هآرتس: إنجازات الجيش تسمح بانهاء الحرب، اما الحكومة فلا
هآرتس 15/11/2024، عاموس هرئيل: إنجازات الجيش تسمح بانهاء الحرب، اما الحكومة فلا
ما يتم الهمس به في أروقة جهاز الامن سيكون في القريب مفهوم لمعظم الجمهور. أساس التهديد العسكري الذي يشكله رجال حماس في قطاع غزة تجاه منطقة الغلاف، تمت ازالته في هذه المرحلة. وحتى التهديد من القطاع على مركز البلاد تقلص الى الحد الأدنى. أيضا القدرات العسكرية لحزب الله تقلصت جدا، حتى لو كان بامكانه مواصلة اطلاق كل يوم مئات الصواريخ نحو شمال البلاد وصليات مركزة نحو المركز. تحسن الإنجازات العملياتية التي حققها الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات يعتمد على مزيد من الضغط عسكري آخر – من الآن فصاعدا سيعتمد على العمل السياسي.
لكن هذا الأفق السياسي لا تنوي الحكومة توفيره. في غزة لن تكون صفقة طالما أن الامر يتعلق بها. في لبنان الاحتمالية اعلى، لأن الاتفاق الذي تتم مناقشته بسيط اكثر. ولكن استمرار الحرب، بشكل خاص في غزة، يخدم بقاء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو السياسي، لذلك فانه من الصعب التصديق بأنه سيتم انهاءها.
الجنرال احتياط يعقوب عميدرور، وهو من المستشارين المقربين من نتنياهو، قال بشكل علني في مقابلة مع “هيئة كان” في بداية الاسبوع: “صفقة التبادل ستمكن حماس من مواصلة السيطرة في غزة، لذلك لا يمكن تنفيذها”. وحسب قوله فان إسرائيل ستحافظ على تواجدها في القطاع حتى بعد انتهاء الحرب. أول أمس اقتبست القناة 13 اقوال جنرال الاحتياط نيتسان الون، وزير شؤون الاسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي، وهو رجل مستقيم بطبعه، الذي كل هدفه إعادة المخطوفين، حذر من أن “الوقت يدفع والوضع يتدهور. حماس أصبحت متضررة في كل مكان، الشتاء على الباب وظروف المخطوفين في حالة تدهور. إنجازات الجيش الإسرائيلي تخلق الفرصة لعقد الصفقة”. مكتب نتنياهو رد على ذلك ببيان: “الحديث يدور عن كذبة أخرى في صناعة الأكاذيب”. شخص ما ابقى ماكنة السم على الحالة الاوتوماتيكية ونسي توقيقها.
حرب أبدية استهدفت وبحق خدمة اهداف نتنياهو الشخصية – التملص من الاخطار الثلاثة التي تهدد استمرار حكمه: تبكير موعد الانتخابات، تشكيل لجنة تحقيق رسمية تناقش الإخفاقات التي سمحت بحدوث المذبحة في 7 أكتوبر وبدء تقديم شهادته في محاكمته الجنائية في بداية الشهر القادم (المحكمة المركزية في القدس رفضت أول أمس طلبه لتأجيل تقديم شهادته). بداية ولاية ترامب الثانية يمكن أن تساعد في ذلك، وأن تزيل عن نتنياهو ضغط إدارة بايدن. يبدو أنه يمكن التقدم كما هو مخطط نحو اهداف طموحة اكثر – احتلال دائم لاجزاء من القطاع، إعادة المستوطنات الى هناك وربما ضم الضفة الغربية. هذا هو السبب في أن المستوطنين فرحين جدا في الأيام العشرة الأخيرة.
عمليا، ربما تلوح في الأفق الآن نقطة تصادم بين الاجندات المتناقضة للمعسكرين اللذين يستند اليهما ائتلاف نتنياهو، الأحزاب الحريدية وأحزاب اليمين المتطرف. استمرار القتال في الشمال وفي الجنوب سيفرض عبء ثقيل على رجال الاحتياط خلال العام 2025، وسترافقه تأثيرات قاسية على الاقتصاد. أيضا عائلات كثيرة من عائلات جنود الاحتياط تعلن بأنها تجد صعوبة في تحمل العبء الاقتصادي والنفسي، ناهيك عن عدد المصابين المتزايد (حسب بيانات قسم الموارد البشرية فانه منذ بداية الحرب وحتى مساء أمس قتل 794 جندي، بينهم 269 من جنود الاحتياط).
المزيد من العمليات الهجومية الواسعة في لبنان ستحتاج الى مزيد من القوات، وضمن ذلك تجنيد غير مخطط لوحدات احتياط أخرى. في وقت ما يمكن أن تندلع ازمة بابعاد لا يمكن تقديرها مسبقا، الى درجة حدوث مشاكل في الامتثال لاوامر التجنيد. في الخلفية يوجد احباط متزايد – أيضا في أوساط مؤيدي الصهيونية الدينية – من قوانين التهرب التي يحاول الائتلاف تمريرها، مع تجاهل صارخ للضحايا في أوساط من يخدمون في الجيش. نتنياهو مقيد من قطاعين، وطلباتهما يمكن أن تكون متناقضة. ومن اجل تجسيد حلم المستوطنين فانه مطلوب المزيد من الجنود والمزيد من العبء على رجال الاحتياط. في حين أن الحريديين يريدون ضمان تسوية التهرب وضخ الميزانيات ومواصلة سرقة الخزينة العامة لغاية المصوتين لهم. هذه التوجهات لا تندمج مع بعضها البعض، وبينها يعلق جمهور كبير من المدنيين، الذي هو شريك كامل في دفع الثمن، وليست له أي كلمة في تحديد الأهداف المتغيرة والمتوسعة للحرب.
ما الذي يريده دونالد ترامب؟ في الفترة الأخيرة ظهرت إمكانية أن الرئيس المنتخب سيحاول املاء وقف لاطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حتى قبل دخوله الى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني القادم. ربما هذه أيضا هي مصلحة للطرفين. حزب الله تم ضربه عسكريا (حتى لو أنه لم يُهزم)، ودولة لبنان تكبدت اضرار شديدة بسبب الهجمات الإسرائيلية، وهناك اعتقاد بأن ايران أيضا معنية بتقليص الخسائر. يوجد لإسرائيل كما يبدو مصلحة في انهاء المعركة اذا استطاعت الحكومة اقناع سكان المنطقة على الحدود الشمالية بأنه يمكنهم العودة بأمان الى بيوتهم (حتى عندها ستبقى مهمة اصلاح كبيرة في المستوطنات المهجورة).
في القطاع، مثلما وصف في هذا الأسبوع ينيف كوفوفيتش وآفي شاريف في “هآرتس” فان الاستعداد على الأرض يشير الى وجود خطط للجيش الإسرائيلي للبقاء هناك لفترة طويلة. الجيش الإسرائيلي يقوم بشق الشوارع الواسعة وبناء مواقع عسكرية ثابتة كبيرة واعداد بنى تحتية للمدى الطويل، شمال القطاع مقسم الى مناطق فرعية والجيش الإسرائيلي يطوقها ويسيطر على كل طرق الخروج منها. هكذا يتصرف جيش يقدر بأن قواته ستنتشر في القطاع، على الأقل خلال العام 2025، وليس كجيش يتوقع في كل لحظة عقد صفقة تبادل ووقف اطلاق النار والانسحاب الكامل. اهتمام الإدارة الامريكية الجديدة في واشنطن مع ذلك محدود. ترامب لم يظهر في أي يوم تعاطف مع الفلسطينيين، وقوانين الحرب للقانون الدولي تهمه مثل قشرة الثوم.
رؤية قصيرة النظر
كل المجتمع الدولي متأهب، وبعضه حتى قلق، في اعقاب الفوز الساحق لترامب في الانتخابات. دولة واحدة، هي ايران كما يبدو، قلقة بشكل خاص. تقريبا مرت ثلاثة أسابيع منذ الهجوم الإسرائيلي الأخير في ايران وحتى الآن الرد الذي وعد به النظام في طهران يتباطأ. في الولايات المتحدة نشر أن الإيرانيين يضغطون على المليشيات الشيعية في العراق لاستخدام عشرات المسيرات في الهجوم على إسرائيل. حتى الآن هذه المليشيات تكتفي باطلاق عدد قليل من المسيرات، تقريبا كل ليلة. في الخلفية يتطور نقاش حذر في القيادة في ايران: هل يجب التنازل ومحاولة بلورة اتفاق نووي جديد مع الإدارة الامريكية الجديدة أو مواصلة السير على الحافة، وحتى الإعلان عن انعطافة في تحقيق قدرة نووية كاملة.
نتنياهو تأثر من عودة صديقه ترامب الى الصورة، وفي المقابل هو مضغوط من التحقيقات ضد رجال مكتبه، ويقوم بالقاء خطابات على الوزراء بشأن واجب منع كارثة ثانية على اليهود وعن الحاجة الى الاستعداد لامكانية مهاجمة المنشآت النووية. عمليا، رغم النجاح الواضح في المس بمنظومات الدفاع الجوية الإيرانية فان خبراء أجانب يشككون بشكل كبير في قدرة إسرائيل على تدمير كل المنشآت النووية الموجودة تحت الأرض بدون أن تكون في اطار هجوم منسق مع الولايات المتحدة. هذه بالتأكيد قضايا طرحت في السابق في المحادثات الهاتفية بين نتنياهو وترامب منذ الانتخابات، وفي بعثة الوزير المقرب جدا منه رون ديرمر للولايات المتحدة.
في محيط نتنياهو وفي قوائم اليمين المتطرف وفي وسائل الاعلام التي تردد اقوالهم، تسود نشوة بعد ما نشر عن التعيينات الأولية التي يخطط ترامب لها. الرئيس يريد الدفع قدما بصقور هجوميين في قضية ايران، ومؤيدين متحمسين لمشروع الاستيطان ومشجعين ظاهرين لرئيس الحكومة. هذه نظرة ضيقة تتجاهل مواقف متطرفة، بعضها هستيري حقا، لبعض المرشحين للمناصب الرئيسية.
لنفترض أن معارضة التطعيمات وتأييد نظرية المؤامرة بشأن أكاذيب وباء الكورونا لا يجب أن تقلق مواطني العالم، لكن بعض المشكلات هي قريبة جدا من البيت، وربما يمكن أن تقلق أيضا الإسرائيليين. تولسي غفارد، الذي يريد الرئيس المنتخب تعيينها كمديرة المخابرات القومية والتي اشتهرت كعضوة كونغرس ديمقراطية، رددت صفحة رسائل الكرملن وأيدت الاعمال الفظيعة لنظام الأسد في الحرب الاهلية في سوريا. وزير العدل المرشح، مات غايتس، متهم في قضايا تحرش جنسي واستهلاك المخدرات والحصول على هدايا ممنوعة. المرشح لوزارة الدفاع، بيت هيغست، في الحقيقة هو حارب برتبة ضابط عادي في العراق وفي أفغانستان، لكن تنقصه التجربة الإدارية والأمنية. يبدو أنه اعجب ترامب بالأساس بسبب ظهوره في وظيفة محلل في شبكة “فوكس نيوز”. في نفس الوقت تنتشر فكرة أخرى يقوم ترامب بفحصها: خفض رتبة جنرالات تم الاشتباه فيهم من ناحيته بعدم الإخلاص. هذا نوع المشاعر التي لا تبقى في الجانب الغربي للمحيط الأطلسي. من كانوا هناك في 2017 يتذكرون كيف تبنى نتنياهو ومحيطه خط هجومي اكثر تجاه من يخدمون في الوظائف العامة، خاصة كبار رجال جهاز الامن والقضاء، فورا بعد فوز ترامب الأول في الانتخابات الامريكية. بعد ذلك ازدادت في إسرائيل قوة ومهارة ماكنة السم التي تعمل في خدمة رئيس الوزراء في محاولة لتخويف المسؤولين وكبار الضباط.
التبرير المناوب لذلك في الفترة الأخيرة يكمن في الاشتباه بقضية سرقة المعلومات السرية من الاستخبارات العسكرية “أمان”، التي تم نقلها الى مكتب رئيس الحكومة ومن هناك الى وسائل اعلام أوروبية. ابواق نتنياهو شبهت في السابق المتحدث بلسانه، المعتقل ايلي فيلدشتاين، بالمخطوفين في انفاق غزة. أيضا بيان مكتب رئيس الحكومة تحدث عن “اقبية الشباك”، في محاولة للمقارنة بينهما، وهذا جزء من التسريبات المتعمدة في قضية المخطوفين.
التحقيق مع فيلدشتاين في الشباك انتهى فعليا. في الأسبوع القادم سيتم استكمال التحقيق في الشرطة، ويبدو أنه سيتم تقديم لوائح اتهام. وفقا لطلب رئيس الأركان هرتسي هليفي فان الشباك ركز على العثور على ومنع تسريب خطير للمعلومات من الجيش. هو لم يتعمق في علاقات فيلدشتاين مع المسؤولين عنه ومع مساعدين ومتحدثين آخرين في المكتب. التحقيقات لم تحاول الوصول ولن تصل الى نتنياهو نفسه. هناك الكثير من طبقات العزل، والمساعدون يعرفون جيدا أهدافه ورغبته من اجل أن يجتاز الزعيم كما يبدو بسلام هذه القضية أيضا.
في هذه الاثناء تتبلور رواية الدفاع. التحقيق، كالعادة، هو تحقيق سياسي، يهدف الى اسقاط رئيس الحكومة المنتخب، زعيم معسكر اليمين. ضباط الاحتياط في الاستخبارات العسكرية كانوا بالاجمال مواطنين قلقين أرادوا جلب معلومات حيوية لرئيس الهرم، بعد أن تم منعهم بالطرق الدارجة.
بيانات المكتب وتغريدات الابواق بدأت على الفور بعد أن عرض محامي المشبوهين رواية تقول إن فيلدشتاين قال لموكله بأن نتنياهو اهتم بالمواد وطلب مواد أخرى. ومثلما تظهر الأمور من الخارج فان الانقضاض المتوحش على رئيس الشباك رونين بار استهدف ردعه هو وكل حراس العتبة الذين ينشغلون في التحقيق والبث لرجال نتنياهو بأن رئيس الحكومة ما زال مخلصا لهم، حتى عندما يتورطون في تحقيق في الشباك بسبب اخلاصهم له.
مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook