ترجمات عبرية

هآرتس: إلى أين تقود المناورة؟ سؤال عمره عقدان أجابت عنه غزة

هآرتس 2023-11-15، بقلم: عاموس هرئيل: إلى أين تقود المناورة؟ سؤال عمره عقدان أجابت عنه غزة

في العمليات السابقة بقطاع غزة تم التحدث كثيرا­ً عن الحاجة إلى المسّ بـ”المربع الأمني” لـ”حماس”، وهو منشأة تتكون من معسكرات تقع في جنوب غربي مدينة غزة. في العام 2009، أثناء عملية “الرصاص المصبوب” وصلت قوة صغيرة من الدبابات وناقلات الجنود المدرعة إلى مداخل المنطقة. ضابط كبير في قيادة إحدى الفرق المشاركة في المناورة بالقطاع سئل، أول من أمس، عن وضع المربع الأمني، قال: “هو يستخدم الآن كموقف لوقوف الدبابات”.
استعراض إسرائيل الجزئي وضبابية المعركة التي تفرض فصل القطاع عن وسائل الإعلام في الجانب الفلسطيني، يصعبان الحصول على صورة كاملة عن المعارك التي تجري في شمال القطاع. فعلياً، القوة التي يستخدمها الجيش بوساطة ثلاث فرق والتدمير الشديد الذي يلحقه هناك، يعطيان ثماراً عسكرية أولية.
صحيح أن إسرائيل ما زالت بعيدة عن هزيمة “حماس”. رئيس “حماس” يحيى السنوار يعيش كما يبدو تحت الأرض في مكان آمن، ولا توجد لديه أي نية لأن يأمر رجاله بالتوقف عن القتال. ولكن كتائب “حماس” في غرب مدينة غزة والضواحي الشمالية لها تجد صعوبة في الصمود أمام الضغط العسكري الذي تتعرض له. تقدم الجيش الإسرائيلي مرهون بالمصابين، وأحياناً ترافقه مقاومة شديدة من قبل “حماس”، كما حدث مؤخراً في مخيم الشاطئ للاجئين. ولكن في هذه الأثناء يبدو أن “حماس” غير قادرة على وقف أو تأجيل لفترة طويلة فرقة إسرائيلية عندما تدخل إلى العمل في منشأة عسكرية أو في أحد الأحياء.
الجيش الإسرائيلي يواصل العمل بشكل متعمد قرب المستشفيات في شمال القطاع، التي تستخدمها “حماس” لأغراض عسكرية. أول من أمس، قامت قوة كوماندو بحرية بعملية تمشيط في مستشفى الرنتيسي. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، العميد دانييل هاجري، قال: إنه يتم احتجاز في المكان بعض الإسرائيليين المخطوفين.
ميزان القوة الذي يتجسد في هذه الأثناء في كل يوم على ميدان المعركة يضاف إلى الحدث الأكثر أهمية للحرب: مطالبة إسرائيل من سكان شمال القطاع بإخلاء المنطقة والانتقال إلى الجنوب. إسرائيل فرضت بالقوة هجرة جماعية تقريباً لـ 900 ألف شخص، والفلسطينيون سيحتاجون إلى سنوات كي يغيروا نتائج ذلك (هذه الخطة تم التدرب عليها في السابق، لكن ليس بهذا الحجم الواسع). معظم منطقة المعارك في الشمال ستكون غير ملائمة للعيش فيها لأشهر طويلة، إذا لم نقل لسنوات. في هذه الحرب تم تدمير أحياء كاملة في غزة وضواحيها، ولا نريد التحدث عن كمية المواد المتفجرة التي ستبقى في الميدان.
من فكر أن يبني خلال 15 سنة منظومة قتالية تحت الأرض، تحت بيوت مليونَي شخص، كان عليه أن يأخذ ذلك في الحسبان، بالضبط كما يجب أن يفحص التداعيات على أبناء شعبه عندما أمر بتنفيذ المذبحة الجماعية ضد المدنيين الإسرائيليين في غلاف غزة. في الحالتين يبدو أن زعماء “حماس” تجاهلوا النتائج المتوقعة، أو ببساطة لم يكن ذلك يعنيهم.
“واشنطن بوست” نشرت، أول من أمس، استناداً لمصادر إسرائيلية وفي المنطقة أن الخطة الرئيسة لـ”حماس” في 7 تشرين الأول تضمنت وصول مخربين إلى مركز البلاد، وحتى إلى الضفة الغربية. المراسلون في الصحيفة أوردوا بتوسع عملية تخطيط دقيقة، التي نهايتها أعمال وحشية متعمدة لا يمكن استيعابها. بعد خمسة أسابيع ونصف الأسبوع هذه الأحداث الفظيعة هي التي تملي سلوك إسرائيل. خلال سنوات كثيرة من تغطية عمليات الجيش الإسرائيلي لم أشاهد مثل هذا التصميم لدى القادة والجنود. وقد ذكّر قليلاً بالمناخ الذي ساد بعد المذبحة بفندق “بارك” في نتانيا، التي أدت إلى عملية “السور الواقي” في آذار 2002، لكن للدقة يجب مضاعفة الانطباع ثلاثين مرة.
إزاء الضغط الدولي فإنه مشكوك فيه إذا كان هذا الأمر سيكون ممكناً، لكن من ناحية الضباط في القطاع فإن العملية يجب أن تنتهي فقط عندما ستتم هزيمة “حماس”.

