هآرتس: اذا أفشل نتنياهو الصفقة العالم سيسمع بذلك
هآرتس 18/8/2024، الون بنكاس: اذا أفشل نتنياهو الصفقة العالم سيسمع بذلك
التدخل الامريكي الكثيف في المفاوضات حول صفقة التبادل ووقف اطلاق النار في غزة لا يحدث لوجه الله، وهو غير نابع من حب جو بايدن لاسرائيل وقلقه الصادق على أمنها، وخوفه من التوجه الخطير، حسب رأيه، الذي يجر اسرائيل اليه. هذه اعتبارات حقيقية ولكنها ثانوية. الاعتبار الاكثر اهمية هو الخوف من أن رئيس الحكومة في دولة حليفة يمكن أن يضر مباشرة بالمصالح الامريكية الحيوية. سلوك نتنياهو، رفض مناقشة اليوم التالي في غزة وفي كل المنطقة والانطباع الذي تولد بأنه يتطلع الى اطالة الحرب بدون أي هدف أو أي حاجة وتضليل الادارة الامريكية، كل ذلك جعل واشنطن تفقد الصبر والتسامح. الآن الولايات المتحدة، المصابة والتي تم خداعها، ليس فقط مشاركة، بل هي تهدد ايضا. اذا لم يتم التوصل الى الاتفاق والادارة كانت مقتنعة بأن نتنياهو هو المسؤول، فان الرئيس الامريكي يفكر في القاء خطاب علني يشير فيه الى نتنياهو على اعتبار أنه مذنب. ولتعزيز حجته يمكنه اقتباس اقوال يوآف غالنت ودادي برنياع واعضاء آخرين في طاقم التفاوض، الذين تعرف الادارة الامريكية مواقفهم جيدا.
سياسة امريكا هي نتيجة اندماج عدة مصالح، بدرجات حيوية والحاحية متغيرة، على رأسها الحاجة الى منع التصعيد الاقليمي. فمنذ تشرين الثاني وحتى كانون الاول 2023، لا سيما في الاشهر الاخيرة، الولايات المتحدة خلافا لاسرائيل تعتبر غزة ولبنان منظومة للاواني المستطرقة. فانهاء الحرب في غزة هو مفتاح منع التصعيد بين اسرائيل وحزب الله، ومنع التصعيد بين اسرائيل وحزب الله هو مفتاح منع التصعيد بين ايران واسرائيل. من هنا فان وقف اطلاق النار سيمنع وضع تنجر فيه الولايات المتحدة الى منطقة الشرق الاوسط – مواجهة لا توجد لديها أي رغبة في الغرق فيها، أو رأس مال سياسي لانفاقه عليها أو أي فائدة يمكن أن تحصل عليها منها.
مصلحة امريكا الفورية هي التوصل الى انهاء الحرب. نقطة. الطريقة هي صفقة تشمل وقف اطلاق النار لمدة شهر ونصف، التي عرضها بايدن في نهاية شهر أيار. الخطة هي، كما قال، اسرائيلية. ولكن منذ ذلك الحين اسرائيل تراجعت عنها، وفقط الولايات المتحدة استمرت في التمسك بها. الحرب اصبحت عبء يجبي الثمن السياسي من الرئيس ومن بلاده. من هنا فان مصلحة الادارة الامريكية السياسية هي التحرر من الازمة التي تسبب فيها دعمه لاسرائيل، والتأكد من أن القضية سيتم طمسها وازاحتها بحيث لا تصبح عبئا عليه – والآن على نائبته، كمالا هاريس، المرشحة للرئاسة في الانتخابات بعد 80 يوم بالضبط.
مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية كانت وما زالت بناء هيكل عظمي لتحالف اقليمي يشمل اسرائيل ومصر والاردن والسلطة الفلسطينية والسعودية وقطر ودولة الامارات، كمحور مقابل “محور الفوضى والارهاب” الذي مركزه في ايران، والذي يشارك في عضويته حزب الله وحماس والحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق، والمدعوم من روسيا. لبناء هذا المحور مطلوب وقف اطلاق النار والالتزام بالعملية السياسية. بالنسبة للامريكيين هذه رزمة معيارية: يجب عليكم البدء من نقطة معينة، وغزة هي الحل.
التدخل الامريكي لا يقتصر على مشاركة رئيس الـ سي.آي.ايه النشطة في المفاوضات أو زيارة وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن. المساعدات الامريكية لاسرائيل منذ 7 تشرين الاول تمت مناقشتها بشكل موسع وبعمق، والمعطيات معروفة. هكذا تمت المصادقة على مساعدة طواريء بمبلغ 14.3 مليار دولار، اضافة الى الـ 800 مليون دولار التي حولتها وزارة الخارجية، من خلال تجاوز الكونغرس تحت عنوان “قرار طواريء يتعلق بالأمن القومي الامريكي”، من اجل تمويل الذخيرة التي تحتاجها اسرائيل بشكل فوري. في تشرين الاول زار البلاد لفترات طويلة جنرالات امريكيون قدموا النصائح والاستشارة لنظرائهم الاسرائيليين، ومنذ ذلك الحين تجري زيارات مستمرة لوزير الدفاع لويد اوستن وقائد قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الامريكي، الجنرال مايكل كوريلا.
لكن يوجد بُعد آخر، دراماتيكي وغير مسبوق في تدخل امريكا فيما يحدث في المنطقة في الاشهر العشرة للحرب: ثلاث مرات ارسلت الولايات المتحدة قوات الى المنطقة، وفي مرة منها حتى شاركت بشكل ناجع في الدفاع عن اسرائيل. في تشرين الاول، بعد اربعة ايام على هجوم وحماس وبعد يوم على الخطاب الذي القاه بايدن وحذر فيه ايران وحزب الله من التصعيد، ارسلت الولايات المتحدة حاملات طائرات وقوة اقتحام كبيرة من المارينز الى البحر المتوسط والخليج الفارسي؛ في شهر نيسان، بعد أن قامت اسرائيل باغتيال رجال حرس الثورة قرب السفارة الايرانية في دمشق، كثفت الولايات المتحدة القوات في الخليج الفارسي وفي خليج عدن وقامت باعتراض معظم الـ 330 صاروخ ومسيرة التي اطلقتها ايران والحوثيين نحو اسرائيل؛ في شهر تموز، بعد اغتيال رئيس اركان حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية، في طهران، ارسلت الولايات المتحدة مرة اخرى قوة مهمات تشمل حاملة طائرات وطائرات اف 22 المتملصة، ومرة اخرى حذرت ايران من التصعيد. هذا الامر لم يحدث في أي يوم، رغم أن اسرائيل والولايات المتحدة تعتبران حليفتان منذ ثمانينيات القرن الماضي.
هذا البُعد يسلط الضوء على التناقض في العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل، التي تميل الى الغطرسة والجشع وجنون العظمة. كلما قامت اسرائيل بتشبيه نفسها بالقوة العظمى كلما زاد اعتمادها على الولايات المتحدة، سياسيا وعسكريا واستراتيجيا. التدخل الزائد للولايات المتحدة في الاشهر الاخيرة في ادارة الحرب في رفح، وبشكل خاص في المفاوضات حول صفقة تحرير المخطوف ووقف اطلاق النار، هو جزء من ذلك. نتنياهو يمكنه التبجح حتى النهاية بالقدرة على الصمود امام بايدن، ويمكنه حتى الوصول الى المريخ مع الكذب حول أنه رئيس الحكومة الوحيد الذي صمد بشموخ أمام رئيس امريكي، وربما ايضا تضليل جمهور مؤيديه والمعجبين به، لكنه يعرف بشكل جيد ما هو عمق ونطاق الاعتماد على الولايات المتحدة. في مجلس الامن وامام العالم وتزويد اسرائيل بالسلاح الدقيق وصفقات طائرات اف 35 واف 15. هذا ايضا اذا لم يرغب في وقف اطلاق النار. وحسب الادارة الامريكية فانه غير مهتم على الاطلاق بأي عملية يمكن أن تؤدي الى انهاء الحرب بالفعل. واذا لم تتحقق الصفقة واذا لم يقتنع بايدن بأن نتنياهو هو المسؤول فان العالم سيسمع بذلك.