هآرتس: إخلاء خان يونس: لسنا على بعد خطوة من النصر
هآرتس 12-4-2024، بقلم: عاموس هرئيل: إخلاء خان يونس: لسنا على بعد خطوة من النصر
في منتهى السبت خرج آخر جنود الجيش الإسرائيلي من خان يونس. بعد حوالي أربعة اشهر انتهت الآن العملية العسكرية في المدينة، التي كانت الثانية من حيث الحجم للجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب. ضابط وثلاثة جنود من لواء الكوماندو، الذين قتلوا ظهر أمس في مواجهة مع خلية مسلحة، كانوا القتلى الإسرائيليين الأخيرين في هذه المرحلة من الحرب. عملياً، لم تبق أي قوات عاملة للجيش الاسرائيلي في جنوب القطاع. الجيش يحتفظ بطاقم حربي لوائي واحد من لواء الناحل في القطاع، في الممر الذي يفصل القطاع الى شمال وجنوب. بعض الألوية الاخرى توجد خارج القطاع وهي ستدخل اليه من اجل تنفيذ اقتحامات لمواقع عسكرية لـ “حماس” حسب الحاجة.
الجيش الاسرائيلي، بصورة مبالغ فيها أيضا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يبرز الآن الانجازات في المعركة في خان يونس، سحق جزء كبير من الكتائب الاربع اللوائية لحماس في خان يونس، قتل آلاف الاعضاء فيها والمس بالقادة. هذا يحدث قريباً من نشر بيانات عن ستة اشهر من القتال (الجيش، بتقدير غير مبالغ فيه، يعتقد أنه قتل حوالى 12 ألف مخرب في الحرب). ولكن من الجدير الإشارة الى أنه على الأقل حتى الآن هدفا العملية الرئيسيان في خان يونس لم يتم تحقيقهما. قائدا حماس البارزان في القطاع، يحيى السنوار ومحمد ضيف، ما زالا حيَّين وحُرَّرين. حتى أنه لم يتم إحراز أي اختراقة في عمليات التمشيط للبحث عن المخطوفين الأسرائيليين باستثناء إنقاذ اثنين من المخطوفين في رفح قبل حوالي شهرين.
لقد وصل الجيش الاسرائيلي والشاباك الى الانفاق التي تواجد فيها السنوار طوال الحرب. في هذه الانفاق تم العثور على غرف قيادة لحماس ووثائق شخصية وأدوات للسنوار، وغرف واقفاص تم احتجاز المخطوفين فيها كـ “درع بشري” قربها. منذ ذلك الحين تحرك كما يبدو بين مواقع اخرى في منشأته التي تم حفرها عميقاً تحت الأرض في خان يونس.
من المرجح الافتراض أن السنوار والضيف سيقتلان أو سيعتقلان في نهاية المطاف ازاء الجهود المستثمرة في ذلك. الرجل رقم 3 في المنظمة في القطاع، مروان عيسى، تمت تصفيته في هجوم جوي في الشهر الماضي، بعد أن تجاوز قواعد الأمان المشددة التي تبناها كبار قادة “حماس”. ربما ستكون هناك اختراقة ايضا بشأن انقاذ مخطوفين. لكن يجدر قول الحقيقة للجمهور: القتل والدمار الهائلان اللذان تخلفهما قوات الجيش الاسرائيلي في القطاع مع خسائر غير قليلة في طرفنا، لا تقرب في هذه المرحلة تحقيق أهداف الحرب. يمكن ملاحظة التفكيك التدريجي للقدرات العسكرية والسلطوية لحماس، وليس هزيمة قريبة لها. نحن لا نتواجد على بعد خطوة من النصر، كما أكد أمس نتنياهو، بدون أي صلة بالواقع ورغم المعنويات العالية للقادة والجنود الذين بدون صلة بمواقفهم السياسية يشخصون التضليل.
الى أين نحن ذاهبون؟ هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة. تصعيد آخر مع ايران وحزب الله في اعقاب انتقام لايران على عملية اغتيال الجنرال حسن مهداوي من حرس الثورة، تقدم مفاجئ في المفاوضات مع “حماس” حول صفقة تبادل أو عملية عسكرية جديدة في القطاع حيث التوجه الاساسي هو اقتحام رفح (احتمالية بديلة وهي مهاجمة بعض مخيمات اللاجئين في وسط القطاع). إضافة الى النصر المطلق نتنياهو يعد طوال الوقت باحتلال رفح ايضا. صحيح أنه جرت استعدادات عملياتية أولية لذلك، لكن هذه الخطوة تحتاج تركيزاً جديداً للقوات في جنوب القطاع، وبالأساس استكمال خطة ضخمة لإخلاء المدنيين الذين يبلغ عددهم 1.4 مليون شخص، يتجمعون الآن في المدينة.
قام الجيش الإسرائيلي بإخلاء معظم سكان شمال القطاع بالقوة في نصف السنة الاخيرة، وبعد ذلك سكان خان يونس نحو الجنوب. الانسحاب من خان يونس سيمكن المدنيين عند الحاجة من الانتقال بدون ازعاج من رفح الى الشمال نحو خان يونس. لكن يبدو أنهم في اسرائيل لا يتعاملون بجدية بما فيه الكفاية مع تغير مواقف الدول الغربية من إمكانية احتلال رفح. لم تعد الإدارة الأميركية تتردد في التعبير علنا عن معارضتها لذلك. في الأسابيع الأخيرة جرت محادثات بين جهات رفيعة أميركية وإسرائيلية حول خطط الجيش الإسرائيلي في رفح. في محادثة مع وزير الدفاع يوآف غالنت تمت مناقشة تفاهمات محتملة؛ يبدو أن محادثة الزوم مع مقربين من رئيس الحكومة، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، كانت متوترة اكثر.
تحفّظ الغرب لا يستند فقط الى الخوف على السكان في رفح. هناك انتقاد آخذ في الازدياد بشأن السياسة الإنسانية لاسرائيل والأضرار التي تتسبب بها لسكان القطاع. في الوقت الذي تنفذ فيه اسرائيل الرسمية وجود جوع في القطاع فإن المجتمع الدولي تحول الى منتقد أكثر. قصف قافلة السيارات في الاسبوع الماضي الذي قتل فيه سبعة من عاملي منظمة اغاثة اجنبية بنار مسيرة اسرائيلية سيؤدي الآن الى المزيد من الضغط على اسرائيل من اجل ازالة الاختناقات في نقل المساعدات. عندما سيتم استكمال اقامة الرصيف الاميركي في جنوب مدينة غزة فإن الهدف من ذلك هو نقل عبر البحر 2 مليون وجبة في اليوم الى القطاع.
تفويض للاستماع
المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل وحماس حول صفقة تبادل تم استئنافها أمس، عند ذهاب بعثة اسرائيلية اخرى للمحادثات في القاهرة مع ممثلي دول الوساطة، الولايات المتحدة ومصر وقطر. قبل المحادثات قدمت مصادر سياسية وامنية احاطة لوسائل الاعلام الاسرائيلية وكأنه تقرر في مجلس الحرب اعطاء تفويض اوسع للبعثة بعد فترة طويلة قيد فيها نتنياهو طبيعة المفاوضات. ايضا الولايات المتحدة التي تستخدم ضغطاً كبيراً على الطرفين للتقدم نحو انهاء الصفقة، تبث منذ أمس رسائل متفائلة.
حتى الآن هذه تسريبات من الجدير في هذه المرة أن تؤخذ بدرجة من التشكك. عمليا، التجربة تعلمنا بأن البعثات الإسرائيلية الأخيرة تم إرسالها في طريقها بالأساس مع تفويض للاستماع. واذا كان بحق هذا هو التفويض فسيكون من الصعب جدا التقدم. يصعب التحرر من الانطباع بأن نتنياهو لم ينحرف عن موقفه. فهو غير متحمس لعقد الصفقة، لكن توجد له مصلحة كبيرة في أن يبث للجمهور في إسرائيل بأنه قد بذل كل الجهود، وكانت تلك هي حماس التي أفشلت المفاوضات. في هذه الحالة ربما ستهب حماس لمساعدته. السنوار يلاحظ الآن الشرخ الآخذ في الاتساع بين إسرائيل وأميركا، الأمر الذي يمكن أن يحثه على التصلب في مواقفه.
حماس تريد حلاً لثلاث نقاط كجزء من مفاوضات على صفقة بنبضتين، التي فيها سيتم في البداية اطلاق سراح 40 مخطوفاً، نساء وكبار سن ومصابين. حماس تطالب بوقف اطلاق النار وانسحاب شامل للجيش من القطاع (حتى لو كانت اسرائيل والولايات المتحدة تنوي أن يحدث هذا الامر بشكل مواز للنبضة الثانية التي فيها سيتم اعادة باقي المخطوفين) وانهاء تقسيم القطاع بواسطة الممر. اسرائيل، هذا موقف يؤيده وزير الدفاع ورئيس الاركان، تطلب بعدم السماح لرجال حماس بالعودة من جنوب القطاع الى شماله من خلال اجتياز الممر. لكن حماس صممت على ذلك، وحتى أنها رفضت مناقشة النسبة العددية لاطلاق سراح السجناء الى أن تتم تسوية هذا الخلاف.
هذا من شأنه أن يؤدي الى فشل وتفجير آخر في المحادثات، إلا اذا صمم المفاوضون مع نتنياهو على توسيع التفويض. هذه الخطوة يمكن أن تحث ايضا الوزير غادي أيزنكوت، عضو مجلس الحرب، على اتخاذ أخيراً خطوة علنية خاصة به. الجمهور في إسرائيل ينتظر البشرى، وبالأساس ينتظر المخطوفين الذين يموتون في أنفاق حماس في القطاع. نتنياهو، الذي في أقواله أمس ذكر بصعوبة المختطف العاد كتسير من نير عوز الذي تمت اعادة جثته الى البلاد في نهاية الأسبوع الماضي، يظهر انغلاقاً في حين أن مؤيديه المتطرفين في الشوارع يقومون بمضايقة تظاهرات أبناء عائلات المخطوفين. لكن ربما سيحرك ضغط الجمهور المتزايد أخيراً شيئاً ما لدى بعض أعضاء الكابنت.