ترجمات عبرية

هآرتس: أسباب عـربـية لطلب وقـف الـنار

هآرتس 2023-11-04، بقلم: تسفي برئيل: أسباب عـربـية لطلب وقـف الـنار

لا تنجح قوافل المساعدات التي تصل إلى غزة عبر معبر رفح المصري في إنزال كل حمولتها، وموظفو وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يجدون صعوبة في الصمود أمام وتيرة استيعاب البضائع وتوزيعها. حسب الوكالة فإن العشرات من موظفيها قتلوا منذ بداية الحرب. يضطر الموظفون إلى ترك عملهم في ساعة مبكرة نسبياً. والثلاثاء الماضي، اضطروا إلى الغياب عن عملهم بسبب عمليات القصف الإسرائيلية. نتيجة لذلك، فإن عشرات الشاحنات عالقة في الجانب المصري للمعبر لأنه لا يوجد من يستقبل الشاحنات في الجانب الفلسطيني.

هذه ليست فقط مشكلة إنسانية صعبة، التي حتى الآن لم يتم إيجاد حل ناجع لها. تتطور قضية المساعدات بسرعة وتصبح موضوعاً إستراتيجياً تدور حوله نقاشات كثيفة بين إسرائيل وواشنطن ومصر وقطر، وفي الدائرة الثانية هو يشكل ضغطاً آخذاً في الازدياد بالمجتمع الدولي والدول العربية. هذا الضغط، الذي بدأ يقضم في تفهم رد إسرائيل والتماهي مع دوافع الحرب، موجه الآن ضد الولايات المتحدة، التي مطلوب منها العمل على الفور أمام إسرائيل من أجل الاهتمام بالوضع الكارثي لسكان القطاع، لا سيما الجرحى والمرضى والذين لم يعد لهم مأوى.

في الواقع قوافل سيارات إسعاف مصرية سمح لها هذا الأسبوع بنقل مئات المصابين والمرضى للعلاج في العريش أو القاهرة، أيضاً إنقاذ آلاف الذين لديهم جنسية مزدوجة أوشك على الانتهاء، لكن ليس في هذا ما من شأنه أن يوفر الرد لعشرات آلاف الناس الآخرين الذين يحتاجون إلى علاج مستعجل، في الوقت الذي فيه في المستشفيات – التي لم يتم تدميرها – لا توجد كهرباء ويوجد نقص كبير في الأدوية، والطواقم الطبية تقوم بالعلاج وحتى تجري العمليات على ضوء الهواتف المحمولة.

لا تزال واشنطن لم تقل ذلك بصراحة، لكن يبدو أنه في الحرب التي يمكن أن تستمر لأسابيع كثيرة لن يكون هناك مناص من وقف إطلاق النار – والأكثر صحة القول توقفات لإطلاق النار. الرئيس الأميركي، جو بايدن، في خطابه، أول من أمس، في مينيابوليس، أرسل إشارة كثيفة إلى ضرورة الهدنة عندما قال: “أعتقد أننا بحاجة إلى بعض الوقت”. بعض الوقت هذا “سيمكننا من إخراج السجناء”، وهو التعبير الذي صححه بعد ذلك إلى “المخطوفين”. ولكن ليس هذا هو الخطأ المهم. تحدث بايدن بلغة الجماعة عندما قال “نحن نحتاج”، أي أن الولايات المتحدة بحاجة إلى فترة زمنية.

هذا الأسبوع سمع مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أموراً حادة على لسان شقيق ولي العهد السعودي، خالد بن سلمان، الذي وصل إلى واشنطن من أجل أن يطرح على القيادة الأميركية تخوفات المملكة. حافظت السعودية حتى الآن على عدم بروز واضح في ردودها على الحرب، لا سيما فيما يتعلق بإسرائيل. فهي لم تقم علناً بإدانة هجوم “حماس”، أيضاً جمدت المحادثات حول التطبيع مع إسرائيل. ولكن في الوقت نفسه هي تسمح لوسائل الإعلام فيها بنشر مقالات “تكفيرية” مثل المقال الذي كتبه الصحافي اللبناني المعروف نديم قطيش، الذي نشره في الصحيفة السعودية الدولية المهمة جداً “الشرق الأوسط”. وعنوان المقال هو “يجب ألا نسقط مرة أُخرى في شرك القضية”. “القضية” هي بالطبع القضية الفلسطينية، والشرك حسب قوله هو الخطاب المسيحاني الخطير الذي فيه من جهة رئيس الحكومة نتنياهو يتحدث “عما فعله العملاق لليهود”، ومن جهة أخرى “حماس” تعرض نضالها الفلسطيني على أنه حرب دينية لإنقاذ المسجد الأقصى، وتسمي عمليتها بـ”طوفان الأقصى”.