الواجب الأخلاقي
بعد عقدين على التردد بروحية “إلى أين تذهب المناورة البرية”، الجيش حصل في هذه المرة على عملية برية كبيرة، رغم التخوفات في المستوى السياسي من الفشل والخسائر. في هذه الأثناء فإن التخوفات لم تتحقق. عدد المخربين الذين قتلوا يقدر بأكثر من 4100، من بينهم تقريباً 1100 في المعارك الأولى بالأراضي الإسرائيلية. آلاف كثيرة أخرى أصيبوا (يجب هنا إضافة ملاحظة تحذير يقول إن الجيش دائماً يميل إلى المبالغة في تقدير خسائر العدو). في جميع المستويات يوجد رضا كبير واضح حتى الآن من العمل المشترك بين سلاح الجو والاستخبارات والقوات على الأرض، ومفاجأة للأفضل في أداء ألوية سلاح المشاة والمدرعات رغم النقص النسبي في التجربة العملياتية.
حتى الآن بقيت هناك ثلاث مشكلات أساسية. الأولى، التفوق العسكري لا تتم ترجمته إلى استسلام “حماس” أو حتى لا يظهر كذلك. الثانية، الجيش الإسرائيلي تقريباً لا ينشط في جنوب القطاع حيث هناك تم حشر المدنيين، والجيش يجب عليه الاهتمام بوجودهم بعد ذلك، لا سيما عندما يتفاقم الوضع الإنساني الذي يتوقع أن يصبح أكثر تعقيداً كلما اقترب الشتاء ومعه الأوبئة التي يمكن أن تتفشى. الثالثة هي أن هذه المعركة بدأت بتفوق كبير لـ”حماس”، في أعقاب حملة القتل والاختطاف في 7 تشرين الأول – المنظمة تنوي استخدام ذلك كي تبتز من إسرائيل صفقات تبادل، وهي ترغب في تأطيرها كانتصار إستراتيجي.
أول من أمس، للمرة الأولى منذ أسبوع لم يتم نشر أي تقارير جديدة عن المفاوضات. في الخطوط العامة، فإن صورة الاتصالات معروفة. الحديث يدور عن إطلاق سراح في المرحلة الأولى نحو 80 شخصاً من المخطوفين، النساء والأطفال والمرضى، وأيضاً عدد من الأجانب، مقابل ثلاثة أمور تطلبها “حماس” وهي: وقف مؤقت لإطلاق النار، وإطلاق سراح سجناء من السجون الإسرائيلية، والتزود بالوقود. الخلاف الرئيس هو حول أيام الهدنة (التي تأمل “حماس” أن تصبح وقفاً طويلاً لإطلاق النار، وأثناء ذلك تجري مفاوضات على إطلاق سراح المخطوفين الآخرين). وزير الدفاع، يوآف غالانت، وضباط كبار في الجيش يريدون مواصلة الضغط على “حماس”، بذريعة أنه بذلك سيكون بالإمكان إجبار يحيى السنوار على تقديم تنازلات. ولكن إذا تم فيما بعد وضع على الطاولة اقتراح جدي، وكان من الواضح أن “حماس” يمكنها تنفيذه، فمن المرجح أن توافق الحكومة عليه. الواجب الأخلاقي تجاه المدنيين الذين تم التخلي عنهم في 7 تشرين الأول هو ببساطة كبير جداً.

أوامر في “إكس”
على الحدود مع لبنان يواصل “حزب الله” كل يوم القيام بهجمات بالصواريخ المضادة للدروع وقذائف الهاون على قوات الجيش الإسرائيلي. أحياناً هذه الهجمات تكون مقرونة بمسيّرات هجومية، وتجري محاولات للمسّ أيضاً بالمناطق التي توجد أبعد جنوب الحدود، وضمن ذلك في مستوطنات مدنية. استمرار هجمات “حزب الله” على خلفية ما حدث في الجنوب يعزز مطالبة سكان خط المواجهة في الشمال بفتح معركة مع لبنان. الادعاء الذي له وزن كبير يقول: إنه لا يمكن العودة للسكن في المستوطنات هناك دون إبعاد “قوة الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني على الأقل.
في 11 تشرين الأول، كما سبق ونشر، كان هناك نقاش صاخب في القيادة الإسرائيلية حول مسألة عملية هجومية استباقية ضد “حزب الله” في لبنان. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، رفض في نهاية المطاف في اللحظة الأخيرة توصية غالانت وكبار الضباط في الجيش بالتصعيد في المنطقة الشمالية. نتنياهو خشي من إدارة معركة غير مخطط لها وغير مسيطر عليها في جبهتين، وفضّل عدم التصادم مع الولايات المتحدة التي أعلنت قبل يومين من ذلك عن نشر قوات في المنطقة لصالح إسرائيل.
منذ ذلك الحين حدث أمران. “حزب الله” صعّد هجماته والجيش الإسرائيلي بدأ في العملية البرية في قطاع غزة. استفزازات “حزب الله” ستزداد أيضاً على خلفية الافتراض بأن جزءاً غير قليل من الجيش البري يوجد في الجنوب، وأنه سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لكي تستطيع إسرائيل الاستعداد لحرب في جبهتين. في هذه الأثناء إسرائيل ما زالت تأخذ موقفاً دفاعياً في الشمال وهي تحاول ضبط المواجهة في مستوى أقل من حرب شاملة.
هذا لا يزعج عدداً من شبان صوت الجيش الإسرائيلي المتقاعدين في المطالبة بانقضاض على الفور على “حزب الله” وتوزيع أوامر في “إكس”، في الوقت الذي يحركون فيه في مخيلتهم فرقاً في صندوق الرمال الإقليمية. ولكن الحياة نفسها أكثر تعقيداً من إبقاء القرارات للمحللين في الأستوديوهات وفي الشبكات. ربما لن يكون أي مناص من حرب مع “حزب الله”؛ وربما أيضاً أن الوضع المعقد سيقتضي مواجهة في جبهتين. ولكن من الجدير التوصل إلى مثل هذه القرارات ليس من خلال الحسابات السياسية والاعتبارات الشخصية، بل استناداً إلى عملية عقلانية لبلورة سياسة تأخذ في الحسبان أيضاً الثمن الباهظ الذي تنطوي عليه حرب إقليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى