هآرتس: إحساس التضامن في ايران بعد الحرب استبدل بالمطالبة بالإصلاحات

هآرتس – تسفي برئيل – 22/7/2025 إحساس التضامن في ايران بعد الحرب استبدل بالمطالبة بالإصلاحات
خلافا لتوقعات وطموحات اسرائيل فان الحرب لم تدمر النظام في ايران، وهو ايضا حصل على حماية الرئيس ترامب الذي يدعي بانه انقذ حياة الزعيم الاعلى علي خامنئي من عملية تصفية اسرائيلية. اضافة الى ذلك فان موجة التضامن الوطنية العامة احاطت الزعامة امام الهجوم الذي اعتبر موجه لكل الدولة، وليس فقط ضد المنشآت النووية. كتاب اعمدة وسياسيون، من بينهم اشخاص محسوبون على التيار الاصلاحي والمعارضة السياسية، تحدثوا بصوت واحد وعبروا عن الانفعال من وتقدير “استعراض وحدة الشعب”، وقاموا بادانة الهجوم الاجرامي الذي يذكر بفترة السيطرة الكولونيالية للدول الغربية في ايران”.
في الصحف في ايران وخارجها استهزأوا من حقيقة انه في 5 تموز، اليوم الذي ظهر فيه خامنئي بشكل علني بعد الحرب، ويوم عاشوراء ايضا، وهو اليوم المهم عند الشيعة الذي اغتيل فيه الحسين بن علي، قام شاعر الرثاء المشهور محمود كريمي بالقاء قصيدة “مرحى لايران” بناء على طلب من خامنئي.
“مرحى لايران” هي قصيدة وطنية كتبها الشاعر حسين غولي غولاب بعد غزو بريطانيا – الاتحاد السوفييتي لايران في 1941، الذي في اعقابه تمت ازاحة الشاه رضا بهلوي. هذه القصيدة تم منعها عند بداية الثورة الاسلامية في 1977، لكنها اصبحت نشيد وطني غير رسمي للجنود في الحرب بين ايران والعراق. ان اسماع قصيدة وطنية، وليس دينية، في الاعياد الدينية، لا سيما في يوم عاشوراء، هو أمر نادر. ولكن عندما تكون ايران تتعرض لهجوم اجنبي، حيث يكون النظام من بين اهداف هذا الهجوم، فان القصيدة الوطنية التي تم تعديلها بروح دينية هي وسيلة ناجعة لتجنيد تضامن الجمهور.
لكن هذا التضامن، الذي اثنى عليه خامنئي وعرضه كدرع حصين يدافع عن ايران من التدخل الاجنبي، تحول بسرعة الى قاعدة انطلاق لطلبات واقتراحات من اوساط اصلاحية. هذه الاوساط اعلنت بان توحيد الصفوف يلزم الان النظام بالقيام بدوره في العقد مع الشعب. في رسالة مفتوحة ارسلت للرئيس من قبل 180 رجل اعمال كبير، من بينهم وزراء سابقون واعضاء في البرلمان واساتذة اقتصاد ومحافظون للبنك المركزي، اشاروا الى تقديرهم لـ “بطولة المواطنين والقوات المسلحة وظاهرة التماسك الوطني خلال الـ 12 يوم من الحرب”. فقط في نفس الوقت هم يحذرون من استمرار عدم النجاعة وعدم الثقة والعلاقات الخارجية المجمدة والتمييز وعدم العدالة. في الرسالة التي نشرت في موقع “اقتصاد نيوز” الايراني طالبوا الحكومة باجراء اصلاحات اقتصادية، والغاء السيطرة على وسائل الاتصالات، واطلاق سراح سجناء سياسيين، والتمسك بالقناة الدبلوماسية، واجراء مفاوضات بناءة مع الولايات المتحدة واوروبا – كل ذلك خطوات حيوية حسب رأيهم من اجل “ضمان امن الدولة والاستقرار والازدهار”.
رسائل مشابهة تم ارسالها في السابق الى رؤساء في ايران، لكن هذه الرسالة وهذه الطلبات توجد لها اهمية كبيرة. فوق راس ايران يحلق سوط تهديد الدول الاوروبية بتفعيل اعادة فرض العقوبات، وهو البند في الاتفاق النووي الاصلي الذي يمكن من استئناف فرض العقوبات الدولية على ايران، والتي تم رفعها في اعقاب التوقيع على الاتفاق. سريان مفعول هذا البند سينتهي في 18 تشرين الاول القادم. الجدول الزمني قصير وضاغط. في يوم الخميس الماضي،في محادثة اولى منذ نهاية الحرب مع ممثلي المانيا وبريطانيا وفرنسا، الدول التي وقعت على الاتفاق اضافة الى الصين وروسيا، تم التوضيح للرئيس مسعود بزشكيان بانه اذا لم يتم استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة ولم يحدث أي تقدم جوهري فيها حتى نهاية شهر آب، فان هذه الدول ستتوجه الى مجلس الامن وتطالب بتفعيل هذا البند.
الرد الايراني العلني كان ردا باردا. فوزير الخارجية عباس عراقجي اعلن بان “ايران غير متسرعة في الذهاب الى أي مكان”. المتحدث بلسانه اسماعيل بقائي قدم امس احاطة قال فيها “في هذه الاثناء لا توجد أي خطط لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة”. اقوال مشابهة لهذه الاقوال اسمعها ترامب. عراقجي ايضا ارسل رسالة “توبيخ” للسكرتير العام للامم المتحدة، وصف فيها كيف ان الدول الاوروبية نفسها خرقت التزامها بالاتفاق وساهمت في “الحد الاقصى من الضغط” الذي يتبعه ترامب، وحتى أنها لم تقم بادانة مهاجمة ايران. وحسب قوله فان هذه الدول الثلاثة “لا يمكنها ويجب عدم السماح لها بتقويض مصداقية مجلس الامن عن طريق سوء استخدام قرار هي نفسها لم تلتزم به”.
لكن من وراء “استعراض اللامبالاة” العلني فان طهران تستخدم كل الوسائل الدبلوماسية من اجل وقف تهديد اوروبا. اليوم ستستضيف ممثلين عن روسيا والصين من اجل فحص معهم معنى تفعيل بند اعادة فرض العقوبات ومحاولة ضمان عدم انضمام هذه الدول لهذه العملية اذا تم تفعيلها. هذا اللقاء يسبق اللقاءات التي تم تحديدها في يوم الجمعة في اسطنبول بمستوى نواب وزراء خارجية، بين ممثلي ايران وممثلين اوروبيين لفحص طرق الدفع قدما بالمفاوضات مع الولايات المتحدة.
المفارقة هي ان الدول الاوروبية التي عملت في السابق على تجاوز العقوبات الامريكية عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي في 2018، وحتى انها قالت بانه لا يوجد للولايات المتحدة الحق في المطالبة بتفعيل اعادة فرض العقوبات لأنها لم تعد شريكة في الاتفاق، هي الان القوة الدافعة لتفعيل العقوبات.
يصعب تقدير حجم اعادة فرض العقوبات العقوبات على ايران وعلى اقتصادها، التي هي في الاصل تعاني من نظام عقوبات امريكية ثقيلة، وايضا لا يوجد أي يقين بان الصين وروسيا ستوافقان على القرار. في نفس الوقت ايران، التي قارن وزير خارجيتها هذه الخطوة بهجوم عسكري، تهدد بان هذه العملية سيتم الرد عليها بشدة، الامر الذي يعني الانسحاب من ميثاق انتشار السلاح النووي، وانهاء دور الدول الاوروبية في المشروع النووي الايراني للاغراض المدنية.
لكن بين النقاشات العلنية والتحذيرات المتبادلة واستعراض العضلات الدبلوماسية والتهديد في هذه الاثناء لايران، ليس استئناف الحرب، بل الازمة الاقتصادية، التي تفاقمت نتيجة الحرب وبسبب تدخل “يد الله”. سكان طهران عرفوا انهم في الغد سيحصلون على عطلة رسمية، التي فيها حسب اقتراح المتحدثة بلسان الحكومة فاطمة مهاجراني، “يمكنه الراحة قليلا وقضاء اجازة مع العائلة والتنزه، مع مراعاة قواعد الامان وتعليمات ترشيد الطاقة”. هذا لا يعتبر عيد ديني أو عطلة وطنية. الطقس الحار، الذي يتوقع ان تصل درجة الحرارة فيه الى خمسين درجة، هو الذي سيشل العاصمة.
اضافة الى اشعة الشمس المشتعلة هناك النقص الشديد في الكهرباء، 25 الف ميغاواط، وازمة توفير الغاز والمحل الاشد منذ ستين سنة. حسب البيانات الرسمية فان كمية الامطار التي هطلت حتى الآن متدنية، اقل 45 في المئة مقارنة مع السنوات السابقة. وكمية المياه في الخزانات الخمسة الكبيرة التي تزود طهران بالمياه، انخفضت الى 13 في المئة فقط، وبعض البرك على السدود جفت أو انها على شفا الجفاف. في هذه الظروف فانه مشكوك فيه ان يستطيع سكان طهران وبحق الاستمتاع والاستجمام في يوم العطلة، لا سيما عندما يكون اكثر من ستين مليون مواطن يعتمدون على مخصصات رفاه خاصة تعطيها الحكومة، 5 دولارات للشهر في الشهر، من اجل شراء السلع الاساسية مثل الطحين، السكر والمعكرونة.
في الاسبوع القادم سيحتفل بزشكيان بالذكرى السنوية الاولى على توليه للمنصب. هذه السنة بدأت بوعود لاجراء اصلاحات اقتصادية بعيدة المدى، واجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي من اجل رفع العقوبات، وتحرير بعض قيود الرقابة الدينية وبناء الثقة بين النظام والشعب. في نهاية السنة بزشكيان يجد ايران ونفسه في وضع اسوأ بكثير من الوضع الذي كان قبل توليه منصبه. حرب الـ 12 يوم التي وصفها خامنئي بـ “انتصار وطني”، لم تدمر فقط عدة منشآت نووية وصفت سلسلة من العلماء والقيادة العليا في الجيش وحرس الثورة الايراني، بل هي ايضا جعلت آلاف المواطنين في ايران يهربون من بيوتهم، وكثيرون لم يعودوا اليها حتى الآن، وتسببت باضرار كبيرة للممتلكات والبنى التحتية، التي لم يتم تقدير حجمها حتى الآن.
ايران في الحقيقة موجودة منذ فترة في ازمة اقتصادية شديدة، لكن الحرب اضرت ايضا بقدرتها على تسويق النفط، الذي كان قبلها يبلغ 2 – 3 مليون برميل. التضخم الذي كان 43 في المئة قبل الحرب يتوقع ان يرتفع، وتوقع مداخيل الضرائب التي تمول معظم نفقات الحكومة، سيضطر الى المرور في عملية تحديث. في الميزانية التي تمت المصادقة عليها للسنة التي ستنتهي في آذار 2026 خطط لزيادة الضرائب والرسوم ورفع بدرجة كبيرة اسعار خدمات الحكومة من اجل الحصول على رخصة السياقة، شراء سيارة، اصدار بطاقة هوية أو جواز سفر، رسوم خروج من الدولة وتسجيل اراضي. ولكن هذه السياسة الاقتصادية رافقها “بصيص نور” على شكل جولات المفاوضات حول المشروع النووي التي بدأت بين الولايات المتحدة وايران. فقد بثت هذه المفاوضات الامل بان رفع العقوبات هو في متناول اليد، وان عبء الضرائب والعجز في الميزانية يمكن تخفيفه مع التصدير المتزايد للنفط والاستثمارات الضخمة التي ستاتي من ارجاء العالم.