هآرتس: احتمالية النجاح والخطر الكامنة في مبدأ الضربات العشرة
هآرتس 26/9/2024، يوسي ميلمان: احتمالية النجاح والخطر الكامنة في مبدأ الضربات العشرة
الصاروخ البالستي الذي اطلقه حزب الله صباح أمس، الذي تم توجيهه حسب قوله الى مقر الموساد والمعلومات والمهمات الخاصة في غاليلوت، يعزز نعقيدة الحرب لدى حزب الله ضد اسرائيل، التي ترتكز الى عقيدة “المعادلات”، التي تضع اسرائيل مقابلها عقيدة “التصعيد بالتدريج” أو “مبدأ الضربات العشرة”.
الحديث يدور عن صاروخ ارض – ارض من نوع “قادر 1″، وهو نسخة عن نموذج “شهاب 3” الذي قامت ايران بتطويره، ويرتكز في الاساس على صاروخ لكوريا الشمالية. “شهاب 3” دخل الى الخدمة في ايران قبل عشرين سنة تقريبا. “قادر 1” يحلق على ارتفاع 400 كم، ويمكن أن يحمل رأس متفجر بوزن يصل الى طن، وسرعته تبلغ 4 آلاف كم في الساعة، أي ثلاثة اضعاف ونصف سرعة الصوت. على فرض أن الصاروخ تم اطلاقه من مكان يبعد 200 كم تقريبا عن غاليلوت فان تحليقه استغرق اقل من خمس دقائق. وقد تم اعتراض هذا الصاروخ في سماء هشارون، على بعد 20 كم عن الهدف، بصاروخ اطلق من بطارية مقلاع داود، بدون اصابات واضرار بالممتلكات.
هذه هي المرة الثانية التي يستهدف فيها حزب الله غاليلوت، المرة الاولى كانت قبل شهر، في حينه قام باطلاق مسيرة تحمل كمية متفجرات قليلة، بضع عشرات الكيلوغرامات. تلك المسيرة كانت رد على تصفية رئيس اركان حزب الله فؤاد شكر في الضاحية في بيروت قبل شهرين تقريبا. في الحقيقة فؤاد شكر قتل في هجوم لسلاح الجو، لكن حسب حزب الله فان المعلومات الدقيقة عن مكان تواجده وفرها الموساد.
حزب الله يعلن الآن بأن صاروخ “قادر 1″، الذي يمكن أن يكون فتاك في حالة اصابته، اطلق ردا على مهاجمة اجهزة البيجر والاستمرار في تصفية قادته العسكريين، من بينهم ابراهيم عقيل. عقيدة “المعادلات” التي صاغها ويطبقها رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تقول بأنه اذا كان الموساد هو المسؤول أو يشارك في عمليات الاغتيال والتخريب فانه بالنسبة لحزب الله يعتبر هدف مشروع للهجوم.
هذه النظرية لحزب الله تمت صياغتها قبل بضع سنوات، وتم توسيعها بحيث تسري ليس فقط على احداث مباشرة بين اسرائيل ولبنان، بل تسري ايضا على عمليات اسرائيل ضد اعضاء حزب الله في سوريا. في 7 تشرين الاول الماضي قام حسن نصر الله بتوسيعها وتطبيقها ايضا على الحرب في قطاع غزة. وهذا هو السبب، كما شرح وبرر حزب الله، في قرار خرق وقف اطلاق النار وخرق قرار مجلس الامن 1701، وفتح جبهة جديدة ضد اسرائيل كاشارة على التضامن مع حماس.
حسب هذه المعادلة فان هجوم كثيف على بيروت سيتطلب اطلاق الكثير من الصواريخ نحو تل ابيب وتل ابيب الكبرى. مبدأ المعادلة هو الذي يوجه حزب الله الى عدم اطلاق الآن المزيد من الصواريخ نحو المركز، بل الاكتفاء بالصاروخ الوحيد الذي اطلق نحو مقر الموساد.
طوال سنة تقريبا تصرفت اسرائيل بحذر، وهجماتها في لبنان كانت محسوبة. هي فقط ردت ولم تبادر، رغم جرأة ووقاحة حزب الله الهجومية، الذي اطلق عشرات آلاف الصواريخ والمسيرات على الشمال، قواعد عسكرية ومستوطنات حتى خط صفد. في الاسبوع الماضي قرر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الانتقال الى الهجوم. اعتباراته في معظمها سياسية، مواصلة الحرب من اجل بقائه وبقاء حكمه. وقد انضم اليه بدون خيار وزير الدفاع يوآف غالنت الذي يحظى بدعم رئيس الاركان هرتسي هليفي وقائد سلاح الجو والجنرالات في هيئة الاركان، الذين هم على قناعة بأنه فقط القوة العسكرية هي مفتاح انهاء الحرب.
هكذا ولدت عقيدة “التصعيد بالتدريج” و”الضربات العشرة”، التي تلقي بضربة قاسية على حزب الله. آلاف من الابعين ألف من اعضاء حزب الله، بما في ذلك قادة كبار وقادة في المستوى المتوسط، قتلوا أو أصيبوا، أو أن قدرتهم العملياتية تضررت، وعشرات آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات وعدد كبير من منصات الاطلاق تم تدميرها. كل ذلك اضافة الى قتل مئات اللبنانيين وتدمير آلاف البيوت.
فرضية انطلاق اسرائيل هي أن عقيدة التصعيد ستهزم عقيدة المعادلات لحسن نصر الله، وأنه سيطلب وقف اطلاق النار واجراء تسوية سياسية. هذه العملية تنطوي على فرصة، حتى لو لم تكن كبيرة، لتغيير الاتجاه. حتى فترة متأخرة كانت التسوية المعقولة والمنطقية الموجودة على الطاولة ترتكز الى خطة الرئيس الامريكي، أي التوصل الى وقف لاطلاق النار في قطاع غزة، الذي سيمكن من عقد صفقة لتحرير المخطوفين مقابل اطلاق سراح سجناء فلسطينيين، الامر الذي سيؤدي الى وقف اطلاق النار في لبنان. ربما الآن يمكن استغلال الضربات الموجهة لحزب الله، التي ايران تقلق جدا منها، من اجل القيام بعملية تؤدي الى وقف اطلاق النار في لبنان بوساطة دولية، التي في اعقابها ستبدأ المفاوضات من اجل انسحاب قوات حزب الله الى مسافة معقولة عن حدود اسرائيل واعادة المخطوفين. هذه العملية سيرافقها وقف اطلاق النار في غزة بناء على خطة الرئيس الامريكي جو بايدن.
الحروب دائما تنتهي بوقف اطلاق النار والمفاوضات على تسوية بعيدة المدى. الايمان الاعمى بأنه يمكن هزيمة حزب الله بشكل كامل هو وهم خطير سيؤدي الى استمرار الحرب لفترة طويلة، بدون خطة لـ “اليوم التالي”، وتدهور آخر في مكانة اسرائيل في العالم، واضرار كبير بالاقتصاد، وربما حتى جر ايران الى دائرة دموية.
*يوسي ميلمان متخصص في قضايا الاستخبارات، مؤلف ثمانية كتب منها : كتاب جواسيس غير مثاليين، كتاب جواسيس. ميلمان هو خريج قسم التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس وأكمل دراسات شهادة مؤسسة نيمان في جامعة هارفارد. وهو عضو مؤسس لمنظمة “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين” ومقرها واشنطن.