“الحرب على الوعي هو الأمر الذي يهمنا الآن، إلى جانب المعركة العسكرية”، كتب في المقال. “هذه المعركة ضرورية لتحرير الشباب من الشرك الذي يشوه رؤيتهم للقضية الفلسطينية والنزاع العربي – الإسرائيلي بشكل واسع”. يؤمن قطيش بأنه من هذه المعركة الوحشية يمكن أن يكون هناك ضغط لحل سياسي، لكن “هذا الحل يقتضي هزيمة نتنياهو وائتلافه الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهزيمة حماس التي أوصل حكمها الفلسطينيين منذ 2006 إلى جهنم التي يوجدون فيها الآن”.

قطيش ليس الوحيد الذي حذر من تحول الحرب في غزة إلى حرب دينية. لا توجد أي دولة عربية واحدة لم تُدر أو ما زالت تدير صراعات داخلية، أحياناً عنيفة جداً، ضد التنظيمات الدينية المتطرفة، من بينها تنظيمات “إرهابية” إسلامية. ولا يوجد أي نظام لم يتم اتهامه بأنه “حارب ضد الإسلام”. في السعودية ما زال يدوي صدى الحدث الذي قامت به جماعة إسلامية متطرفة، وهي جماعة “جهيمان” التي سمّت نفسها “الإخوان”، بالسيطرة في 1979 على الحرم في مكة، وأعلنت عن زعيمها أنه المهدي، وطلبت إقصاء عائلة سعود عن الحكم.

النتيجة كانت مخيفة. في عملية التحرير قتل تقريباً 260 شخصاً، من بينهم رهائن، والكثير من المتطرفين تم إعدامهم فيما بعد. ولكن على الفور بعد ذلك أعلن الملك خالد أن “الحل للعصيان الديني هو بسيط: المزيد من التدين”. أصبحت السعودية الدولة العربية الأكثر محافظة، ورجال الدين حصلوا على صلاحيات كبيرة، وشرطة الأخلاق أصبحت هيئة تنفيذية مخيفة. فقط في السنوات الأخيرة بدأ بن سلمان بتكبيل يد المحافظين وتشجيع التغرب.

مصر هي النموذج الحديث لمحاربة التنظيمات الدينية المتطرفة، خاصة بعد أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2013، وقام بعزل الرئيس محمد مرسي، رجل “الإخوان المسلمين”، وسجنه، وأعلن عن كل الحركة كمنظمة “إرهابية”، التي يدير ضدها نضالاً كثيفاً وعنيفاً حتى الآن – وإن كانت “حماس” لا تُعتبَر في السعودية منظمة إرهابية.

تم في الأردن الحفاظ على التعايش المتشكك والمتحفظ بين الإخوان المسلمين والبلاط الملكي، لكن خلافاً لمصر فإن الأردن لا يسمح بنشاطات “حماس” على أراضيه. معظم الدول في شمال إفريقيا أدارت طوال سنين صراعاً قاتلاً ودموياً ضد التنظيمات الإسلامية، قبل فترة طويلة من سماع أي أحد باسم “القاعدة” أو “داعش”.

على هذه الخلفية، فإن الحرب في غزة تضع زعماء الدول العربية في ورطة شديدة. “حماس” لديها صفة مزدوجة، حركة وطنية ودينية. في نشاطاتها “الإرهابية” ضد إسرائيل هي تمثل النضال الفلسطيني الوطني الذي تؤيده قطاعات كثيرة، دينية وغير دينية. ولكن الراية التي رفعتها “حماس” – كما تم التعبير عن ذلك في اسم العملية، “طوفان الأقصى”، وفي ميثاق الحركة الذي ينص على أن “الله هو هدفها والنبي هو نموذجها والقرآن هو دستورها، الجهاد هو طريقها والموت في سبيل الله أسمى أمانيها” – هذه الراية تجعل الأنظمة العربية تقف على رؤوس الأصابع خوفاً من إمكانية أن تبعث الحرب في غزة الحياة في حركات وتنظيمات متطرفة. وحتى لو أنه لم تتم تصفية هذه الحركات بشكل كامل، فإنه تم قمعها بنجاعة. أما الآن فهي من شأنها أن تُبعث مجدداً.

هذا التهديد يتحدث عنه الآن الرئيس المصري وملك الأردن وزعماء السعودية مع الرئيس بايدن وكبار الإدارة الأميركية الذين يديرون المعركة الدبلوماسية. هم يحذرون من أن الكارثة الإنسانية في غزة يمكن أن تكون لها تأثيرات سياسية وإستراتيجية، ربما تخدم “حماس” وتنزلق إلى أبعد من غزة بكثير.

