نيويورك تايمز – خروج أمريكا من سوريا سيطيل الحرب ! تعرف إلى السيناريو المحتمل
بقلم : جاًنين دي جيوفاني، نيويورك تايمز 6/4/2018
بدأت جانين دي جيوفاني المؤلفة والمراسلة الصحافية مقالها المنشور في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأن قبل بضعة أسابيع، جاء صديقها السوري قاسم عيد إلى فصلها في جامعة كولومبيا ليتحدث مع طلابها حول الأوضاع والتطورات في ما يخص الحرب السورية، قاسم يقطن في المعضمية، إحدى ضواحي دمشق التي قصفت. في صباح أحد أيام أغسطس (آب) عام 2013، استيقظ قاسم باكرًا لأداء صلاة الفجر، وبينما كان يحاول العودة إلى النوم، سمع صفارات الإنذار الجوية، وكانوا يتعرضون لهجوم كيميائي.
عاش قاسم أحداث ذلك اليوم المروع، وكتب عن الهجوم في مقال نشر له في صحيفة التايمز، وكذلك أورد في مقاله قراره بأنه أصبح مقاتلًا ضد نظام بشار الأسد، خمس سنوات أخرى من الحرب تركت قاسم في حالة من الإحباط والإرهاق،كانت كلماته في صف جيوفاني قاسية وغاضبة، وهي كلمات شخص تعرض بلده للدمار خلال سبع سنوات من الصراع.
ما أدهش طلاب جيوفاني هو دعم قاسم الحماسي لقرارات الرئيس ترامب السابقة في سوريا، وأثنى على غاراته الجوية في عام 2017، والتي لم يسبق للرئيس أوباما أن نظمها، والتي تعد انتقامًا بعد الهجوم الكيميائي الذي قام به الأسد على خان شيخون، والذي أودى بحياة أكثر من 70 شخصًا.
حادثت جيوفاني قاسم يوم الجمعة التالي عبر الهاتف؛ لمعرفة رأيه حول قرار الرئيس ترامب، الذي أعلن هذا الأسبوع سحب القوات الأمريكية من سوريا، على الرغم من أن البنتاجون وغيره يحذرونه من الإقدام على هذه الخطوة؛ مما سيخلق فراغًا لإيران وروسيا في سوريا، وكلا الطرفين من رعاة الأسد، كان قاسم مستاءً ولكن ليس مندهشًا، إذ قال مشيرًا إلى هجمات الغوطة الشرقية التي وقعت الشهر الماضي: «لقد انتابني شعور بالحزن لمشاهدتي كيف أحدث الأسد مجزرة قتل فيها ألفي شخص خلال أسبوعين». ويضيف: «كان هناك المزيد من الهجمات الكيميائية، والمزيد من الفظائع، والمزيد من النازحين ولم يتحرك أحد».
يرسل ترامب رسالة واضحة إلى الأسد: طالما أننا نستطيع المطالبة بانتصارنا على الدولة الإسلامية، فإننا لا نهتم بما تقوم به، أو ما تفعله روسيا أو إيران، ولقد تم استلام الرسالة بالفعل. في الواقع إن المسؤولين العسكريين الإيرانيين يشترون العقارات في بعض المناطق من دمشق باستخدام رجال الأعمال السوريين؛ مما سيحولها إلى إدارة إيرانية صغيرة داخل سوريا. إن حلمهم في «جسر بري» إيراني يسمح لهم بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط لم يتحقق بعد، ولكن تأثيرهم سيزداد بالتأكيد، كما هو الحال في العراق المجاور.
أما بالنسبة للروس، فإن انسحاب القوات الأمريكية يعد نصرًا هائلًا، فبدونهم لربما تصل الحرب إلى نهاية أسرع وأكثر وحشية، فوز الأسد ورعاته ما هو إلا إثبات أن موسكو لديها قدرة التحمل للبقاء في صراع حتى النهاية، في هذا الأسبوع عندما خطط ترامب لسحب قواته، التقى رؤساء إيران وتركيا وروسيا لتقرير مصير سوريا، ولم يكن الأسد موجودًا.
في الواقع إن القوات الأمريكية البالغ عددها ألفا جندي لم تحدث فرقًا كبيرًا في مشهد الحرب من حيث المساعدات الإنسانية، وذلك لأن الولايات المتحدة لم يكن لديها أبدًا مصلحة في حماية الشعب السوري، لم تنتشر القوات بطريقة تضمن توصيل الطعام أو الدواء، أو فتح المدن المحاصرة، لكن الإشارة التي يرسلها الانسحاب المفاجئ إلى الشعب السوري، وخاصة الأكراد السوريين، وبقية العالم ستكون مدمرة.
تقول جيوفاني على لسان قاسم إن العيش في ظل ديكتاتورية الأسد مدة 40 سنة، علمته الأيديولوجية الوطنية، وأن أمريكا هي من تلعب دور الشيطان، ويشرح الأمر: «لقد تعلمنا أن أمريكا هي العدو ،ثم توصلنا إلى أن هذا محض دعاية، لكن بعد سبع سنوات من الفظائع ما زال أصدقائي وشعبي في الشرق الأوسط يصدقون مرة أخرى أن أمريكا هي العدو». ويرى السبب في هذا: «أنهم يرون أن الروس يقصفوننا بشدة وأن الولايات المتحدة لا تفعل شيئًا حيال ذلك، وفي الوقت الذي سحب ترامب قواته كان من الممكن فيه ضمه حليفًا لنا».
لا يهتم ترامب بهذه الأمور، فمقياسه الوحيد للنجاح هو هزيمة داعش، على الرغم من أن الغالبية العظمى من المدنيين السوريين قد قتلوا على يد قوات الأسد، لكن أي ادعاء بالفوز على داعش فإنه سابق لأوانه وساذج. وكما يشير قاسم، فإن بذور الإصدار الجديد لداعش «داعش 2.0» مزروعة بالفعل في الآلاف من الغاضبين الذين فقدوا عائلاتهم ومنازلهم، قال قاسم: «عندما يكون هناك مليون قتيل، وعندما يفقد معظمهم كل شيء، ستذكرنا داعش بأنهم قد قالوا لنا إن هذا سوف يحدث».
لقد قال ترامب إنه مع رحيل أمريكا، يجب على الحلفاء الإقليميين أن يتحملوا الركود القادم، وخاصة إسرائيل والسعودية، لكن هذا يمكن أن يجعل الأمور أسوأ وأكثر تعقيدًا، لدى إسرائيل علاقة طويلة ومعقدة مع سوريا، وقد أظهرت القليل من الاستعداد للمشاركة بشكل أكبر في الحرب، وربما يكون ترامب قد نسي أن المملكة العربية السعودية هي مسقط رأس الفرع الوهابي الإسلامي المتشدد، الذي ألهم الجهاديين في جميع أنحاء العالم، ويمكنه أن يعجل بقيام دولة إسلامية، كان هناك أمل على الأقل في التوصل إلى حل سلمي للحرب طالما كان لدى أمريكا قوات في سوريا.
تختتم جيوفاني بأن قاسم يسمع كثيرًا عن اقتراب ظهور المهدي المنتظر لتحقيق العدالة، والذي يعتقد الكثير من المسلمين أنه سيأتي قبل يوم القيامة، وهذا لأن المنطقة غارقة في الفوضى؛ مما يعتبر شرطًا مسبقًا لقدومه.