هآرتس: إرهاب؟ وماذا عن الميليشيات اليهودية؟
هآرتس 31/12/2025، تسفي برئيل: إرهاب؟ وماذا عن الميليشيات اليهودية؟
لقد اصبح نزع سلاح التنظيمات الارهابية شرط اساسي لأي تسوية. ففي لبنان تشترط اسرائيل الموافقة على وقف اطلاق النار بنزع سلاح حزب الله؛ في غزة يعتبر نزع سلاح حماس شرط اساسي من اجل الانتقال الى المرحلة الثانية في خطة ترامب؛ في سوريا يعتبر القضاء على المليشيات المسلحة احد الشروط التي وضعها ترامب من اجل دعم احمد الشرع. في لبنان وفي سوريا وفي العراق الحكومات لا تنظر الى نزع سلاح المليشيات والتنظيمات الارهابية بأنه استجابة لطلبات خارجية أو تحييد قنبلة تعيق تنفيذ الاتفاقات، بل ان وجود المليشيات المسلحة حسب رأيها يتعارض مع تطلعاتها الى السيادة الكاملة.
المبدأ الذي وضعه عالم الاجتماع ماكس فيبر، الذي ينص على وجوب احتكار الدولة للاستخدام المشروع للعنف، هو الذي تهتدي به الدول. مسموح للمواطنين حمل السلاح ولكن باذن الدولة وسلطتها. ماذا يحدث عندما تقرر الدولة التنازل عن سيادتها في هذا المجال؟ ماذا يحدث عندما تزود المواطنين بالسلاح الذي يستخدم ضدها وضد جيشها وضد المواطنين الخاضعين لمسؤوليتها؟ كيف يمكن تعريف دولة تشجع المليشيات المسلحة التي تستخدم الارهاب؟.
هذه الظاهرة الشاذة توجد في المناطق الفلسطينية المحتلة، حيث تمتلك عصابات المستوطنين المشاغبين السلاح المرخص بهدف تخويف السكان الفلسطينيين. المستوطنون يستخدمون هذا السلاح بشكل منهجي ومخطط له، ليس للدفاع عن النفس بل لطرد السكان من بيوتهم وتهديدهم وقتلهم، البشر والحيوانات، واقتلاع الاشجار واحراق البيوت وسرقة الممتلكات. كل ذلك جزء من حملة تطهير ديمغرافية واسعة.
هذه المليشيات المسلحة توصف في العراق ولبنان وسوريا بأنها منظمات ارهابية. وحتى فترة قريبة كانت الدول التي تنشط فيها توصف بأنها دول ترعى الارهاب. في اسرائيل لا تحظى هذه المليشيات برعاية الحكومة وتشجيع الوزراء واعضاء الكنيست فقط، بل هي تحصل على التعاون الكامل من قبل الجيش والشرطة. في حالات كثيرة يخدم اعضاء هذه العصابات في اطار عسكري معين، الامر الذي يمنحهم الغطاء كمنظمة مشروعة. وفي حالات اخرى اصبح الجنود حلفاء كاملين لهذه الجرائم الفظيعة. أما الشرطة في افضل الحالات تغض النظر، وفي معظم الحالات هي لا تطبق القانون على الاطلاق، لان قانون الدولة نفسه لا يعتبرهم ارهابيين.
اذا كانت حركة الاستيطان في بداية عهدها قد قدمت نفسها بأنها تنقذ الارض من خلال الاستيطان واقامة “قطاع امني” يحمي سكان اسرائيل، هي الان لم تعد بحاجة الى هذا التظاهر أو الى آلاف المستوطنين الجدد. ففي مناطق “الاستيطان” يتم اقامة مزارع عشوائية وبؤر استيطانية وهمية، حيث يقوم ستة اشخاص أو اقل بسرقة آلاف الدونمات، والهدف الوحيد لهم هو سرقة العقارات الفلسطينية وتهجير السكان من خلال اسلوب الارهاب. هذه ما زالت “المرحلة الناعمة والبسيطة” التي هي غير ناجعة بما فيه الكفاية. في المرحلة القادمة ستصل الجرافات التي دمرت غزة بالفعل، وستبدأ في تسوية مناطق في الضفة الغربية بالارض.
أنا ارغب هنا في تحذير الدولة من خطر استيلاء المليشيات الارهابية على سيادتها، والتذكير بالامثلة التي دمرت لبنان والعراق، والمطالبة بنزع سلاح المليشيات اليهودية. ولكن نحن نتذكر بان اسرائيل خلافا للبنان، لا تفقد سيادتها في المناطق المحتلة، بل هي تسلمها بشكل طوعي لمن يسمون الجفعونيين (الاسم الذي اطلق على مساعدي الهيكل في القدس القديمة، واستخدم في الاصل في سفر يهوشع، ويحتمل أنهم ينحدرون من اصل غير الاسرائيليين)، وهي صفة منمقة للعصابات العنيفة التي تتغذى على اموال دافع الضرائب الاسرائيلي، بعد تسليحها وتحويلها الى ذراع تنفيذية. من الخطأ فصل الجفعونيين عن كل حركة الاستيطان، لانه من اللحظة التي قررت فيها الدولة بانه عندما لا توجد دولة هي تكون الدولة، وعندما لا يوجد جيش أو شرطة تكون لها السلطة، فقد اكتملت العلاقة التكافلية بين العصابات الارهابية وذراعها السياسية.



