نيويورك تايمز: لقد خلقت الحرب في غزة فراغا في السلطة، ولايوجد تخطيط لملئه
نيويورك تايمز 20-3-2024، بقلم آدم راسغون: لقد خلقت الحرب في غزة فراغا في السلطة، ولايوجد تخطيط لملئه
يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ بداية الحرب عن الحاجة للإطاحة بحكم حماس في القطاع، لكنه لم يفعل إلا القليل لمعالجة الفراغ الذي ستتركه، خاصة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. وبدا هذا واضحا من مداهمة مستشفى الشفاء.
وقال الجيش إنه قتل عددا من مقاتلي حماس وحقق مع مئات الأشخاص، في وقت أعلنت حماس أنها كبدت القوات الإسرائيلية “قتلى وجرحى”. وتعرّض الهجمات حياة السكان المشردين الذين لجأوا إلى المجمع والطاقم الطبي والمرضى وكذا السكان المقيمين حول المستشفى للخطر.
إن مسؤولي الأمن الإسرائيليين السابقين، منقسمون حول كيفية معالجة الفوضى، ولكنهم متفقون على ضرورة إعداد خطة مفصلة وعملية حول كيفية حكم القطاع، وإلا فإنه سيكون من الصعب المضي نحو مستقبل أكثر استقرارا. ويقولون إنه كان يتحتم على نتنياهو تطوير خطة كهذه منذ وقت. ونقلت الصحيفة عن قائد فرقة غزة السابق في الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي شامني، قوله: “إنه خطا كبير، ربما يحتاج الأمر شهورا أو سنوات لخلق بديل ناجح، ولكن علينا البدء بتحريك الأمور بهذا الاتجاه”. وأضاف: “سنواصل القيام بالعمليات ذهابا وإيابا، ففي كل مرة تنسحب فيها القوات الإسرائيلية، تعود حماس”.
واقترح نتنياهو في الشهر الماضي، خطة تدعو لسيطرة إسرائيلية على الأمن في غزة بعد الحرب و”إدارة مدنية وقوة نظام وقانون يديرها مشاركون بخبرات إدارية” وبدون علاقة مع حماس التي سيطرت على القطاع عام 2007. وتتصور الخطة إزالة دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) بدون أن تتحدث عمّن سيحل محلها. وقال مكتب نتنياهو إن الخطة “تعكس إجماع الرأي العام حول أهداف الحرب القاضية باستبدال حكم حماس بخيار مدني”. إلا أن الخبراء قالوا إن الخطة غامضة وغير واقعية لمواصلة المماطلة والمراوغة عن اتخاذ تحرك جاد.
ويقول المحلل الفلسطيني طلال عوكل الذي فرّ من شمال غزة في تشرين الأول/ أكتوبر ويعيش حاليا في الإمارات: “لقد تم تحويل الحياة إلى جهنم”. وقال إن نتنياهو وشركاءه لا يريدون الإجابة على أسئلة اليوم التالي للحرب. ورفض نتنياهو خطط إدارة بايدن لعودة السلطة الفلسطينية المتجددة لإدارة غزة، إلى جانب حكمها المحدود في أجزاء من الضفة الغربية. ويرفض الكثيرون من حلفائه المتطرفين سيطرة السلطة على الضفة وغزة كخطوة باتجاه الدولة الفلسطينية.
ومع ذلك، لا يوجد هناك أي جواب بسيط بشأن من سيحكم غزة، كما يقول المحللون الأمنيون الإسرائيليون. كما ينظر الكثير من الفلسطينيين إلى السلطة باعتبارها ملوثة بتهم الفساد وسوء الإدارة ولا تثق بها إسرائيل.
وطالب بعض المسؤولين العسكريين الإسرائيليين بإعادة احتلال غزة بعد الحرب وإن لمرحلة مؤقتة، إلا أن المجتمع الدولي يعارض هذا بشكل عام. فاحتلال القطاع سيضع قيودا ضخمة على حرية الفلسطينيين ويستنفد مصادر إسرائيل العسكرية والمالية. كما أن موقف حماس والجماعات الأخرى من الاحتلال يمثل تحديا.
ويدعو مسؤولون سابقون في الأمن الإسرائيلي، نتنياهو إلى تشكيل هيئات إدارية في المناطق التي انسحب منها الجيش لمنع حماس من العودة وإعادة تشكيل نفسها ومنع انتشار الفوضى. ويجادلون أن القوات الإسرائيلية ستعود مرة أخرى إلى القطاع كما فعلت في مستشفى الشفاء، ولكن بدون خطة، فستتحول المواجهة إلى حرب استنزاف.
ويرى الجنرال شامني، أن مواقف نتنياهو نابعة من واقع اعتماد حكومته على شركائه في الائتلاف الحاكم، المعارض لأي دولة فلسطينية. وقال شامني: “ما يهمه هو نجاته السياسية”.
ويرى آخرون متقاعدون من الأمن، أن السلطة الفلسطينية ضعيفة لكي تحكم غزة، وهم متفقون على أن ترك الوضع على حاله، وترك المناطق بدون حكم لا يمكن الحفاظ عليه. وبدلا من ذلك، يجب على إسرائيل احتلال غزة أولا، ثم البحث عن بدائل حكم في مجلس أو هيئة مثلا.
وقال مايكل ميليشتاين، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن مداهمة مستشفى الشفاء هذا الأسبوع، تكشف عن الحاجة لوجود عسكري في شمال القطاع، وأضاف: “الناس يسألون، ألم نطهر الشفاء؟ لم نقم بذلك”، و”إذا لم نبق هناك، فسيعودون في أقل من خمس دقائق”، في إشارة إلى حماس.
ووصفت وزارة الصحة في غزة الهجوم على المجمع الطبي بأنه “جريمة ضد المؤسسات الصحية” وعبرت المنظمات الإنسانية عن القلق من الوضع في المجمع، والذي احتمى به نازحون من مناطق أخرى.
وسيؤدي الاحتلال الكامل للقطاع إلى نشر مزيد من القوات وتخصيص المزيد من المصادر وتقديم الخدمات للفلسطينيين. وفي نفس الوقت، أثّر استدعاء جنود الاحتياط والمواجهات في الشمال مع حزب الله على الاقتصاد الإسرائيلي. ويعني الاحتلال تحديا للمجتمع الدولي، بما في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رفض تحركا بهذا الاتجاه.
وبالنسبة للفلسطينيين، فهذا يعني تحكم الجيش الإسرائيلي في حياتهم ومدنهم والمداخل والمخارج إليها. وربما تعاني حماس من وضع كهذا نظرا لوجود الجيش وقدرته على الرد عليها، لكن لا يعرف كيف سترد هي والجماعات الأخرى على سيناريو كهذا، فعقود من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية لم تقض على الجماعات المسلحة الرافضة له.
ومع توغل المجاعة في غزة، فالنقاش بشأن خطة ما بعد الحرب يأتي على حساب المدنيين الفلسطينيين، و”قد ترسخت الفوضى الكاملة والناس يدفعون الثمن، لكن ماذا ستفعل؟ كل ما بيدهم هو رفع أيديهم والدعاء لله”، كما يقول طلال عوكل.