إعادة السفيرَين الأردني والبحريني، وفيما بعد ربما أيضاً المغربي، ليست أكثر من التلويح بإصبع مهددة وإسهام إعلامي لتهدئة غضب الجماهير. وأي دولة من هذه الدول لا تتحدث الآن بمفاهيم قطع العلاقات مع إسرائيل. حسب أقوال الرئيس الأميركي، فإنه حتى السعودية على استعداد للاستمرار في محادثات التطبيع حتى بعد الحرب.

لكن إضافة إلى قلقهم الحقيقي على سلامة سكان غزة والخوف من ردود جماهيرية، فإن زعماء الدول العربية لا يريدون الوقوف في وضع يكون فيه عليهم المطالبة بوقف الحرب بشكل كامل، طالما أنه توجد احتمالية لأن تتوقف “حماس” عن السيطرة في غزة أو أن تكف عن الوجود. حسب أقوال مصادر مصرية، فإن الزعماء العرب يقولون للرئيس الأميركي، جو بايدن: إن هدنات وقف إطلاق نار إنسانية هي صمامات أمان حيوية يمكن أن تحافظ على شرعية الحرب ضد “حماس”، لأنها سترسم حدود الحرب بين معركة شاملة ضد غزة، وبالتالي ضد الفلسطينيين، وبين النضال ضد “منظمة إرهابية”.

عرض زعماء وجهات رفيعة في الدول العربية على واشنطن التعامل بجدية كبيرة من أجل تأطير الحرب وتركيزها على الهدف المطلوب تدميره، وعدم تحويلها إلى حرب دينية أو حرب تظهر وكأنها حرب تدار برعاية أميركية ضد كل الفلسطينيين.لأنه بعد الحرب ليس فقط وجه غزة هو الذي سيتغير، بل كل الشرق الأوسط يمكن أن يحتاج إلى خارطة سياسية جديدة يتم رسمها وفقاً لنتائج الحرب. في رسم مثل هذه الخارطة سيكون للولايات المتحدة دور رئيس، وهي ستحتاج إلى قدر كبير من الشرعية كي تستطيع لعب هذا الدور. فوقوفها الصريح إلى جانب إسرائيل والمساعدة العسكرية والمالية التي تمنحها لها، والدعم السياسي والتأييد الشخصي لبايدن، هي حسب الزعماء العرب رافعة قوية على الولايات المتحدة أن تستخدمها من أجل أن تجند إلى جانبها تحالفاً عربياً سيكون ضرورياً من أجل خطوات سياسية مستقبلية.

مصدر دبلوماسي غربي قال للصحيفة: إن جهات عربية رفيعة، من بينها وزراء خارجية ومستشارون للأمن القومي يعملون على تجنيد دعم أوروبا لوقف إطلاق النار في غزة، لا تطرح فقط الضائقة الشديدة للسكان، بل هي “تتحدث أيضاً بلغة المصالح السياسية. وهم يقولون لنا: إن التهرب من معالجة مستعجلة للقضية الإنسانية سيبعد أوروبا والولايات المتحدة عن إمكانية الانشغال في وقت لاحق بالحل السياسي”.

مثال على ذلك، أنه أشار إلى انفصال الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن ساحة سورية أو لبنان، التي كان يمكنها التأثير فيها بشكل أكبر لو أنها استغلت القناة الإنسانية. يمكن الاختلاف مع هذا التقدير، لكن لا يمكن تجاهل أن الساحة الإنسانية قد تحولت إلى ساحة تأثير سياسية. روسيا وتركيا وسورية تحصل على مكاسب سياسية، ليس فقط في سورية، بفضل الإمساك بمفتاح خارج الحدود، وهو أنه عن طريقها تمر المساعدات الإنسانية لسورية.

في حالة غزة، فإن مصر تمسك بمفتاح مشابه، حيث إن حركة إدارته يتم إملاؤها في هذه الأثناء من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، حتى اللحظة التي فيها ستجد مصر صعوبة في الوقوف في مواجهة تدفق الجمهور وتفتح المعبر على مصراعَيه، على فرض، الذي يبدو صحيحاً، أن واشنطن لن تسمح لإسرائيل بقصف المعبر مرة أُخرى كما فعلت في الأيام الأولى للحرب، لأن القضية الإنسانية توجد الآن في حضن أميركا وهي تلزم بايدن بأن يجد لها حلاً وبسرعة. وقف النار الإنساني ليس نهاية الحرب، يشرح المحللون العرب. ولكن إضافة إلى مساعدة السكان هو أمر حيوي من أجل أن تستطيع الأنظمة العربية التي تؤيد أميركا والتي تعارض “حماس” مواجهة ضغوط الجماهير – بعد ذلك أن تكون شريكة في التسوية السياسية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى