نيويورك تايمز – رحلة مايك بينس الخادمة للذات إلى الأرض المقدسة
مجلس التحرير – (نيويورك تايمز) 23/1/2018
بصفته أبرز الإنجيليين الأميركيين، تودد نائب الرئيس مايك بينس إلى المسيحيين المحافظين نيابة عن الرئيس ترامب، فشهد على أن السيد ترامب هو “مؤمن” حقيقي، على الرغم من أن البعض ما يزالون يشكون في ذلك.
وعندما أعلن السيد بينس عن أول رحلة له إلى الشرق الأوسط، فقد كان يأمل في البداية أن يلفت الانتباه إلى الاضطهاد الذي يواجهه المسيحيون في المنطقة، بالإضافة إلى دفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو السلام.
لكن الأمور لم تسر كما كان مخططاً لها.
اختتم السيد بينس الرحلة إلى إسرائيل ومصر والأردن بعد أن واجه الرفض من كبار الزعماء المسيحيين في تلك الدول، احتجاجاً على قرار الرئيس ترامب الذي أعلنه الشهر الماضي بالانقلاب على عقود من السياسة الأميركية -والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ما يزال من غير الواضح كيف يعتقد السيد ترامب أنه عزز قضية السلام، أو حصَّن مكانة أميركا في العالم، باتخاذ مثل هذا القرار. ومن ناحية أخرى، كانت تكاليف قراره المتمثلة في زيادة العزلة الأميركية واضحة خلال الرحلة. كما أن السيد بينس لم يجتمع مع الزعيم الفلسطيني محمود عباس، الذي توجه بدلاً من ذلك إلى بروكسل ليطلب من القادة الأوروبيين الحماية من قرارات الرئيس ترامب السيئة. ولم يجلس السيد بينس أيضاً مع القادة الفلسطينيين الآخرين، أو أي مواطنين من العرب-الإسرائيليين، أو أي أعضاء من المعارضة الإسرائيلية.
خلال توقفات السيد بينس في عمان والقاهرة، انتقد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قرار القدس (على الرغم من أن تسريبات سرية نقلتها صحيفة التايمز تشير إلى أن المصريين وافقوا على اختيار السيد ترامب).
ثمة مكان واحد أصاب فيه السيد بينس وتراً متحمساً، هو البرلمان في إسرائيل؛ حيث توجد حكومة متشددة معادية إلى حد كبير لحل يقوم على مبدأ الدولتين. وهناك، قاطعه أعضاء البرلمان بنوبات الوقوف والتصفيق الطويلة. وجاء خطابه مليئاً بالإحالات التوراتية المتعلقة بالعلاقات اليهودية مع الأرض المقدسة. وأشار إلى وعد الله لليهود: “فَمِنْ هُنَاكَ يَجْمَعُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَأْخُذُكَ، وَيَأْتِي بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي امْتَلَكَهَا آبَاؤُكَ فَتَمْتَلِكُهَا”، وإلى “صلة الشعب اليهودي التي لا تنفصم ” بالقدس.
بل إن الأكثر إثارة للدهشة هو ما لم يقله السيد بينس. فقد اختار في الغالب تجاهل تاريخ الإسرائيليين المشترك مع الفلسطينيين، معيداً فقط تأكيد تأييد حل على أساس الدولتين “إذا اتفق كلا الجانبين”. كما أعلن السيد بنس، الذي كان قد حث الرئيس ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن السفارة الأميركية في إسرائيل سوف تُنقَل من تل أبيب إلى القدس بحلول نهاية العام 2019، أي أقرب من الموعد المتوقع.
كما لعب بطاقاته السياسية والدينية بدعوة مستوطني الضفة الغربية ليكونوا ضيوفه في هذا الحدث. ولم يكن من الممكن أن يكون التباين أكثر وضوحاً مما كان لدى أعضاء البرلمان من الإسرائيليين العرب، الذين حملوا لافتات تقول “القدس عاصمة فلسطين”. وقد تم إبعادهم بالقوة عن طريق الأمن عندما بدأ السيد بينس حديثه.
بالنسبة للإسرائيليين، كان الخطاب، كما كتب تشيمي شاليف، كاتب العمود في صحيفة هآرتس “خطاباً طناناً من الاعتراف والإشادة بالمؤسسة الصهيونية بأقصى ما يمكن أن يتمناه المرء”، ودليلاً على أن لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس دونالد ترامب “التقاء غير مسبوق للعقول”. لكنه شكل بالنسبة للفلسطينيين “صفعة على الوجهة”.
صفعة أخرى على الوجه أيضاً. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب يصر على أنه يريد اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني، فإنه اختار، على النقيض من أسلافه، انتزاع أهليته الخاصة كوسيط نزيه. وقد أضعف الفلسطينيين من خلال خفض ملايين الدولارات من المساعدات لمشاريع الصحة والتعليم للاجئين الفلسطينيين، ثم أثار توترات جديدة بإعلان قراره أحادي الجانب بشأن القدس. وفي الوقت نفسه، تبدو الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي كانت شريكة وثيقة في عملية السلام، آخذة في الاتساع. وهذه الانقسامات لا تؤدي سوى إلى جعل تحقيق نتائج جيدة أكثر صعوبة فحسب.
لقد أرضت رحلة السيد بينس، وخاصة كلمته التي ألقاها في البرلمان الإسرائيلي، المسيحيين الإنجيليين الأميركيين والمتشددين الإسرائيليين الذين يحلُمون بإقامة “إسرائيل الكبرى”. وربما يساعد هذا النوع من الدعم الرئيس ترامب والسيد بينس في مسألة انتخابهما في الوطن. ومع ذلك، وإذا كانا يريدان التقدم بالسلام الإسرائيلي-الفلسطيني حقاً، فإن عليهما أن يجدا القبول لدى الفلسطينيين والمسيحيين الذين يرفضونهما الآن.
*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان:
Mike Pence’s Self-Serving Trip to the Holy Land
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 31/1/2018