هآرتس: إسرائيل تتورط في الشمال دون أن يكون الوضع في الجنوب قد استقر
هآرتس 28/7/2024، عاموس هرئيل: إسرائيل تتورط في الشمال دون أن يكون الوضع في الجنوب قد استقر
منذ أشهر طويلة واسرائيل تلعب في الشمال نوع من لعبة الروليتا الروسية. آلاف من الصواريخ ومئات المسيرات اطلقها حزب الله على مستوطنات الجليل والجولان، وحتى الآن لم ينجح في التسبب بحادثة تتسبب بعدد من الضحايا. الاحصائيات بلغت الذروة بعد ظهر أمس في ملعب كرة قدم في البلدة الدرزية مجدل شمس التي توجد على منحدرات جبل الشيخ. 12 طفل وفتى قتلوا بصاروخ “فلق” ثقيل الوزن الذي اطلقه حزب الله، و29 آخرين أصيبوا، بعضهم اصاباتهم بالغة.
اطلاق حزب الله كان من ناحيته رد على هجوم اسرائيلي في كفار كيلا، الذي قتل فيه قبل فترة قصيرة اربعة من رجال قوة الرضوان، قوة الكوماندو في حزب الله. في جهاز الامن تم مساء أمس عقد جلسة تشاور مستعجلة ومصادر مجهولة هددت برد شديد على الحادثة في مجدل شمس.
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يمكنه المشاركة في هذه النقاشات فقط عن بعد. تصميمه الزائد والأناني على تمديد زيارته في الولايات المتحدة حتى نهاية الاسبوع أبقاه في واشنطن، في حين أن اسرائيل وحزب الله اكثر قربا من أي وقت مضى منذ 7 تشرين الاول من الحرب الشاملة. من الصعب القول بأن هذا كان أمر غير متوقع.
بعد ساعات من التأجيل والتردد اعلن مكتب رئيس الوزراء بأنه “اصدر تعليمات لتبكير عودته الى اسرائيل في أسرع وقت”. واظهار الاسف العلني على موت اطفال الجولان تم تركه لبضع ساعات، كالعادة، للمتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي. فضح الاخفاقات ليس من شأن نتنياهو. طوال الحرب ضد حماس حرصت اسرائيل على ادارة المواجهة مع حزب الله كساحة ثانوية. في بداية الحرب وزير الدفاع يوآف غالنت وبعض كبار قادة الجيش دفعوا نحو توجيه ضربة مسبقة لحزب الله، لكن نتنياهو تحفظ من ذلك، ايضا على خلفية الضغط الامريكي الكبير.
منذ ذلك الحين الطرفان في الشمال يتبادلان اللكمات، لكنهما تجنبا حتى الآن التدهور الى حرب شاملة. الوسيلة الاكثر شدة التي مارستها اسرائيل هي سلسلة الاغتيالات لقادة كبار في حزب الله.
حزب الله زاد بالتدريج من حدة ردوده على هذه العمليات، ومؤخرا اطلق صليات، 100 – 200 صاروخ، احيانا كانت موجهة لعمق 40 كم عن الحدود، ردا على كل عمليات الاغتيال. هكذا تصرف أمس ايضا عندما قام باطلاق عشرات الصواريخ نحو الجليل وجبل الشيخ وشمال هضبة الجولان، وإن كان لم يعلن عن قائد كبير كان بين القتلى للهجوم الاسرائيلي.
في ظل غياب استراتيجية اسرائيلية ملموسة تم تسويق الاغتيالات كرد مناسب على عدوانية حزب الله. عمليا، من غير الواضح درجة تأثيرها. هي بالتأكيد لم تكبح حزب الله. الآن من المرجح أن نتنياهو وغالنت وجهاز الامن سيقررون رد اكثر قسوة. بعض المشاركين يعتقدون أنه سيكون بالامكان دفع حزب الله الى الزاوية بواسطة عدد من “ايام القتال” الاكثر كثافة، دون الانجرار الى حرب شاملة. هذه مقامرة يصعب مسبقا تقدير نتائجها.
من الواضح حتى الآن هو أن عدم التوصل الى صفقة التبادل ووقف لاطلاق النار مع حماس في الجنوب، الموجودان على الاجندة منذ فترة طويلة في الجنوب، يعقدان الوضع اكثر في الشمال.
اسرائيل فضلت عدم شن حرب شاملة في جبهتين في نفس الوقت. ربما الآن هي ستقف امام التصعيد في الشمال بدون توفير الاستقرار في الجبهة في الجنوب. وعد نتنياهو بالنصر المطلق الذي اطلقه في الولايات المتحدة، وحتى القبعة التي تم عرضها بمناسبة الزيارة تبدو الآن فارغة اكثر من أي وقت مضى. ويحتمل أن تدخل امريكا الحازم هو فقط القادر على وقف التدهور.
ابتعاد الصفقة
الشخصيات الامريكية الرفيعة الثلاثة التي التقى معها رئيس الحكومة قبل عودته من الولايات المتحدة، الرئيس جو بايدن ونائبته كمالا هاريس والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، عرضوا مواقف متشابهة جدا حول انهاء الحرب بين اسرائيل وحماس. وحسب تصريحاتهم في الفترة الاخيرة فانهم يعتقدون أن الحرب يجب انهاءها في القريب وتحقيق وقف كامل لاطلاق النار، اضافة الى اعادة جميع المخطوفين المحتجزين لدى حماس.
حتى الآن احتمالية حدوث انعطافة في المفاوضات ضعيفة، بالعكس، جميع القيادة العليا الامنية في اسرائيل تتشارك القلق بأن خطوات رئيس الحكومة الاخيرة استهدفت ضمان بأن لا يكون أي تقدم في المفاوضات في الفترة القريبة القادمة. يبدو أن نتنياهو يمهد الارضية لفشل آخر في المفاوضات، والتصعيد في الجبهة الشمالية الآن يمكن أن يعمل على تفاقم وضع المفاوضات.
اسرائيل اليوم ارسلت ردها الى دول الوساط على وثيقة حماس الاخيرة حول المفاوضات. وفي الغد تم التخطيط لاجراء لقاء بين الوفد الاسرائيلي برئاسة رئيس الموساد دافيد برنياع مع ممثلي الولايات المتحدة ومصر وقطر، هذه المرة في روما (ربما التطورات في الشمال ستؤثر على الجدول الزمني).
لكن في الاسابيع الاخيرة اهتم نتنياهو باضافة المزيد من القيود على مواقف اسرائيل بخصوص قضايا مثل استمرار السيطرة في ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا في القطاع. تصميمه في شهر حزيران الى جانب الضغط العسكري المتزايد الذي استخدمه الجيش في القطاع، ساعد على احداث مرونة معينة في موقف حماس في المفاوضات. الآن هو يراهن على أن عنت آخر سيؤدي الى تحسين آخر في شروط الصفقة لصالح اسرائيل.
المشكلة هي أن جميع المشاركين في المفاوضات تحت قيادته يعتقدون أن هذه مقامرة خطيرة. وفرصة التوصل الى صفقة ستتلاشى والحرب ستستمر، وفي هذه الاثناء المزيد من المخطوفين سيموتون في الأسر كما حدث لكثيرين منهم في الاشهر الاخيرة، في ظل الظروف الصعبة التي يتم احتجازهم فيها في القطاع. بعض الامور التي يطلبها نتنياهو الآن تنازل عنها في السابق في المفاوضات في شهر كانون الثاني الماضي، ايضا في حينه كان يعرف كل فاصلة في المسودات المتبادلة بين الطرفين.
الكثير مرهون بموقف بايدن، الذي في محادثات مليئة بالمشاعر مع ابناء عائلات المخطوفين، وعد بالعمل على التوصل الى اتفاق في القريب. هذا لم يمنع نتنياهو في نهاية اللقاء البارد مع هاريس أن يقدم احاطات ضد المرشحة الديمقراطية الجديدة للرئاسة، وأن يبادر الى هجوم من قبل الابواق التي تتهمها باظهار التعاطف مع حماس وافشال الصفقة، ليس اقل من ذلك. وقد انضم الى هذا الانقضاض ترامب في نهاية اللقاء بينه وبين الزوجين نتنياهو في فلوريدا أول أمس. يمكن الافتراض أن الهجوم استهدف الاستخذاء له، لكن حتى هذا الامر يعتبر مخاطرة بمواجهة مباشرة مع المرشحة التي احتمالية قدرتها على منافسة ترامب افضل من احتمالية بايدن.
