ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز – قادة العراق الجدد تكنوقراطيون، في افتراق عن السياسة الطائفية

نيويورك تايمز  –  بن هوبارد؛ وفالح حسن* – 2/10/2018

منذ ما يقرب من خمسة أشهر، اختلف السياسيون العراقيون حول شكل حكومتهم الجديدة.

كانت الكتلة التي يقودها مقتدى الصدر، زعيم الميليشيا الشيعية السابق وعدو أميركا القديم، قد فازت بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات أيار (مايو). وأعاد الصدر تعريف نفسه كشعبوي يرفع شعار “العراق أولاً”، متعهداً بمكافحة الفساد، ومعارضة التدخل الأميركي والإيراني، ووعد بسياسة جديدة غير طائفية.

في الأسبوع الماضي، انتهى الجدل، وحصل العراقيون على أدلة جديدة على أنه ربما كان يعني ما قاله.

يوم الأربعاء الماضي، وقف حارس شرف بانتباه عندما دخل رئيس الدولة العراقي الجديد، برهم صالح، القصر الرئاسي في المنطقة الخضراء ببغداد، بعد يوم من تعيين عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء.

ويُنظر إلى الزعيمين اللذين تم اختيارهما بتوافق الآراء في البرلمان يوم الثلاثاء على نطاق واسع على أنهما تكنوقراطان قديران. السيد عبد المهدي، الذي سيتولى المنصب الأعلى، هو نائب رئيس سابق، غير منتسب إلى أي حزب، وله سمعة اعتناق العلمانية. والسيد صالح، الذي يبقى منصبه احتفالياً إلى حد كبير، هو سياسي كردي يفضل العمل مع الحكومة المركزية في بغداد.

تشير هذه الاختيارات إلى أن العراق يمكن أن يحول وجهته في نهاية المطاف، مبتعداً عن النظام القائم على الطوائف والحزبية الذي قاد سياساته وتسبب في الكثير من سفك الدماء منذ الغزو الأميركي للبلد في العام 2003.

تقول إيما سكاي، الزميلة الرفيعة في معهد جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل: “ما يزال العراق يواجه مشاكل الفساد والبطالة والخدمات السيئة، ويعاني من التدمير الكبير في المناطق المستعادة من ‘داعش’، لكن هناك في النهاية شخصين قادرين وصاحبي نوايا طيبة، واللذين توليا المسؤولية أخيراً في البلد. وهما قائدان كفؤان، معتدلان ومحترمان، وصديقان حميميان للغاية”.

أما إذا كانت الحكومة الجديدة سوف تبتعد أكثر عن إيران أو الولايات المتحدة، اللتين ما تزالان تتنافسان على النفوذ في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، فيقول محللون إنه لا ينبغي توقُّع أي تغييرات كبيرة في هذا الشأن.

يقول زيد العلي، مؤلف كتاب “الصراع من أجل مستقبل العراق”: “لن يتغير أي شيء غير عادي”. وأضاف أن عبد المهدي هو شخص يأتي من الداخل السياسي، ولم يتم اختياره لأن لديه رؤية للعراق، وإنما لأنه لم يشكل تهديداً لأي من الأحزاب الرئيسية.

وأضاف السيد العلي: “الناس الذين يهتمون بالاستمرارية سيكونون سعداء للغاية. أما الناس الذين يريدون الإصلاح أو رؤية تغيير رئيسي، فسيكونون غير سعداء. هذا تصويت من أجل الاستمرارية”.

وتقول السيدة سكاي عن السيدين صالح وعبد المهدي: “إنهما شخصان فطنان للغاية، وأعتقد أنهما سيفعلان كل شيء في محاولة إيجاد ذلك التوازن. إنهما يريدان أن تكون أميركا وإيران كلاهما صديقتين للعراق”.

يواجه العراق في هذه الآونة تحديات لا تعد ولا تحصى: إصلاح الدمار الذي أحدثته المعركة مع “داعش”؛ تهدئة وإخماد الغضب العام بسبب ضعف الخدمات العامة؛ ومعالجة الفساد المستشري؛ ومنع عودة ظهور “داعش”. وسوف يكون التصدي لهذه التحديات مهمة شاقة لأي حكومة، ولم يتم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بالكامل بعد.

انتخب البرلمان العراقي السيد صالح بأغلبية ساحقة يوم الثلاثاء. وقام بتعيين السيد عبد المهدي؛ المرشح الذي يحظى بتوافق آراء الكتل الرئيسية في البرلمان، لتشكيل الحكومة.

وستكون لدى السيد عبد  المهدي، 76 عاماً، وهو الخبير الاقتصادي المدرب، الذي شغل سابقاً منصب نائب الرئيس ووزير النفط ووزير المالية، مهلة لمدة 30 يوماً لتقديم حكومته إلى البرلمان للموافقة عليها.

وكان هذا في حد ذاته حدثاً جديداً أيضاً. في السابق، كان يُعرَض على البرلمان مجلس وزراء ورئيس وزراء تكون قد اختارتهم الأحزاب الكبيرة خلف الكواليس كحزمة واحدة.

في التعليق، قال بعض المحللين أن هذا التغيير كشف عن مرونة جديدة. وقال ريناد منصور، زميل البحث في تشاثام هاوس: “لقد رأينا تفتيتاً للكتل السياسية وعدم قدرة النخبة نفسها على لعب نفس أنواع الألعاب القديمة وإبرام الصفقات في الغرف الخلفية، ثم القول للبرلمان بشكل أساسي: ‘هذه هي الحكومة الجديدة’”.

وقال منصور إن ثلثي الأشخاص الذين تم انتخابهم في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر أيار (مايو) جديدون على الهيئة، ويبدو أنهم أقل تقيداً بالطرق التقليدية لعمل الأشياء.

وأضاف منصور: “من الصعب أن نكون متفائلين بشأن العراق، وهناك تحديات صعبة تنتظرنا في الأمام، لكن هناك مجالاً لتغيير صغير. هناك مجال لبعض التفاؤل الحذر”.

ومع ذلك، يمكن بالكاد وصف الحكومة العراقية الجديدة بأنها ما- بعد- طائفية. ووفقاً لاتفاقية غير رسمية مطبقة منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003، فإن أهم ثلاثة مناصب في العراق يتم توزيعها حسب الطائفة: منصب الرئيس الاحتفالي إلى حد كبير يكون لكردي؛ ورئيس البرلمان لسُنّي؛ ورئيس الوزراء لشيعي. وما يزال هذا الترتيب قائماً حتى اليوم.

لكن اختيار السيد عبد المهدي والسيد صالح يوحي بتبني نهج أكثر تصالحية.

على مدى سنوات، خدم السيد عبد المهدي كعضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهو حزب شيعي كبير مرتبط بإيران، لكنه أصبح مستقلاً منذ العام الماضي. وسيكون أول رئيس وزراء منذ 13 عاماً من غير أعضاء حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، والذي أثارت قيادته ذات الغالبية الشيعية نفور الأكراد والسنة في العراق.

كما يُنظر إلى السيد صالح أيضاً على أنه شخصية موحِّدة. ويحمل السيد صالح، 58 عاماً، شهادة الدكتوراه في الهندسة من بريطانيا، وشغل سابقاً منصب رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، وعمل وزيراً للتخطيط في الحكومة العراقية.

في العادة، يتفق حزبا العراق الكرديان الرئيسيان على مرشح رئاسي لإرساله إلى البرلمان في بغداد لشغل المنصب.

لكن التنافس في التصويت كان حاداً هذه المرة؛ حيث كان الاتحاد الوطني الكردستاني يضغط من أجل ترشيح السيد صالح، بينما كان خصمه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، يؤيد شخصاً مقرباً من مسعود برزاني، الرئيس السابق لمنطقة كردستان الذي دفع من أجل إجراء استفتاء على الاستقلال الكردي في العام الماضي. وقد مر الاستفتاء بأغلبية ساحقة، لكنه أتى بنتائج عكسية مذهلة، حيث تصاعدت التوترات مع بغداد، وفي نهاية المطاف، ترك المنطقة الكردية مع قدر من الأرض والاستقلال الذاتي مما كان لديها قبله.

وهكذا، ذهبت مهمة اختيار الرئيس إلى البرلمان، حيث فاز السيد صالح بمجموع 220 من أصل 273 صوتاً، فيما يعود في جزء كبير منه إلى أنه يُنظر إليه على أنه أكثر تصالحية بشأن مسألة الاستقلال الكردي. وقال الرئيس الجديد وهو يؤدي اليمين الدستورية يوم الأربعاء: “إنني أعدكم بحماية وحدة العراق وسلامته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى