ترجمات عبرية

هآرتس: إسرائيل تطلق تلميحا شديدا لإيران، اما التهديد فبقي على حاله

هآرتس 27/10/2024، عاموس هرئيل: إسرائيل تطلق تلميحا شديدا لإيران، اما التهديد فبقي على حاله

الهجوم الجوي الاسرائيلي على ايران فجر يوم السبت استهدف تحقيق امرين: اظهار وابراز القدرات . اسرائيل ارادت الرد، وفي الواقع اغلاق حساب على هجوم الصواريخ البالستية الايرانية عليها في 1 تشرين الاول، على أمل أن تختار ايران عدم مواصلة الآن تبادل اللكمات. في نفس الوقت هي تستعد لما سيأتي فيما بعد، الذي من شأنه أن يأتي. سلاح الجو اثبت قدرته الهجومية في المدى البعيد، التي في المستقبل يمكن أن تهدد ايضا الذخر الثمين للنظام في طهران، المشروع النووي. وقد اصاب ايضا بشكل كبير قدرات الدفاع الجوية الايرانية كاستعداد للهجوم القادم اذا كانت أي حاجة اليه.

ايران لم ترد على الفور، بتصريحات ملزمة أو بالافعال، على الهجوم الاسرائيلي. ولأن الامر يتعلق بنظام شمولي فانه لا توجد لديه أي مشكلة في طمس حجم الهجوم والبيع لمواطنيه الاكاذيب عن درجة الضرر. الهجمات الجوية السابقة، في نيسان وفي الاول من تشرين الاول، جاءت كرد متأخر على خطوات لاسرائيل، وسبقها فترة تردد في القيادة العليا في النظام. عملية اسرائيل الاخيرة تم تنسيقها بحرص مع الولايات المتحدة بكل تفاصيلها. اسرائيل لم تعول على أن ايران لن ترد على الاطلاق على الهجوم. هي أرادت (ونجحت) منع الايرانيين من توجيه رد تلقائي. ربما هذا الرد سيأتي فيما بعد، ومن المرجح أن يكون محدود على خلفية الظروف الحالية التي ترتبط ايضا بدعم امريكا لاسرائيل. ايران يمكنها محاولة تجنيد حزب الله ايضا في الرد، لكن ايضا قدرات الاطلاق لدى حزب الله تضررت بشكل كبير كما تبين في الفترة الاخيرة رغم مواصلة الاطلاق اليومي له نحو الجبهة الداخلية في اسرائيل.

لكن حتى لو اختارت طهران عدم الرد عسكريا في هذه المرة فانه لا زال من غير المحتمل أن نرى في ذلك بالضرورة نهاية للقضية. اسرائيل وايران غارقتان في حرب اقليمية تجري بين حين وآخر وبقوة مختلفة، ايضا بسبب المسافة البعيدة بينهما. في هذه المعركة يندمج ايضا وكلاء ايران مثل حزب الله وحماس الى جانب تدخل الدول العظمى في الخلفية، وطوال الوقت هناك خطر اكبر في أن يحدث تصادم مباشر مع اسرائيل ويودي بالنظام الى اتخاذ قرار بشكل نهائي بشأن الاندفاع نحو الذرة. أي انتاج القنبلة النووية، بعد تردد استمر اكثر من ثلاثة عقود.

بروفا عامة

خلافا لبعض التقديرات المسبقة في وسائل الاعلام الاجنبية فان اسرائيل لم تهاجم منشآت النفط في ايران، بل اكتفت بالاساس بضرب الاهداف العسكرية. مع ذلك، “نيويورك تايمز” نشرت بأن احد الاهداف التي تم قصفها هو موقع بارتسين، القريب من طهران، الذي في السابق تم ذكره كجزء من المواقع السرية للمشروع النووي الايراني. الضربة التي تم كتب عنها في بارتسين تبث اشارة قوية للايرانيين، ويبدو أنها تستغل النفي المتواتر للنظام وكأن الامر يتعلق بجزء من المشروع النووي. 

في الهجوم الاسرائيلي شاركت عشرات الطائرات من انواع مختلفة. وحسب التقارير فقد وجه ضد عشرين موقع تقريبا التي تمت مهاجمتها في ثلاث موجات منفصلة. وحتى قبل ضرب اراضي ايران نفسها ضرب سلاح الجو بطاريات الدفاع الجوي في سوريا من اجل تمهيد الطريق للطائرات المهاجمة. ايضا جزء كبير من الاهداف التي تمت مهاجمتها في ايران مرتبطة بمنظومات الدفاع الجوية واستمرار ضرب الرادارات من نوع اس 300 قرب اصفهان في شهر نيسان، الذي نسب لاسرائيل.

الجيش الاسرائيلي يريد بث بذلك أنه قادر على المس بكل نقطة في الشرق الاوسط، بدقة عالية، دون صلة بالمسافة، وأن ايران ستجد صعوبة في منعه عن ذلك. منظومة الدفاع الجوي في ايران تعتمد على الشراء من روسيا، هذه منظومات باهظة الثمن وفي هذه الفترة يوجد نقص فيها، ازاء الحرب الطويلة بين روسيا واوكرانيا، حيث أن موسكو ستجد صعوبة في مساعدة طهران بسرعة في شراء جديد. في الجيش الاسرائيلي يقدرون أن أي منظومة صواريخ ارض – جو الاستراتيجية في ايران اصيبت، ومثلها ايضا منظومات الكشف في غرب ايران. 

حتى الآن تصعب ترجمة هذه الاشارات بشكل مباشر على الصعيد النووي. اسرائيل في الحقيقة طورت قدرات هجومية مؤثرة للمدى البعيد، لكن عرض قدراتها يجري في مرحلة متأخرة جدا بشأن المشروع الايراني. يوجد لايران ما يكفي من المواقع البديلة المحمية تحت الارض لتخزين مخزون اليورانيوم المخصب ومركبات اخرى للبرنامج. مستوى المعرفة المهنية الذي تراكم لديهم يبدو أنه عال بما فيه الكفاية من اجل أن لا يتسبب قصف المواقع أو قتل المزيد من علماء الذرة في شل المشروع النووي كليا. 

من المهم للامريكيين استيعاب الهجوم، وبالتأكيد عندما بقيت عشرة ايام حتى موعد الانتخابات للرئاسة في امريكا. في السباق للرئاسة فان الامر الاخير الذي يحتاجه الحزب الديمقراطي الآن هو تصعيد آخر في ازمة الشرق الاوسط التي يمكن أن تتدهور ايضا الى ازمة للطاقة. في الاحلام القديمة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سينجح في جر الامريكيين، بقدراتهم العسكرية الضخمة، لمهاجمة المواقع النووية في ايران بأنفسهم. مع الاخذ في الحسبان طبيعة الهجوم فانه يصعب رؤية هذا يحدث قبل الانتخابات. بعد الانتخابات سيبدأ فصل الشتاء الذي فيه ظروف المناخ ستقيد امكانية الهجوم.

في نفس الوقت ستدخل الادارة الامريكية الحالية الى فترة البطة العرجاء، سواء فازت نائبة الرئيس، كمالا هاريس، في الانتخابات أو فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب. ربما أن هذه الفترة ستتميز باتخاذ خطوات ضد نتنياهو. ومن المحتمل اكثر هو أن عداء الحزب الديمقراطي لنتنياهو سيوجه نحو القناة الفلسطينية. فهناك التوتر بين بايدن ونتنياهو بارزة جدا. وحتى الآن الادارة الامريكية ستكون ملتزمة أقل بدعم اسرائيل مما هي الآن، عشية الانتخابات.

الرئيس جو بايدن قال أمس بأنه يأمل بأن تبادل اللكمات بين اسرائيل وايران انتهى. مصادر في الادارة الامريكية، تحدثت مع المراسلين، عبرت عن الدعم الكامل لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، ووصفت الهجوم بأنه دقيق ومحسوب وناجع – ركز على المواقع العسكرية دون تعريض حياة المدنيين للخطر. هذا حسب قول هذه المصادر، خلافا للهجوم الايراني الاخير الذي في الحقيقة وجه كما يبدو الى مواقع عسكرية، لكنه اختار بشكل متعمد اطلاق صواريخ بالستية نحو مواقع في داخل تل ابيب الكبرى المكتظة بالسكان.

قائد سلاح الجو الجنرال تومر بار قال للطيارين قبل الهجوم بأن السلاح قام باعداد الهجوم بصورة تذكر بعملية الاعداد الدقيق لاهداف “دائرة اولى” في سوريا وفي لبنان. بار لا يمكنه أن يحل لرجاله مشكلة المسافة الطويلة الى ايران، وساعات الطيران التي تنطوي على ذلك. ولكن التجربة الضخمة التي راكمها سلاح الجو ومساعدة الاستخبارات والتنسيق الوثيق مع الامريكيين، كل ذلك مكن من زيادة الدقة والنجاعة للهجوم.

عمليات القصف ركزت على نوع آخر من الاهداف وهو منشآت انتاج الصواريخ والمسيرات. بين اسرائيل وايران يجري في الاشهر الاخيرة سباق تسلح. الصناعات الجوية انتقلت الى نمط انتاج متسارع، بهدف اغراق منظومات الاعتراض الاسرائيلية. هذا احد اسباب قرار امريكا تعزيز الدفاع في اسرائيل ببطارية الصواريخ “ثاد”. إن ضرب وسائل الانتاج يمكن أن يبطيء وتيرة عمل ايران والتخفيف قليلا على منظومة الدفاع الاسرائيلية. ايضا هنا يقدرون في الجيش بأن الامر يتعلق بأضرار كبيرة تحتاج من ايران اشهر كثيرة للتغلب عليها. 

الهجمات من المعارضة بذريعة أن الهجوم اصغر واضعف مما تم الوعد به، غير مقنعة. ليس من الحكمة تطويق نتنياهو من اليمين؛ السؤال هو الى أين ستؤدي الخطوات القادمة وهل اسرائيل لن تتورط أكثر من اللزوم في مواجهة مباشرة مع ايران، التي ربما ستكون كبيرة على مقاسها. 

شرك استراتيجي

الهجوم في ايران أبعد عن العناوين الثمن الدموي الفظيع الذي ندفعه بسبب استمرار الحرب، بدون حسم أو اتفاق سياسي في الجبهات الاخرى. في الايام التي سبقت الهجوم قتل في اقل من 48 ساعة 15 اسرائيلي، عشرة من جنود الاحتياط في احداث مختلفة في جنوب لبنان، وثلاثة جنود نظاميين في قطاع غزة، واثنان من المدنيين العرب في اسرائيل بنار الصواريخ نحو القرى في الجليل.

الحكومة، بصورة آخذة في التفاقم في الاسابيع الاخيرة تظهر اللامبالاة شبه المطلقة بهذه التطورات. من بين كل التصريحات التي صدرت مؤخرا برزت اقوال الوزير سموتريتش، الذي في احتفال عيد نزول التوراة في سدروت قرر استغلال المناسبة للاعلان بأنه ينوي في السنة القادمة باجراء جولات في غوش قطيف.  وهو شريك كبير في الائتلاف (حتى لو أنه حسب الاستطلاعات لن يجتاز نسبة الحسم في الانتخابات القادمة) وهذه هي سياسة الحكومة التي يساعد على وضعها.

التهديد القادم من ايران هو تهديد مهم، لكن من المريح لحكومة نتنياهو تركيز الانشغال الآن بما يحدث هناك، من اجل حرف النقاش عن الشرك الاستراتيجي الذي تعلق فيه اسرائيل في لبنان وفي قطاع غزة، رغم الانجازات المثيرة الاخيرة للجيش الاسرائيلي واذرع الامن الاخرى. في هيئة الاركان يعتقدون أن الظروف آخذة في النضوج من اجل عقد صفقة شاملة، تنهي القتال في كل الجبهات، بما في ذلك مع ايران. في هذه الاثناء نتنياهو لا يظهر أي اهتمام بذلك، أو بالدفع قدما بصفقة التبادل رغم أن المفاوضات مع دول الوساطة تم التخطيط لاستئنافها اليوم في قطر. بدون أي عملية سياسية شاملة تشرك الامريكيين وتشمل تقديم تنازل سريع ومطلوب حول اعادة المخطوفين فان الحرب ستستمر لفترة طويلة، ومعها سيرتفع بشكل كبير الثمن.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى