سواء لتركيا أو قطر توجد علاقات وثيقة مع حماس وايران. قطر هي شريكة ايران في حقل الغاز الضخم في الخليج الفارسي؛ في نفس الوقت ايران تبيع الغاز لتركيا عبر أنبوب يمر في هاتين الدولتين. الآن كما يبدو، جاء دور سوريا للاندماج في هذا المشروع التجاري الضخم. في العام 2009 تناقشوا حول خطة لاقامة أنبوب غاز يربط بين قطر وتركيا، لكن هذا المشروع نزل عن الاجندة بسبب معارضة سوريا، التي عبرها كان يجب أن يمر هذا الانبوب، ولأن المشروع لم يكن اقتصادي.

بعد ذلك تغيرت الظروف في العالم. فاوروبا قلصت كمية الغاز الذي تشتريه من روسيا، وحتى أنها تتطلع الى تقليصها اكثر؛ المانيا وقعت على اتفاق لشراء الغاز السائل من قطر؛ أنبوب الغاز من قطر الى تركيا، ومنها الى أوروبا، يمكن أن تكون له جدوى اقتصادية لم تكن موجودة في 2009. المشروع بدأ في التشكل فعليا، على الأقل في أوراق العمل، وفي نفس الوقت اصبح اعتماد “سوريا الجديدة” على تركيا اكبر.

اردوغان لا ينوي التنازل عن هذه الفرصة الاقتصادية التي يمكن أن تجسد حلم تركيا في التحول الى مركز تسويق الغاز الى أوروبا. ولكن المنافسة على قلب الشرع كبيرة. ففرنسا فتحت من جديد سفارتها في دمشق، والاتحاد الأوروبي بدأ في مناقشة رفع العقوبات عن سوريا وإلغاء اعتبار تنظيم الشرع تنظيم إرهابي.

ومن اجل الحفاظ على “الحصرية” وتجسيد تفضيل تركيا من اجل اعمار سوريا، فان اردوغان ربط أيضا اطراف خيوط أخرى من بينها لبنان. في يوم الثلاثاء هبط في انقرة رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط، حسب البيان الرسمي. في المؤتمر الصحفي الذي قاما بعقده وعد اردوغان بـ “القيام بدوره” من اجل جعل إسرائيل توقف خرق وقف اطلاق النار. توجد للبنان أيضا مصلحة كبيرة في إعادة الى سوريا مليون لاجيء سوري الذين هربوا في الحرب الاهلية. ومثلما في كل موضوع يتعلق بسوريا فان اردوغان يحرص ليس فقط على أن يكون في الصورية، بل التوضيح بأنه العنوان الذي سيتم نقل من خلاله الرسائل الى احمد الشرع.

لبنان يستعد لانتخاب رئيس جديد. واللقاء بين ميقاتي واردوغان كان فرصة ممتازة لرئيس تركيا من اجل فحص التطورات السياسية في بيروت. يصعب التنبؤ اذا كان البرلمان في لبنان سيعقد في الموعد المخطط له في 9 كانون الثاني. ناهيك عن أنه يصعب التقدير اذا كان البرلمان سينجح في تجنيد الأغلبية لتعيين المرشح المتفق عليه. على أي حال، اذا كان لبنان يتطلع الى تسوية اموره مع سوريا ووضع علاقاته مع دمشق على أسس ثابتة فانه من الأفضل له تجنيد اردوغان الى جانبه.

الزعيم الدرزي – اللبناني وليد جنبلاط يتوقع أن يصل الى دمشق غدا أو بعد غد على رأس بعثة كبيرة كي يهنيء شخصيا الزعيم السوري الجديد. والد جنبلاط هو من أسس الحزب الاشتراكي التقدمي في لبنان، وكما يبدو فقد قتل على يد عملاء لحافظ الأسد في 1977 (رغم أن التحقيق لم يعرض أي ادلة قاطعة على ذلك). بالنسبة لجنبلاط فان مصافحة من قام باقصاء عن الكرسي نجل قاتل والده ستكون بمثابة اغلاق دائرة تاريخية. باختصار، جنبلاط له مصلحة أيضا في ضمان سلامة الدروز في سوريا وإقامة شبكة علاقات جديدة بين الدروز في لبنان والقيادة الجديدة في سوريا. وحسب عدة تقارير من لبنان فان جنبلا ط يتوقع أيضا أن “يمر في تركيا بدعوة من اردوغان قبل وصوله الى دمشق”.

انقرة تنتظر المقابل

بدرجة معينة تركيا لا تنوي الاكتفاء بالاحتضان السياسي الذي يقدمه الشرع. ففي بداية الأسبوع قال وزير الدفاع التركي، يشار غولار، بأن “تركيا مستعدة لتقديم لسوريا مساعدات عسكرية اذا طلب منها ذلك”. ورغم أنه لم يفسر نوع المساعدات، إلا أن مصدر سياسي في المعارضة التركية، تحدث مع “هآرتس”، قدر أن انقرة يمكن أن تكون المزودة الرئيسية للمعدات القتالية المختلفة من انتاجها لسوريا. أيضا قدر هذا المصدر بأن تركيا يمكنها ارسال مدربي ومهنيين من اجل تدريب الجيش الجديد، وبناء نظرية قتالية تناسب هذه الدولة، وأن تعطي الاعتماد المالي لتمويل هذه النشاطات.

لكن يجب الإشارة الى أن تركيا ليست جمعية خيرية، وهذه المساعدة ليست تعبيرا عن موجة احسان. مقابل السخاء يتوقع أن تطلب تركيا بإقامة حلف عسكري واستراتيجي مع النظام الجديد في سوريا، حلف يضمن مكانتها ويحوي تأثيرها في كل العمليات العسكرية والسياسية لسوريا، وربما حتى السماح لها بإبقاء قواتها على الأراضي السورية والاحتفاظ بالمناطق التي قامت باحتلالها. من اصبح يدرك المعنى والنتائج للحلف بين تركيا وسوريا هي موسكو. روسيا بدأت في النقاش مع تركيا وليس مع سوريا حول مستقبل ممتلكاتها، وبالاساس قاعدة سلاح الجو حميميم وقاعدة سلاح البحرية في طرطوس. إسرائيل من ناحيتها يمكنها توقع أنه في فترة قصيرة ستبدأ تركيا في خطوات دولية لابعاد قوات الجيش الإسرائيلي من المناطق الجديدة التي قام الجيش الإسرائيلي بغزوها في هضبة الجولان.

بناء جيش، شرطة وجهاز مخابرات، ووضع اهداف عسكرية، لم يتم طرحها حتى الآن على جدول الاعمال العام في سوريا. الشرع ينشغل الآن بالأساس في تهدئة المجتمع الدولي والأقليات في سوريا إزاء الشكوك المكشوفة التي بحسبها الحديث يدور عن نظام يتوقع أن يكون نظام إسلامي متطرف. أحد الذين المحوا لهذه التخوفات هو وزير الخارجية الأمريكي، انطوني بلينكن، الذي ذكر منذ فترة قصيرة بأنه أيضا طالبان كانت تظهر جيدة قبل السيطرة على الحكم. ولكن التصريحات المتساهلة للشرع والمقابلات التي اكد فيها على القلق على حقوق الانسان ومكانة الأقليات لا يمكنها طمس التحدي الأصعب الذي يواجهه وهو التوحيد. يجب على الشرع توحيد المليشيات القطرية والمحلية، العصابات وأبناء القبائل المسلحة، في جسم عسكري واحد يخضع للقيادة السياسية العليا. الشرع سيكون بحاجة الى مساعدة تركيا كي توافق على اخضاع “جيش سوريا الحر”، وهو تجمع المليشيات الأكبر الذي يعمل برعايتها وخضع لاوامر انقرة، لجيش سوريا الجديد. هكذا، يجب على الجيش السوري أن يشمل أيضا مليشيا هيئة تحرير الشام، التي ستضطر الى التنازل عن مكانتها المتميزة والاندماج في الجيش الجديد. الشرع اعلن في الأيام الأولى بأنه بعد الثورة سيكون مستعد لنزع سلاح المليشيا الخاضعة له من اجل تشكيل جيش سوري. ولكن لا يوجد يقين بأن هذه المليشيا التي ليست جميعها تتكون من جسم واحد، ستوافق بإرادة وتفهم تفكيكها، أو التنازل عن مكانتها المميزة.

مسألة بنية واهداف الجيش السوري الجديد هي فقط جزء من التحدي. والسؤال المطروح الآن هو عن مكانة القوات الكردية المسلحة التي تدير تركيا الحرب ضدها منذ فترة طويلة. انقرة تهدد بتوسيع غزوها للأراضي السورية من اجل ابعاد القوات الكردية عن المناطق التي توجد شرق نهر الفرات، وذلك بعد أن استطاعت من طردها من مدن رئيسية في غرب النهر. وقف اطلاق النار بين مليشيا “جيش سوريا الحر” والقوات التركية الذي اعلن عنه في بداية الأسبوع، سينتهي في نهاية الأسبوع، واذا لم يتم تمديده فان تركيا يمكن أن تنفذ تهديدها.

زعيم القوات الكردية، مظلوم عبادي، اقترح في هذا الأسبوع اقامة “مناطق منزوعة السلاح على طول جزء من الحدود بين سوريا وتركيا”. وحسب قوله فانه مستعد لتوحيد القوات الكردية مع الجيش السوري الجديد عند تشكيله. ومشكوك فيه اذا كانت هذه الخطوة ستكون كافية لتركيا، لا سيما عندما الجيش السوري الجديد لم يتم تشكيله حتى الآن، ومستوى سيطرة الشرع على كل ارجاء سوريا وعلى كل المليشيات المسلحة لم يتم اثباته بعد. ولكن تركيا غير مستعجلة في الذهاب الى أي مكان. ومقارنة مع إسرائيل فانه لا يوجد عليها أي ضغط دولي يطلب منها الانسحاب.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى