هآرتس: أساس الثأر قد يحبط تسوية في الحدود الشمالية
هآرتس – تسفي برئيل – 13/8/2024 أساس الثأر قد يحبط تسوية في الحدود الشمالية
“لقاء القمة”، الذي يتوقع أن يعقد في يوم الخميس القادم بين ممثلي دول الوساطة، اسرائيل وحماس، من اجل مناقشة وقف اطلاق النار، بدأ يظهر اكثر فأكثر كساعة الصفر التي ستقرر اذا كانت المنطقة مستعدة لحرب شاملة. التخمينات والتقديرات والرهان التي تغطي هذا اللقاء الحاسم، الاكثر مصيرية بالنسبة للمخطوفين، غير مسبوقة.
هل ايران ستنتظر حتى يوم الخميس كي تشغل آلة انتقامها ضد اسرائيل كي لا تظهر كمن تمس بفرصة القمة؟ أو أنها ستبكر وتعمل ضد اسرائيل، لكن “ليس بصورة يمكن أن تضر بوقف اطلاق النار”، حسب البيان الذي نشرته بعثة ايران للامم المتحدة. هل حزب الله سينتظر هو ايضا أو أنه سيبدأ بالهجوم المؤكد حتى قبل عقد القمة كي لا يجد نفسه مقيد بوقف اطلاق النار الذي سيتم التوصل اليه مع حماس. وماذا عن اسرائيل؟ هل وفدها سيأتي الى القمة وهو مزود بموافقة من الحكومة، مبدئية وفعلية، على وقف اطلاق النار؟ في غضون ذلك حماس اعلنت في السابق بأنها لا تنوي ارسال ممثلين لأنها لا تجد أي جدوى في عقد جولة محادثات اخرى، التي ستطرح فيها اقتراحات جديدة أو تعديلات لاقتراحات سابقة، وأنها تصمم على أنه في اللقاء سيتم عرض خطة عمل فيها يتم تفصيل الطريقة التي ينوي من خلالها الطرفين تنفيذ الخطة التي تم الاتفاق عليها في 2 تموز الماضي.
واشنطن من ناحيتها تلقي بكامل ثقلها على قطر من اجل جعل ممثلي حماس يأتون الى القمة. في هذه المرحلة نحن لا نعرف اذا كانت قطر ستنجح في اقناع حماس. في الاسبوع الماضي نشر أن قطر نفسها فحصت الانسحاب من الوساطة، لكن ازاء الضغط الامريكي وافقت على تأجيل هذا القرار. تهديد قطر بالانسحاب من الوساطة غير جديد. ففي شهر نيسان الماضي اعلن رئيس الحكومة في قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن قطر تفحص انسحابها من الوساطة. “توجد حدود لمهمتنا، وحدود لقدرتنا على المشاركة بشكل بناء في هذه المفاوضات”، قال في حينه آل ثاني، واتهم وقال بأن “الاطراف المشاركة في المفاوضات تستغل قطر لاهداف سياسية ضيقة”.
الافتراض السائد الذي هو ايضا يستند على الرهان، يقول بأن الردع الامريكي الذي وجد التعبير في استعراض القوة غير المسبوق الذي تعرضه في الشرق الاوسط، اضافة الى رسائل التهديد من واشنطن الى طهران، يمكن أن تكبح في هذه الاثناء رد ايران. ولكن نحن لا نعرف اذا كان معنى “تكبح” هو تأجيل “الثأر” أو فقط تنفيذه بمستوى محدود، لا يلرزم اسرائيل برد مضاد مؤثر.
من هذا الافتراض يمكن استنتاج ايضا رد حزب الله الذي يستمر في التمسك بالربط بين وقف النار في غزة ووقف النار في لبنان. ولكن الربط المعروض تقريبا كأمر مسلم به، بني قبل فتح حساب الثأر من اسرائيل في اعقاب تصفية فؤاد شكر؛ مثلما أن استراتيجية ايران العلنية التي بحسبها هي تعمل لمنع الحرب الشاملة، تمت صياغتها قبل اغتيال اسماعيل هنية.
حسن نصر الله قام في الواقع باعفاء ايران وسوريا من المشاركة في معركة الثأر التي تعهد بها ضد اسرائيل. ولكنه لا يدير فقط جبهة لبنان أو دولة لبنان. فهو المسؤول عن حماية مصالح ايران في لبنان، ويعتبر المنسق لنشاطات “جبهة الدعم” أو “وحدة الساحات”، التي يشارك فيها وكلاء ايران، وليس فقط في الجانب العسكري. ايضا اذا تبنى حزب الله اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس فان ذلك سيبدأ حملة طويلة للتسوية مع لبنان.
رئيس حكومة لبنان أكد على أن وقف اطلاق النار في قطاع غزة سيحرك العملية السياسية مع لبنان. وصرح أيضا بأنه ينوي الدفع قدما بتطبيق القرار 1701 بشكل كامل. ولكن حزب الله له شروط خاصة به وهو حتى الآن لم يوضح موقفه من هذه المسألة. فهو لا ينوي نزع سلاحه، البند الرئيسي في قرار 1701. ويبدو أنه في هذه الاثناء لا توجد أي جهة في لبنان أو أي جهة دولية تصمم على تنفيذ هذا الطلب. ولكنه ايضا لا يوضح اذا كان ينوي الانسحاب الى ما وراء نهر الليطاني. خطة العمل السياسية التي عمل عليها المبعوث الامريكي عاموس هوخشتاين، ومبعوث الرئيس الفرنسي، جان ايف لادريان، تتحدث، ضمن امور اخرى، عن انسحاب قوات حزب الله الى 8 – 10 كم عن الحدود، وعن قوة تتكون من 15 ألف جندي لبناني مع قوة دولية معززة ترتكز كما يبدو على قوة “اليونفيل”، التي ستسيطر في جنوب لبنان.
هذا مجال يمكن أن يعطي الحماية لمستوطنات الشمال من نيران الدروع المضادة، لكنه بعيد عن توفير الأمن من عشرات آلاف الصواريخ ذات المدى المتوسط والبعيد التي توجد لدى حزب الله. تأهيل قوات الجيش اللبناني لهذه المهمة معقد وسيستغرق وقت. قائد الجيش اللبناني، الجنرال جوزيف عون، الذي التقى مع جهات رفيعة في الادارة الامريكية في شهر حزيران الماضي، أوضح بأنه سيكون بحاجة الى نحو مليون دولار كي يقوم بتجنيد وتسليح وتدريب قوات عسكرية بالحجم المطلوب. من غير الواضح من أين جاء هذا الرقم، لكن في الوضع الحالي، الجنرال عون يقوم بجمع التبرعات ويدفع رواتب جنوده، 100 دولار في الشهر لكل جندي، من اموال المساعدات التي تنقلها اليه قطر والولايات المتحدة. وبدون وجود سيارات مصفحة مناسبة فان الجيش اللبناني يمكنه أن يضع فقط مجسمات من الكرتون على طول الحدود. والمخيب أكثر للآمال هو وضع حوالي العشرة آلاف جندي لليونفيل الذين نشاطاتهم في جنوب لبنان مقيدة من قبل حزب الله والجيش اللبناني نفسه. مثلا، في يوم السبت الماضي ترك الجيش اللبناني دورية مشتركة مع قوة اليونفيل في كفر حمام قرب الحدود مع اسرائيل لأنه حسب ادعاء الجيش الدورية دخلت “منطقة خاصة” خلافا للتفاهمات مع الحكومة اللبنانية، أي مع حزب الله.
رغم صلاحية قوات الامم المتحدة لاجراء اعمال الدورية في كل مكان في جنوب لبنان، حسب القرار 1701، إلا أن الحكومة اللبنانية حددت مناطق يحظر دخول قوة اليونفيل اليها، سواء لأن الامر يتعلق بمنطقة خاصة أو بـ “منشآت عسكرية” يجب الحفاظ على سريتها. اليونفيل تقوم بنشر مقالات مطولة عن التعاون مع السكان في الجنوب وعن المساعدات الصحية السخية التي تقدمها منذ بداية الحرب للمصابين والمرضى؛ لكن هذه الصدامات غير النادرة بين قوة اليونفيل وسكان القرى وقوات حزب الله، التي تمنع بالقوة أي “خرق” للتفاهمات غير الرسمية، تحظى بنشر قليل. في نهاية الشهر يتوقع صدور قرار حول تمديد تفويض قوة اليونفيل لسنة، الامر الذي كما يبدو سيتخذ بدون تغيير، لكن أي تسوية سيتم التوصل اليها بعد وقف اطلاق النار ستحتاج الى تحديد ليس فقط طريقة عمل الجيش اللبناني، بل ايضا الصلاحيات العسكرية التي ستكون للقوة الدولية. كل ذلك مرهون بالطبع بمصادقة حزب الله.
لكن طالما أنه لا يوجد وقف لاطلاق النار في غزة فان الحديث عن تسوية سياسية وعسكرية مع لبنان تبدو في هذه الاثناء مثل سينمار في دورة للدبلوماسية النظرية؛ ومعروض على سكان الشمال الآن ألا يحبسوا الأنفاس. في الواقع الحالي فان “عنصر الثأر” الذي تم بناءه بين اسرائيل وحزب الله وايران هو الذي سيحدد قواعد اللعب. هذا العنصر اصبح جزء لا يتجزأ من معادلة “الرد” التي ما زالت تميز المواجهة بين حزب الله واسرائيل، واصبح مركب استراتيجي جديد يملي سياسة ايران. الاستنتاج البائس هو أن وقف اطلاق النار مع حماس، غير شكله وتحول من شرط اساسي لاستكمال صفقة الرهائن الى مصلحة استراتيجية دولية مستقلة تهدف الى منع اندلاع الحرب الاقليمية. المعنى هو أن اطلاق سراح المخطوفين، الذي هو مأساة انسانية واخلاقية تسببت بها حماس ولكن المسؤولية عن انهائها ملقاة على حكومة اسرائيل، اصبح أداة لعبة سياسية ساخرة، كل طرف يقيس من خلالها “نصره المطلق”.