سياسيا، نتنياهو قريب جدا من شاطيء امان مؤقت، العطلة الصيفية للكنيست التي ستضمن استقرار حكومته في الاشهر الثلاثة القادمة. يبدو أن العطلة تضع امامه احتمالية لمسار عمل جديد، الدفع قدما بالمرحلة الانسانية في الصفقة التي تشمل اطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى والجرحى من بين المخطوفين. وربما حتى يمكن التوصل الى تفاهمات مع شركائه في اليمين المتطرف، حزب قوة يهودية وحزب الصهيونية الدينية، حول انسحابهما بشكل مؤقت من الائتلاف والعودة بعد 42 يوم اذا فشلت المفاوضات في اعقاب عدم الاتفاق (المتوقع) مع حماس حول تنفيذ الجزء المتبقي من الصفقة.
في هذه الاثناء نتنياهو لا يظهر أي اشارات على أنه متسرع في التوصل الى اتفاق حول المخطوفين. من الواضح أن القرار في يده، وأن الاعتبار الرئيسي يتعلق باحتمالية بقائه السياسي. الكابنت الامني، الذي كثير من اعضائه عبروا عن دعم الصفقة، تم ابعاده عن عملية اتخاذ القرارات. هناك شخص واحد يوجه مسار الامور وهو الذي سيتخذ القرارات المهمة مثل قرار شن الحرب.
الثقة النسبية التي يشعر بها الائتلاف رغم التوتر بين نتنياهو وايتمار بن غفير يمكن ملاحظتها في العودة الى اجندة ما قبل 7 تشرين الاول. في هذه المرة بدون ضجة كبيرة، الوزراء واعضاء الكنيست عادوا الى الدفع قدما بقوانين الانقلاب النظامي والانشغال بتشريع مصالح، وبالطبع تجاهل كل احتياجات الجمهور. الاستطلاعات في نهاية الاسبوع اظهرت حدوث تحسن معين في وضع نتنياهو الانتخابي، بعد تسعة اشهر ونصف على المذبحة في فترة ولايته (الحقيقة التي حرص على التملص من ذكرها في خطابه في الكونغرس). حتى لو انهارت حكومته بشكل معين فانه غير بعيد عن تحقيق طموحاته مثل خلق عدم الشرعية للشراكة السياسية مع راعم بشكل يمنع خصومه من تشكيل الائتلاف القادم بدون الليكود، وضمان المزيد من التعادل الذي يسبب الشلل في الانتخابات القادمة عندما سيتم اجراءها في النهاية.
المقابلات مع “اخبار 12” حصلت على الاهتمام في نهاية الاسبوع. عيدنا موشيه من كيبوتس نير عوز، التي تم اختطافها وبعد ذلك تم اطلاق سراحها في صفقة تشرين الثاني، تحدثت عن العنف والشتائم التي يتعرض لها المخطوفون الذين تم اطلاق سراحهم من مؤيدي نتنياهو عندما يتجرأون على المطالبة باطلاق سراح باقي المخطوفين. وقد رفضت اظهار تأثرها من بلاغة رئيس الحكومة في خطابه الذي القاه في الكونغرس، وتساءلت كيف سيقرب الخطاب الصفقة وانهاء الحرب. رونين ناوترا، مواطن اسرائيلي – امريكي، الذي تم اختطاف ابنه الجندي عومر في 7 تشرين الاول اثناء المعركة في الغلاف، شارك في اللقاء بين نتنياهو وابناء عائلات المخطوفين في واشنطن، وايضا في اللقاء المشترك مع بايدن. وقد اشتكى مثل آخرين من المعاملة التي تتسم بالاغتراب من جانب نتنياهو، ومن عدم الرغبة في الدفع قدما بالصفقة.
هذه الامور ربما ستجعل الاسرائيليين يسارعون الى الخروج الى الشوارع من اجل التظاهر والمطالبة بالتوصل الى اتفاق في اقرب وقت. بقي فقط أن نرى ما الذي مستعدون لفعله رؤساء جهاز الامن، باستثناء الاحاطات المجهولة المتواترة في وسائل الاعلام من اجل أن عرض على الجمهور الحقيقة حول المفاوضات، ومحاولة دفع نتنياهو الى الزاوية، وربما الدفع قدما في نهاية المطاف التوقيع على الصفقة. من الآن فصاعدا فان الامور مرهونة ايضا بالتطورات في الشمال، وقد اصبحت معقدة اكثر بكثير. من المؤسف قول ذلك، لكن يحتمل أن الفرصة ضاعت.