هآرتس: إسرائيل أمام العدل الدولية: ثمن التصريحات المنفلتة للوزراء العنصريين
هآرتس 2024-01-04، بقلم: مردخاي كرمنتسر: إسرائيل أمام “العدل الدولية”: ثمن التصريحات المنفلتة للوزراء العنصريين
توجهت جنوب إفريقيا الى محكمة العدل الدولية بدعوى أن إسرائيل ترتكب في غزة جريمة إبادة شعب، والتماسها لأمر مؤقت لوقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة، يخلق خطراً حقيقياً على مكانة إسرائيل. هذا الأمر موجه ضد الدولة ولا يحدد مسؤولية شخصية جنائية لشخص معين، لكنه يمكن أن يشكل الخلفية والأساس أيضاً للحاجة الى إجراءات امام محكمة الجنايات الدولية، لا سيما اذا وجهت محكمة العدل الدولية اصبع الاتهام لأشخاص معينين.
المشكلة بالنسبة لإسرائيل هي أن جريمة إبادة شعب يتم تعريفها بشكل حاسم عن طريق هدف الإبادة بشكل كامل أو جزئي، لمجموعة قومية، عرقية أو دينية. عندما يرافق هذا الهدف عمليات قتل، حتى لعدد قليل من بين هذه المجموعات والتسبب بأضرار لأي منهم، فإن هذه الأعمال تندرج في اطار جريمة إبادة شعب. ايضا فرض شروط معيشة على مجموعة كهذه تستهدف تحقيق ابادة كاملة أو جزئية لها.
بشكل عام توجد صعوبة في اثبات الاساس النفسي لهدف الإبادة. لكن في هذه الحالة سيكون بالامكان أن تطرح امام المحكمة سلسلة طويلة لتصريحات سياسيين (مثل الوزير عميحاي الياهو الذي قال إن القاء قنبلة نووية على غزة هي «احد طرق محاربة حماس»)، وقادة رأي طالبوا بالتعامل مع غزة مثل التعامل مع العماليق (رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي اقتبس في رسالته للجنود آية «تذكّر ما فعله بك عماليق»). وتجويع بلا رحمة للغزيين وعدم التمييز بين مقاتلي حماس والغزيين غير المشاركين وتقليص كبير لعدد سكان غزة (حسب اقوال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش «اذا اصبح في غزة
100 أو 200 ألف عربي وليس 2 مليون فإن الحوار حول اليوم التالي سيكون مختلفاً»). أو التصفية الجماعية لهم.
التعريف الغامض والواسع ايضا لأهداف الحرب العلنية، لا سيما في كل ما يتعلق بالبنية التحتية الحكومية (ليس العسكرية) لحماس في غزة، ليس في صالح إسرائيل. ايضا تجنب سلطات النيابة لإجراء تحقيق ضد تصريحات واضحة للتحريض على إبادة شعب. هذا الخطاب غير المسؤول والهجومي يضر بشكل كبير بإسرائيل. الطريقة لتقليص الأضرار هي وضع ستارة فاصلة بين هذه الثرثرة وبين قيادة الجيش. يجب رؤية أن الجيش لم ينجر الى هذا التيار الضحل، وأنه يتمسك بقوانين الحرب والأخلاق الإنسانية الأساسية. سيكون من الأسهل النجاح في ذلك عندما سيدور الحديث عن مؤثرين من كل الأنواع. ومن الأصعب فعل ذلك عندما نتحدث عن سياسيين ووزراء يخضع الجيش لهم. إسرائيل ستطرح أمام المحكمة الأفعال الفظيعة التي ارتكبها مخربو حماس والرعاع الذي رافقهم بكامل الحجم والخطورة. سيكون من الخطأ الافتراض بأن هذا كاف. فبالذات الطبيعة التي لا يمكن تخيلها للفظائع يمكن أن تفسر كمحفز للانتقام والرد القاسي وغير المنضبط الذي يصل الى درجة ابادة شعب.
يجب الاخذ في الحسبان بأن جنوب افريقيا ايضا ستعرض على المحكمة ما أحدثته هجمات الرد للجيش الاسرائيلي على السكان المدنيين، الذين من ناحية المحكمة والقانون الدولي ليس حكمهم مثل حكم حماس. وحقيقة أننا نحن الاسرائيليين لا نشاهد هذه الصور أو المعاناة الشديدة الكامنة فيها، تخلق لدينا صورة جزئية ومشوهة للواقع. هذه لن تكون الصورة التي سيتم عرضها في المحكمة.
الأعمال التي أدرجت تحت تعريف الدفاع المشروع عن النفس هي أعمال مبررة. لذلك، لا يمكن شملها في جريمة ابادة شعب. إسرائيل سيكون عليها الإظهار بأن عمليات الجيش تندرج في هذا التعريف، أي أن الجيش الذي دخل الى المعركة بعد مهاجمة إسرائيل بوحشية استثنائية، وجه هجماته للأهداف العسكرية وليس المدنية، وأنه تم الحفاظ على قاعدة الاتزان. معنى هذه القاعدة هو أنه في المقارنة بين هدف العملية العسكرية التي تم القيام بها (الإنجاز العسكري المأمول) وبين المس بالمدنيين غير المشاركين في القتال، فان المس بالمدنيين لم يكن بشكل مفرط.
في المقام الاول إسرائيل يجب عليها أن تظهر الإجراءات التي يطبقها الجيش الإسرائيلي من اجل تلبية طلبات قوانين الحرب، أي أنه كانت إجراءات منظمة وصارمة على اساس الاستشارة القضائية، التي فيها تم فحص هذه الامور، الفائدة والضرر التي توجد في العملية العسكرية، وأن نتيجة الفحص كانت أن الضرر مقارنة مع الفائدة غير مفرط.
السؤال الاساسي متى يعتبر الاضرار بالمدنيين أضراراً مفرطاً هو سؤال صعب ومعقد ولا توجد له اجابة واضحة. في هذا السياق فان إسرائيل يجب عليها تقديم الكثير من الادلة التي توجد لديها والتي تشير الى الاستخدام الاجرامي (خلافا لقوانين الحرب)، الذي قامت به حماس وتقوم به، ضد السكان المدنيين، في المستشفيات والمساجد والمدارس ورياض الاطفال والبيوت الخاصة، كدروع بشرية لاعضائها أمام الجيش الاسرائيلي. إسرائيل ستعرض ايضا جهودها لابعاد المدنيين عن الاهداف العسكرية كي لا يصابوا. السؤال الذي ستطرحه إسرائيل بكل القوة امام المحكمة هو: هل يمكن تخيل أن قوانين الحرب تمنع الطرف الذي تمت مهاجمته من الدفاع عن نفسه بنجاعة، لأن من قام بالهجوم يحيط نفسه بالمدنيين؟. مع ذلك، يجب على إسرائيل مواجهة سلسلة من الحالات التي فيها، للوهلة الأولى، لحقت أضرار قاسية جداً بالكثير من المدنيين، حيث أن الهدف العسكري كان محدودا (من ناحية الإنجاز المأمول).
حتى لو تقرر أن إسرائيل قد تجاوزت في بعض الحالات متطلبات قوانين الحرب من هذه الناحية، فهذا ليس فيه ما من شأنه أن يدل على أنها ارتكبت جريمة ابادة شعب. لذلك يجب الإظهار بأنه قد تحققت أسس هذه الجريمة، وفي المقام الأول الهدف الأساسي. بالهجوم والإحباط والعنصرية تسببنا لأنفسنا بأضرار كبيرة في هذا الصدد. من الخطير تعليق الآمال على حقيقة أن الشعب اليهودي كان ضحية جريمة الابادة الجماعية، أو المقارنة مع جيوش اخرى (مثل الجيش الاميركي) عندما يتعلق الامر بنسبة العدد بين الضحايا من الجنود والضحايا المدنيين. القانون الدولي لا يخلو من التطبيق الانتقائي، وما لم يتم طرحه في المحكمة لا يشكل سابقة.
لكن الضرر الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل لا يعتبر ضرراً قضائياً فقط. فاذا أصدرت المحكمة في لاهاي أمراً مؤقتاً، كاملاً أو جزئياً، وحتى لو لم تصدر، ولكن تم توجيه انتقاد لسلوك إسرائيل في غزة، فان حركة مقاطعة إسرائيل في العالم ستتعزز جدا. يتوقع أن تكون محاولة لفرض عقوبات على إسرائيل بواسطة مجلس الأمن (فقط الرئيس الأميركي بايدن يمكنه «انقاذنا منها»). العلاقات بين إسرائيل والدول العربية ستكون في امتحان صعب ومكانة إسرائيل الدولية ستضرر بشكل كبير.
هناك عوامل تضر بوضع إسرائيل أمام المحكمة والمجتمع الدولي، منها حقيقة أنه في الحكومة الإسرائيلية وفي الكابنت السياسي الأمني يوجد وزراء عنصريون أصوليون، وحقيقة أن إسرائيل انحرفت عن طريق جهود التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين، وحتى أنها ترفض هذه الطريق الى درجة نفي حقهم في تقرير مصيرهم القومي. هذه العوامل تحولنا الى خاسرين في الساحة الدولية.
طالما أن إسرائيل استمرت في السير في هذا الطريق المسدود فان الموجات المناهضة لإسرائيل واللاسامية ستتعزز، ومكانة إسرائيل بين الشعوب ستهبط وتتدهور. إسرائيل المحبة للسلام والملتزمة بالقيم الإنسانية لم تكن لتُستدعى كما يبدو للمثول أمام محكمة العدل الدولية.