ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز – روجر كوهين – الشرق الأوسط الجديد لجيل ما بعد طائفي

نيويورك تايمز  –  روجر كوهين –  8/11/2019

بيروت – تهدج صوتها. وغلبت الدموع زينب ميرزا، التي تُحاضر في الدراسات السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت. كانت تبكي من أجل صحوة لبنان. وقالت: “بطريقة ما، كنا في غيبوبة في السابق”.

ثمة شيء ما يحدث في الشرق الأوسط. الناس، من بيروت إلى بغداد، نزلوا إلى الشوارع، مطالبين بأن تحل الأمم محل الطوائف. قوبلوا بالرصاص في العراق. وقوبلوا بالضرب في لبنان. لكنهم ما يزالون هناك. جيل جديد سئم من الطرق القديمة. والحديث يدور عن الثورة. والأمة هنا تعني الوحدة، وليس القومية.

العلم اللبناني والعلم العراقي يحضران في كل مكان، رموزاً للمطالبة بالحقوق الفردية في دولتي قانون. منذ ما يزيد قليلاً عن قرن من الزمان، أسفر التقسيم البريطاني والفرنسي في سايكس-بيكو لأراضي الإمبراطورية العثمانية المنهارة عن دول ضعيفة بحدود تعسفية. ودفع الكثيرون ثمناً هائلاً. سورية في حالة خراب. والناس سئموا تماماً من التلاعب الطائفي بالسياسة واستغلاله لإخفاء السرقة والفساد واستيلاء النخب الأوليغارشية على الدولة. سئموا من استغلالهم بالخوف. سئموا من استنزاف الروح من حيواتهم.

أخبرت ميرزا طلابها، وهي تستجمع نفسها، كيف أنه من غير الطبيعي رؤية طرابلس السنية في شمال لبنان، وهي معقل للمحافظين، وهي تقف كتفاً إلى كتف مع النبطية الشيعية في الجنوب. وقالت ميرزا: “هناك إدراك لحقيقة أن الألم نفسه موجود في كل مكان”.

وتحدثت زميلتها، هبة خضر، الأستاذة المشاركة في الإدارة العامة والسياسة العامة، عن الأطفال الذين أصبحوا فجأة يرسمون العلم اللبناني. وقالت: “نحن بصدد إنشاء معجم جديد”.

معجم الناس المتحررين من سلاسل أسلافهم وانحيازاتهم. معجم أناس ينتقلون إلى ما وراء المحرمات الطائفية؛ معجم أصبح ممكناً عندما تم فصل الدين عن السياسة؛ معجم أناس طرحوا عن أكتافهم عباءة الخوف.

شيء جميل. وشيء هش. وضروري للشرق الأوسط. شيء متسحيل في مكان مثل الشرق الأوسط، موطن الوعود المؤجلة. وكما هو الحال في حديث صمويل جونسون عن الزيجة الثانية، فإن أي تكهن بالنجاح لهذه الحركات سيكون بمثابة “انتصار للأمل على الخبرة”.

إنه شرق أوسط مختلف. على مدى أكثر من أسبوعين في المنطقة مؤخراً، نادراً ما سمعت أحداً يأتي على ذكر الولايات المتحدة. وأخبرني رجل أعمال لبناني أن أفضل ما يمكن أن يفعله الرئيس ترامب هو إقناع فلاديمير بوتين، اللاعب القوي الجديد في المنطقة، بمنع حزب الله من إثارة مشكلة للاحتجاجات.

بخلاف ذلك، سمعت عن مشاعر الاشمئزاز من خيانة ترامب للأكراد وقراره الغريب تجميد المساعدات العسكرية للقوات المسلحة اللبنانية، التي كان سلوكها في الاحتجاجات مثالياً وضرب مثلاً يحتذى. وبشكل عام، خلص قادة الشرق الأوسط إلى أن ترامب -إذا غفرت لي تكساس هذه الاستعارة- هو “كله قبعة ولا جمل”، وأنه بيدق للسعودية.

ترتفع صرخات متماثلة من شوارع العراق ولبنان. يقول العراقيون: “نريد وطناً”. وهو نفسه ما يسعى إليه اللبنانيون بإلغاء الحكومة المشكلة على أساس الطائفة: رئيس دولة يجب أن يكون مسيحياً مارونياً؛ ورئيس وزراء يجب أن يكون مسلماً سُنياً، ورئيس برلمان يجب أن يكون شيعياً. (في العراق: ثمة رئيس وزراء شيعي، ورئيس برلمان سني؛ ورئيس دولة كردي).

يبدو مثل هذا الهوس بالهوية، الذي يقف في طريق تحقيق المواطنة المشتركة، مفارقة تاريخية بالنسبة لأعضاء جيل من شباب الشرق الأوسط نشأ في عالم الإنترنت الذي بلا حدود. وهم يريدون حكومات شفافة مكرسة لرفاهية مواطنيها، وليس للإثراء الشخصي.

الطريق من هنا إلى هناك، من خلال تدابير مثل الإصلاح الانتخابي والإصلاح القضائي وإدخال قوانين الزواج المدني في لبنان (والتي من شأنها أن تسمح للمواطنين من مختلف الديانات بالزواج)، هو طريق طويل وغامض، وربما يحتاج قطعه إلى جيل. وفي الوقت نفسه، يمكن في أي يوم أن ينهار الاقتصاد اللبناني، الذي أغلقت معظم بنوكه أبوابها خوفاً من الناس أو تحسباً للهلع والاندفاع إلى استبدال العملة.

كما ينطوي إنشاء الأمة أيضاً على كبح جماح القوة التي استفادت أكثر ما يكون من الحرب الأميركية، تلاها التراجع الأميركي، تلاها عدم التساوق الأميركي: إيران.

“إيران! برَّه! بره”! يهتفُ العراقيون. وفي لبنان، تراجعت صورة حزب الله المدعوم من إيران. ففي نهاية المطاف، كانت حركة المقاتلين والحزب السياسي، التي كانت في يوم من الأيام غير قابلة للمساس بها باعتبارها “المقاومة” ضد إسرائيل، كانت جزءا من حكومة فاشلة، بالإضافة إلى أنها الداعم المهم لجزار دمشق، بشار الأسد. ويجري، ببطء، تحويل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، من “السيد” المقدس الذي لا يُمس إلى مجرد أمين عام حزب آخر، والذي يَحدثُ أنه يتقاضى راتبه من إيران.

قال لي حسين العشي، المحامي اللبناني الشاب الناشط في تنظيم الاحتجاجات: “نحن جيل ما بعد الطائفية. لقد تغير البلد لأنه يوجد، لأول مرة، وعي جماعي. إذا نجحنا، فقد يكون لذلك تأثير مُعدٍ في الشرق الأوسط”.

بل إن الكفاح هو، بطريقة ما، أكثر عالمية من ذلك. في تشيلي، كان السبب هو ارتفاع أسعار المترو. في فرنسا، كانت زيادة في ضريبة الوقود. وفي لبنان، كان ضريبة مقترحة على مكالمات “واتس-أب”. يمكن أن تكون الشرارة الأولى صغيرة لأن الكثير من الناس الذين يكافحون في جميع أنحاء العالم أصبحوا عند نهاية حبل الصبر، غاضبين مما يبدو وكأنه أنظمة مفصلة على مقاس أصحاب الامتيازات.

سألت جندياً لبنانياً عن رأيه في الاحتجاجات. فقال: “نحن لدينا حقوق”، وكانت “نحن” هذه كبيرة –واسعة، بآفاق لا تُحد.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

The New Middle East of a Post-Sectarian Generation

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى