عاموس هرئيل: أهداف إسرائيلية “متضاربة” فوق رمال غزة المتحركة

هآرتس 13-11-2023، بقلم عاموس هرئيل: أهداف إسرائيلية “متضاربة” فوق رمال غزة المتحركة
هناك توتر داخلي، آخذ في التفاقم، بين الهدفين الرئيسين للحرب في قطاع غزة.
إسرائيل تريد تدمير قدرات حماس العسكرية والتنظيمية، لكنها في الوقت نفسه تريد أيضاً خلق شروط لإطلاق سراح الجنود والمدنيين المحتجزين لديها.
في الجيش يدعون أنه يمكن تحقيق هذين الهدفين معاً، وكلما أعطي له الوقت لزيادة الضغط العسكري على حماس فستتحسن احتمالية أن يتم إجبارها على إبداء مرونة أكبر في المفاوضات على إطلاق سراح المخطوفين.
مع ذلك، في هيئة الأركان يدركون أن البُعد الزمني يتحول الآن إلى بعد حاسم أكثر.
هناك تحفظ متزايد في الغرب من القتل الواسع للمدنيين في العملية البرية للجيش الإسرائيلي، وإلى جانبه يزداد الضغط الأميركي على إسرائيل كي تقلص قريباً العملية البرية في شمال القطاع، خلال بضعة أسابيع.
حتى الآن العملية البرية تجري ببطء نسبي مع محاولة الحفاظ بقدر الإمكان على أمن القوات.
الآن حيث طواقم القتال اللوائية تعمل في قلب مدينة غزة وحول القيادات الرئيسة لحماس يتم بذل محاولة للوصول إلى معظم الإنجازات العسكرية قبل أن يطلب من الجيش الإسرائيلي التوقف.
في هيئة الأركان يعتقدون أنه إذا انتهى القتال بعد أسبوعين فإنه لن يكون بالإمكان تحقيق أهداف الحرب. في نهاية الأسبوع قتل في قطاع غزة خمسة جنود من الاحتياط.
النقاش ليس فقط حول مسألة متى سيتم تقليص العملية البرية في شمال القطاع، بل حول إمكانية أن يتم الإعلان قريباً عن وقف مؤقت لإطلاق النار من أجل إطلاق سراح المخطوفين.
في القطب الثاني للمواقف فإنه في جهاز الأمن توجد قضية الأسرى والمفقودين، والتي المسؤول عنها الجنرال احتياط نيتسان ألون.
هذا جسم جديد تم تشكيله في بداية الحرب. ألون هو الشخص الأعلى فيه (ليس العميد احتياط غال هيرش الذي تم إبعاده عن أي مهمة عملية)، والذي يشارك في كل جلسات كابينيت الحرب.
تحت إمرته يعمل آلاف رجال الاستخبارات والعمليات، في الجيش وفي جهات أخرى.
يركز هذا الجسم كل أعماله في إعادة المخطوفين إلى البيت.
الشخص الرئيس في إدارة الاتصالات في هذا الشأن، الذي يعمل بالتنسيق مع ألون ويخضع لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو رجل الموساد دافيد برنياع.
في القريب هذه الأهداف الرئيسة يمكن أن تصل إلى نقطة الصدام. ففي المستوى السياسي سيكون هناك تخبط حول كيفية التصرف. في حين أن الجيش سيخشى من أن يقوموا بوقفه من أجل عقد صفقة، وأنه بعد ذلك سيكون من الصعب استئناف الهجمات بالحجم المطلوب لضرب حماس بشكل قوي بما فيه الكفاية.
نشر المحلل الأمني المخضرم دافيد اغنيشيوس أمس في “واشنطن بوست” عن تفاصيل الصفقة الآخذة في التبلور بوساطة قطر.
الحديث يدور عن إطلاق سراح أكثر من 100 من بين المخطوفين الـ 239 – أجانب (30 عاملاً تايلاندياً وسياح وإسرائيليين لديهم جنسية مزدوجة)، نساء وأطفال، مقابل عدد مشابه من النساء والقاصرين الفلسطينيين المسجونين في اسرائيل بتهمة المخالفات الأمنية.
حسب أقوال اغنيشيوس فإن الاتصالات الآن عالقة بسبب طلب اسرائيل أن تطلق حماس أولاً سراح المخطوفين الذين تحتجزهم.
تعقيد آخر ينبع من أن بعض المخطوفين محتجزون في أيدي تنظيمات ـخرى مثل الجهاد ال’سلامي ومليشيا باسم “الشبيحة”، التي لم تكن معروفة في السابق.
مصادر في قطر قالت لاغنيشيوس بأن الجهود للعثور على جميع المخطوفين ستستغرق على الأقل ثلاثة أيام.
القطريون يطرحون ادعاء “كاذباً” لحماس وهو أن أعضاءها اختطفوا فقط جنوداً وأن الباقين تم اختطافهم على يد سكان القطاع الذين اندفعوا إلى الداخل نحو بلدات الغلاف.
حسب هذا المقال فإن قطر تجد صعوبة الآن في الاتصال مع كبار رجال حماس في القطاع لدفع هذه الصفقة قدماً.
في بداية الحرب كان اتصال غير مباشر مع قيادة حماس في الخارج، التي معظم أعضائها يوجدون في قطر. ولكن قصف إسرائيل هو الذي شوش على التقاط الخلوي في القطاع.
إذا كان يمكن في السابق الحصول على إجابة عن كل اقتراح خلال ساعتين أو ثلاث ساعات فان الأمر الآن يمكن أن يمتد حتى 48 ساعة.
معضلة مستشفى الشفاء
في محاولة للحفاظ على ثقة المجتمع الدولي فإن إسرائيل تقوم بتنفيذ وعدها بالسماح بممرات إنسانية، سواء لإدخال الغذاء والماء والأدوية من مصر إلى جنوب القطاع أو حرية الحركة للمدنيين من شمال القطاع نحو الجنوب.
هذا يحدث رغم رغبة حماس التي لا تنجح في منع مغادرة أكثر من 50 ألف شخص من السكان في اليوم.
إن عدم هذه القدرة يضاف إلى علامات أخرى حول الصعوبات العملية التي تعاني منها حماس في شمال القطاع. فهي تفقد الكثير من المسلحين في المعارك مع الجيش الإسرائيلي، وهناك أضرار كبيرة على مستوى القيادة العملياتية – قادة الكتائب والفصائل والوحدات الموازية.
كبار القادة في الذراع العسكرية، ومثلهم قادة الألوية، بقوا في الأنفاق (يبدو أن بعضهم يوجدون أصلاً في جنوب القطاع). في الجيش يلاحظون وجود دلائل على الضغط واليأس في أوساط وحدات حماس في شمال القطاع. وهذا يؤثر بشكل قليل على القيادة العليا التي بمجرد اتخاذ قرار الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول جلبت الكارثة الفظيعة للقطاع.
مؤخراً يوجد انشغال متزايد فيما يحدث في المستشفيات، ما تستغله حماس كغطاء لنشاطات قيادتها.
في القطاع نشر هذا الصباح أن الجيش الإسرائيلي استكمل محاصرة مستشفى الشفاء، المستشفى الرئيس في القطاع، وأنه يعمل قرب مستشفى آخر. هذا جزء من عملية إسرائيلية متعمدة استهدفت خلق الضغط على المستشفيات والكشف عن استخدام حماس لهذه المستشفيات.
قام الفلسطينيون في الأيام الأخيرة بإخلاء 10 مستشفيات في أعقاب التحذيرات الإسرائيلية. ضابط في الجيش الإسرائيلي اتصل مع مدير مستشفى الشفاء وطلب منه العمل على إخلاء كامل للمستشفى.
بعد البيان غادر بالتدريج الآلاف من المدنيين الذين وجدوا الملجأ في هذه المنشأة ومحيطها. وقد بقي في المكان نحو 800 مريض وجريح إضافة إلى الطواقم الطبية الكثيرة.
مستشفى الشفاء هو مجمع كبير جداً يشمل 14 مبنى. البث منه الآن يعكس وضع الطوارئ مع عرض لصور صعبة.
ربما أن ذلك في جزء منه يمثل جهداً لحرب نفسية من قبل حماس. لكن محاولة قنوات التلفاز الإسرائيلية إخفاء المشاهد عن الجمهور في البلاد غير حكيمة. ويمكن أن يكون هنا تطور يؤثر على وضع الحرب. يعتبر مستشفى الشفاء بشكل خاص الحبل السري لشبكة الأنفاق والقيادات في شمال القطاع. والمس الكبير به سيمثل ضربة لرمز فلسطيني، لكن يمكن أيضاً أن يزيد انتقاد الغرب لإسرائيل. ربما أنه لم يتم بعد اتخاذ قرار نهائي لكيفية علاج ذلك. الانتقاد الدولي يتفاقم في هذه الأثناء. فالرئيس الفرنسي دعا في نهاية الأسبوع إسرائيل إلى وقف قتل الأطفال والنساء في القطاع. وزير الخارجية الأميركي قال إنه “يوجد قتلى أكثر من اللازم في غزة” وطلب وقف إطلاق النار.
الإدارة الأميركية تقلق، سواء من الاستطلاعات المخيبة للآمال في الداخل وعلامات الاستفهام التي تثور في أوساط الديمقراطيين إزاء دعم الرئيس الكبير لإسرائيل أو من الانتقاد المتزايد من قبل العالم العربي.
يوجد في هذه الدراما أيضا لاعبون مخلصون أقل. السعودية عقدت أمس قمة إسلامية عربية في الرياض من أجل المطالبة بوقف إطلاق النار في القطاع.
من بين الضيوف كان أيضاً رئيس سورية ورئيس إيران. الأول هو صاحب الرقم القياسي في قتل المسلمين في القرن الحالي، والثاني هو مدير منظمة تنشر الإرهاب بشكل منهجي والسلاح والقتل في كل أرجاء العالم.
حاولت إيران الدفع باتجاه اتخاذ قرار يشمل فرض عقوبات على إسرائيل من قبل الدول التي لها علاقات معها. ولكن هذه المبادرة لقطع العلاقات بين هذه الدول وإسرائيل فشلت.
في حمى القتال والرغبة في جباية ثمن باهظ أكبر من حماس، لا يوجد تقريباً أي نقاش في المستوى السياسي وفي الجيش الإسرائيلي حول ما هو متوقع في القطاع بعد تغير طبيعة القتال هناك، ولا نريد التحدث عن اليوم التالي للحرب.
يبدو أن الجيش بالأساس يريد عدم إزعاجه أثناء القتال في محاولة لمحو جزء من الانطباع حول الفشل الذريع في 7 تشرين الأول.
أيضاً المستوى السياسي تقريباً لا ينشغل بذلك، في الوقت الذي فيه رئيس الحكومة ينشغل في الإعداد لحملة إلقاء المسؤولية على الجيش والشاباك ويقوم بجمع المواد استعداداً للجنة التحقيق.
على حائط في إحدى غرف الجلسات في هيئة الأركان كتب اقتباس لكارل فون كلاوزوفيتش، وهو الاستراتيجي من بروسيا الذي يعتبر أحد آباء الحرب الحديثة: “لا أحد، وللدقة لا أحد لديه عقل، يقوم بشن حرب دون التوضيح لنفسه أولاً ما الذي ينوي أن يحققه بوساطتها، وكيف حسب رأيه سيديرها”.
يمكن أن تعتبر مناقشة هل هذه الأقوال تعتبر انتقاداً تنبؤياً حول الرهان المجنون لرئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار. ولكن ربما هذه الأقوال تقتضي التفكير فيها أيضاً في الطرف الإسرائيلي دون الاكتفاء بالاقتباس على الحائط.
شرح حسن نصر الله
ألقى رئيس حزب الله، حسن نصر الله، أمس (أول من أمس) الخطاب الثاني منذ بداية الحرب خلال ثمانية أيام. في خطاب اعتذاري بمناسبة يوم الشهيد الذي نظمه حزب الله أثنى حسن نصر الله على أعضاء المحور الراديكالي على إسهامهم في الحرب ضد إسرائيل، لكنه لم يعد بتصعيد نشاطات حزبه.
الدكتور شمعون شبيرا، الخبير في شؤون حزب الله، قال للصحيفة إن حسن نصر الله فسر بتوسع سيرورة العمليات في الأسابيع الأخيرة، “لكنه لم يندفع بشكل خاص وظهر أحياناً وكأنه محلل للأحداث أكثر من كونه شخصاً يقوم بإملائها”.
رد وزير الدفاع يوآف غالانت على أقوال حسن نصر الله بأنه يقترب من ارتكاب خطأ كبير. “حزب الله يجر لبنان إلى حرب يمكن أن تحدث. ومن سيدفع الثمن هم اللبنانيون. ما نفعله في غزة نحن نعرف كيفية فعله في بيروت”، قال. في نهاية الأسبوع هاجم سلاح الجو للمرة الأولى هدفاً لحزب الله في عمق أراضي لبنان يبعد 40 كم عن الحدود الشمالية.
في الأسبوع الأخير وفي الوقت الذي عمق فيه الجيش الإسرائيلي نشاطاته في القطاع قام حزب الله برفع نسبة الاحتكاك العسكري على طول الحدود مع لبنان قليلاً.
يهاجم حزب الله الآن كل يوم، عدة مرات، مواقع للجيش الإسرائيلي والقوات التي توجد في البلدات التي تم إخلاء معظمها من السكان، وهو يستخدم بشكل متزايد المسيرات الهجومية. مع ذلك، حزب الله يتكبد خسائر كبيرة مقارنة بالمصابين في الطرف الإسرائيلي.
في يوم الخميس كان حزب الله مشاركاً في إطلاق مسيّرتين هجوميتين من سورية، التي وصلت حتى إيلات. في اليوم التالي، كما اعترف نصر الله، هاجم سلاح الجو قاعدة في حمص وقتل هناك سبعة من مقاتليه.
مهند علي، الباحث في فرع مركز أبحاث كارنجي في بيروت، كتب في يوم الجمعة أنه في الخطاب الأول أكد نصر الله على عدم معرفة الحزب مسبقاً بخطة حماس، وأن تقديره هو أن حماس ستهزم اسرائيل في الحرب في غزة.
حسب قوله فإن الدمار في شمال القطاع ونزوح السكان وتركهم لبيوتهم هناك يضع تقدير حسن نصر الله محل شك.
يعتقد علي أنه يجب على حزب الله الأخذ في الحسبان بأن انتصار اسرائيل في القطاع سيسرع محاولة تغيير المعادلة أيضاً في الشمال، ويبعد قوة الرضوان عن الحدود.
هو يتوقع سيناريو يزيد بموجبه حزب الله هجماته. ولكنه حتى الآن يتجنب حرباً شاملة مع إسرائيل ويحذر من مهاجمة بلدات في الجبهة الداخلية.
ربما أن الأحداث بالذات حول مستشفى الشفاء ستؤدي إلى زيادة القتال من جانب حزب الله. في غضون ذلك من الواضح أن حسن نصر الله يريد زيادة الانطباع من عمليات حزبه، ليظهر وكأنه يقف إلى جانب الفلسطينيين، والدليل على ذلك هو محاولة المس بيهود في البرازيل، التي تم إحباطها في هذا الشهر على يد المخابرات المحلية بمساعدة اسرائيل.