نيويورك تايمز – نظرة ترامب المتخلفة إلى الهجرة
هيئة التحرير – نيويورك تايمز – 7/2/2018
يبدو من المرجح أن يتوصل الكونغرس الأميركي إلى اتفاق على الميزانية بحيث يتم إبقاء الحكومة عاملة من دون استخدام مئات الآلاف من المهاجرين الشباب غير الشرعيين الذين جلبوا إلى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفالاً كأوراق للمساومة. ويبدو أيضاً أن الرئيس ترامب سينظر في أمر التراجع عن تهديده بترحيل هؤلاء “الحالمين” الشباب فقط إذا نظر الكونغرس في إجراء أول تخفيضات عميقة لمستويات الهجرة القانونية منذ عشرينيات القرن الماضي.
تنبع التغييرات التي يطالب بها الرئيس من وجهة نظر مستندة إلى معاداة الهجرة حاصلها صفر، والتي ترى أن ما هو جيد للمهاجرين هو سيئ لأميركا. ولا تتعارض هذه النظرة مع أفضل التقاليد والمبادئ الأميركية وحسب، وإنما تتعارض أيضاً مع كل الأدلة التي تشير إلى ما هو أفضل للبلاد.
كان قد تم تصميم البرامج التي يستهدفها السيد ترامب لجعل الهجرة القانونية أكثر تنوعاً وإنسانية. وأحد هذه البرامج هو نظام اليانصيب الذي يتيح فرصة الحصول على تأشيرات لأشخاص من بلدان كان تمثيلها ناقصاً كمصادر للمهاجرين الأميركيين؛ وثمة برنامج آخر هو الخاص بالهجرة القائمة على أساس الأسرة، والذي يقدم تأشيرات لجمع شمل أقارب المواطنين والمقيمين القانونيين.
في الفترة الأخيرة، ركز السيد ترامب، الذي وصم المهاجرين مراراً وتكراراً بأنهم إرهابيين ومجرمين، على إثارة المخاوف وتعزيزها من برنامج تأشيرات التنوع. وفى الشهر الماضي، أصدرت وزارة الأمن الداخلي تقريراً ادعى بلا نزاهة بأن الذين دخلوا البلاد عن طريق اليانصيب كانوا أكثر احتمالاً للارتباط بالهجمات الارهابية. ووجد معهد “كاتو” أن حاملي تأشيرات اليانصيب قتلوا فعلياً ثمانية فقط من أصل 3.037 أميركيا قتلوا على يد إرهابيين مولودين في الخارج منذ العام 1975. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المهاجرين المختارين بواسطة اليانصيب ليسوا مختارين “من دون أي اعتبار للمهارة، أو الجدارة، أو سلامة شعبنا”، كما قال الرئيس ترامب في خطابه عن حالة الاتحاد. فيجب أن يكون لديهم على الأقل تعليم ثانوي أو سنتان من الخبرة في عمل ماهر، ويجب أن يخضعوا هم أيضاً للفحوصات الجنائية والأمنية الوطنية والفحوصات الطبية. ولا يتم منح نحو 50.000 من متلقي هذه التأشيرات الإقامة الدائمة، وإنما يمنحون فقط فرصة للمرور عبر بقية مراحل عملية الهجرة.
قال الرئيس ترامب إن برنامج لم شمل الأسرة -الذي يفضل هو ومعارضون آخرون للهجرة تسميته “الهجرة المتسلسلة”- يفتح بوابات الفيضان أمام قدوم “عدد غير محدود تقريباً من الأقارب البعيدين فعلياً”. وفي واقع الأمر، فإن الأقارب غير الزوجات والأزواج، والآباء، والأطفال القصر يخضعون للمراجعات السنوية والحصص القُطرية للبلدان، بحيث أصبح لدينا اليوم ما يقرب من أربعة ملايين من المتقدمين، ومعظمهم يواجهون سنوات عديدة من الانتظار للحصول على تأشيرة. ولن يسمح السيد ترامب بقدوم أي متقدمين جدد سوى أفراد الأسرة المباشرين، وحتى هؤلاء لن يشملوا الآباء بعد الآن. وسوف يؤدي فرض هذه القيود وإنهاء تأشيرة التنوع عن طريق اليانصيب إلى خفض عدد المهاجرين القانونيين إلى النصف.
صارع السياسيون لعقود من الزمن مع كيفية التعامل مع المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني -الذين يبلغ عددهم الآن حوالي 11 مليون شخص. لكن الهجرة في حد ذاتها تعد على نطاق واسع جيدة لأميركا وللحلم الأميركي. وتظهر وفرة من الأدلة أن المهاجرين يساعدون الاقتصاد على النمو. وهم أكثر احتمالاً لامتلاك أعمال تجارية أو لبدء هذه الأعمال من المولودين في البلد. ومن أصل 87 شركة مملوكة للقطاع الخاص من التي تقدر قيمة الواحدة منها حالياً بأكثر من مليار دولار، كان 51 في المائة من مؤسسيها من المهاجرين.
ثمة أسئلة تستحق النظر والنقاش حول ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تقبل بمهاجرين أكثر مهارة، وما هي المعايير التي تستخدمها لفحص المتقدمين. ولكن مثل هذا النقاش لا يمكن أن يتكشف في ظل تهديد السيد ترامب بطرد “الحالمين” في القريب العاجل. وإذن، ما الذي يسعى الرئيس ترامب إليه حقاً؟
وجد استطلاع للرأى أجراه معهد غالوب فى حزيران (يونيو) الماضي، أن 62 في المائة من الأميركيين يؤيدون الحفاظ على مستويات الهجرة الحالية -أو حتى زيادتها. وبما أن البلاد تتمتع بمعدلات توظيف كاملة تقريباً، فإن توقيت هذه المطالب المناهضة للمهاجرين قد يبدو غريباً. ومع ذلك، فإنه ليس أكثر غرابة من حديث الرئيس المتصل بالجريمة في وقت أصبحت فيه معدلات الجريمة أقل من أي وقت مضى، أو هاجسه المستمر إزاء الإرهابيين الإسلاميين، على الرغم من أن مكتب المساءلة الحكومية وجد أن المتطرفين الأميركيين اليمينيين ارتكبوا عدداً أكثر بكثير من الهجمات المحلية ضد الأميركيين منذ العام 2001. ويبدو أن نهج السيد ترامب لا يهدف إلى ترشيد نظام الهجرة بقدر ما يهدف إلى إثارة حماسة مؤيديه الرئيسيين عن طريق شيطنة الناس من غير البيض، كما فعل عندما أهان المهاجرين من دول مثل هايتي والمكسيك، في حين أثنى على المهاجرين النرويجيين.
لكن أعضاء الكونغرس يعرفون ما هو أفضل، وهم يدركون أن هناك تدابير معقولة يكون من شأنها أن تزيل العقبة المباشرة وتنتج صفقة بين الحزبين. وقد قدم الشيوخ جون ماكين، الجمهوري عن ولاية أريزونا، وكريس كونس، الديمقراطي عن ولاية ديلاوير، مشروع قانون بديل مؤقت من شأنه أن يضع حداً للتهديد الذي يتعرض له “الحالمون” مع تعزيز أمن الحدود في الوقت نفسه. ولا شيء عن تأشيرات التنوع أو الهجرة الأسرية، ولا شيء عن الجدار العبثي الذي يهدر الطاقة والمال.
ويبدو هذا معقولاً. فالطريقة التي نتعامل بها مع الهجرة لا ينبغي أن تتغير من دون إجراء نقاش وطني شامل، عميق ونزيه.
*نشر هذا المقال الافتتاحي تحت عنوان :
Trump’s Backward View of Immigration
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 13/2/2018