ترجمات عبرية

هآرتس: اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود سلاحاً في يد بوتين

هآرتس 24/7/2022، بقلم: انشل بابر

بصعوبة مر نصف يوم على توقيع الاتفاق على تصدير الحبوب من أوكرانيا، الذي سماه سكرتير عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، “بصيص أمل في البحر الأسود”، وقامت روسيا بقصف الميناء في مدينة أوديسا بصواريخ كروز، أمس. سارع الكرملين إلى نفي إطلاق الصواريخ الأربعة نحو أوديسا، تم اعتراض اثنين من المضادات الجوية الأوكرانية، وأصاب واحد صومعة حبوب في الميناء. ومن المتوقع أن يدعي بأنه قد وجه صواريخه نحو موقع عسكري لا يشمله الاتفاق. ثمة حقيقة واحدة واضحة، وهي أن روسيا لا تنوي التنازل بسهولة عن أداة الضغط الرئيسية التي لديها على الاقتصاد الأوكراني وعلى تجارة الغذاء العالمي.

من غير الواضح متى سيتم استئناف تصدير الحبوب في البحر الأسود. حسب الاتفاق الذي تم توقيعه في إسطنبول، فإن ميناء أوديسا وميناءين قريبين في يوجنه وشورنومورسك على الشاطئ الشمالي للبحر الأسود، قد تكون محمية من الهجمات العسكرية، وسفن الشحن التي ستخرج منها ستقطع البحر إلى تركيا، التي ستقوم بمعالجة استمرار نقل البضائع.

قد يعيق الهجوم الروسي تطبيق الخطة، لكن ثمة إنجازات أخرى للروس؛ ففي إطار المفاوضات، أوضحوا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنه لا عقاب على التصدير الزراعي من روسيا كجزء من العقوبات التي فرضت عليها. في الحقيقة، كان هذا هو الوضع قبل ذلك، ولكن خوف شركات التمويل الدولي من العقوبات أضر بروسيا، التي تجد صعوبة في تصدير الغذاء والأسمدة الروسية إلى العالم. وثمة إنجاز آخر للروس في إطار الاتفاق، وهو حضور مراقبين من قبلها بحيث يفحصون السفن الداخلة إلى أوكرانيا من أجل التأكد من أنها لا تستورد السلاح أو الوسائل القتالية. بكلمات أخرى، حصلوا على حق الفيتو على التصدير الأوكراني، ولا أحد سيتفاجأ إذا استخدموا ذلك بصورة واسعة.

الحصار البحري والجوي الذي فرضه الروس على أوكرانيا منذ بداية الغزو، قبل خمسة أشهر بالضبط، ربما هو الإنجاز الاستراتيجي الوحيد لهم في معركة عسكرية فاشلة. مسارات تقدمها البري الرئيسية نحو المدن الرئيسية، كييف وخاركوف وأوديسا، تم قطعها جميعاً. كانت لهم في الحقيقة إنجازات برية في شرق أوكرانيا، بالأساس عندما استكملوا احتلال منطقة لوغانسك، لكن تقدم روسيا في دونيتسك يراوح في المكان، في حين أن الأوكرانيين يصدون الروس في إقليم خارسون.

وفي الساحة البحرية، فرغم عدم وجود سفن حربية خاصة بأسطول أوكرانيا، فإن الروس يتعرضون للإخفاقات. الغزو المخطط له لأوديسا من البحر تم إلغاؤه عندما أثبت الأوكرانيون بأن بطاريات الدفاع عن الشواطئ يمكنها تهديد الأسطول الروسي في البحر الأسود. وحتى التسبب بإغراق السفينة الرئيسية في الأسطول، حاملة الصواريخ “موسكو”.

نجحت أوكرانيا بواسطة صواريخ هجومية وصواريخ بعيدة المدى في إعادة جزيرة الأفاعي لها. الأمر الذي مكنها من استئناف النقل البحري من الموانئ الصغيرة في غرب البحر الأسود. ولكن الموانئ الرئيسية حول أوديسا ونيكولايف ما تزال تحت الحصار، وموانئ بحر آزوف، التي في أساسها ماريوبول المدمرة، سقطت في يد الروس. نتيجة لذلك، ليس لأوكرانيا طريقة لتصدير معظم الحبوب التي تراكمت في المخازن في الأشهر الخمسة الأخيرة والتي تقدر الآن بـ 22 مليون طن، لا سيما القمح. وها لا يشل اقتصاد أوكرانيا فحسب، بل ويؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية.

وافقت روسيا على التوقيع على الاتفاق في إسطنبول من أجل تحرير تصدير الحبوب لديها أيضاً. ولكن السبب الأساسي كان الضغط الذي استخدمته عليها دول في الشرق الأوسط، التي ما زالت لها معها علاقات جيدة والتي تحتاج إلى القمح. والرئيس التركي اردوغان الذي التقى الرئيس الروسي بوتين الأسبوع الماضي في القمة الثلاثية في طهران، استخدم ضغطاً خاصاً به. هو الآن في موقف قوة مهم، حيث تشكل تركيا المخرج للبضائع الروسية إلى العالم في فترة العقوبات، وهي ستتحول من الآن أيضاً إلى مركز لنقل محاصيل أوكرانيا.

إطلاق الصواريخ على أوديسا يدل على أن الاتفاق في خطر. بالنسبة لبوتين، هذا يعيد له درجة تأثير على الأحداث بعد أن تنازلت روسيا كما يبدو عن سلاح الحصار البحري. حتى إذا استؤنف التصدير من أوكرانيا في الأيام القريبة القادمة، فمهم لبوتين أن يثبت للعالم أن بإمكانه إغلاق الصنبور في أي وقت. لا يدور الحديث فقط عن سلسلة تزويد الغذاء العالمي (أوكرانيا تصدر نحو 10 في المئة من استهلاك القمح العالمي ونحو نصف استهلاك زيت عباد الشمس)، بل يدور أيضاً عن تهديد يحلق فوق المواطنين في أوروبا بخصوص التزويد بالغاز في الشتاء القادم.

       اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود

ليس عبثاً أن يتأخر تزويد السلاح الذي وعدت ألمانيا به أوكرانيا، لدول أخرى في أوروبا وفرت السلاح لأوكرانيا. في المقابل، حصلت على وعد من ألمانيا بالتزويد بالسلاح. ربما يتعلق الأمر أيضاً بعدم الاستعداد من قبل الأمريكيين لإضافة تزويد بطاريات صواريخ “اتش.آي.ام.إي.آر.اس”، التي فعلت العجائب في الجبهة اللوجستية للجيش الروسي، أيضاً صواريخ مداها 300 كم.

يراهن بوتين الآن بأن بإمكانه تهديد تطبيق الاتفاق، في حين يخشى الغرب من تزويد سلاح ثقيل آخر لأوكرانيا، وفي المقابل، لن يغلق الأتراك قنوات التصدير الروسية. يعتقد الرئيس الروسي بأنه سينجح في الرهان؛ لأن الدول الغربية غير مستعدة في هذه الأثناء لدراسة الخطوة البديلة الوحيدة التي ستضمن تصدير الحبوب من أوكرانيا، مثل إقامة قوة بحرية دولية تطور مجدداً مسارات التجارة في البحر الأسود وتحميها.

الدول الأعضاء في حلف الناتو ومن بينها تركيا، لها القدرة البحرية لفعل ذلك، لكنها ما زالت تصمم على تجنب أي خطوة قد تودي بها إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا. ما دام الوضع بقي على هذه الحال سيواصل بوتين خنق اقتصاد أوكرانيا والتسبب بنقص غذاء عالمي.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى