ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز – توماس فريدمان يكتب – ما بعد الإغلاق .. هل يجازف الأميركيون بأرواحهم؟

بقلم توماس فريدمان – نيويورك تايمز 23/42020

«حرروا مينيسوتا!»، «حرروا ميشيغن!»، «حرروا فرجينيا!»

بهذه التغريدات القصيرة حاول الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي إطلاق مرحلة ما بعد الإغلاق من أزمة فيروس كورونا في أميركا. مرحلة يجدر بنا أن نسميها «المجازفة الأميركية: نسخة كوفيدـ 19».

ما كان يقوله ترامب من خلال هذه الكلمات هو: اسمعوا جميعاً، عودوا إلى أعمالكم. فمن الآن فصاعداً، سيجازف كل واحد منا بشكل فردي، وسيجازف مجتمعنا بشكل جماعي. سنراهن على المضي قدماً في حيواتنا اليومية – العمل، التسوق، المدرسة، السفر – من دون أن نصاب بفيروس كورونا. وإذا أصبنا، فإننا سنراهن أيضاً على أنه لن يقتلنا.

وبشكل أكثر تحديداً: إننا سنراهن، كمجتمع، على أنه بينما تكف أعداد كبيرة من الناس عن ملازمة بيوتها، فإن عدد الأشخاص الذين سيصابون بكوفيدـ 19 ويحتاجون علاجاً في المستشفى سيكون أقل من عدد أسرّة المستشفى، ووحدات الرعاية المركزة، وأجهزة التنفس، والأطباء، والممرضين، ومعدات الحماية الطبية اللازمة من أجل الاعتناء بهم.

ولأنه من الواضح أن ملايين الأميركيين سيكفون عن البقاء في منازلهم –– فرئيسهم يحثهم الآن على تحرير أنفسهم – قبل أن يصبح لدينا نظام الاختبارات والتتبع والتعقب المناسب. وإلى أن يصبح لدينا لقاح، فإن هذا النوع من النظام هو الطريق الوحيد لخفض خطر الإصابة بشكل دراماتيكي بالتوازي مع فتح المجتمع تدريجيا – وبالتوازي أيضاً مع حماية المسنين والعجزة – مثلما أظهرت ألمانيا.

كأفراد، سيجازف الجميع بأرواحهم في كل دقيقة من كل يوم: هل أستقل هذه الحافلة المكتظة من أجل الذهاب إلى العمل أم لا؟ ماذا لو صعدت إلى قطار الأنفاق هذا وكان الشخص الذي إلى جانبي لا يرتدي قفازات وكمامة؟ وماذا لو عطس؟ وهل أدخل المصعد في مكان عملي إذا كان فيه شخص آخر؟ وهل أدخل إلى غرفة الطعام في مكان عملي أم لا؟ وهل أتوقف من أجل مشروب في هذه المقهى، حيث الطاولات متباعدة بمسافة المترين الموصى بها، أم تلك المقهى المكتظة التي اختارها أصدقائي؟ وهل أستخدم هذا الحمام أم حنفية الشرب تلك؟ وهل أعيد أطفالي إلى المدرسة أم لا؟ وهل أقيم في فندق؟ وهل أستقل طائرة؟ وهل أسمح للسبّاك بدخول منزلي؟ وهل أذهب إلى عيادة الطبيب من أجل فحص ذاك الورم الغريب في جسمي أم لا؟

الأمر القاسي جداً بخصوص هذه النسخة الأميركية من المجازفة هو مدى الظلم والإجحاف الذي تنطوي عليه. ذلك أن بعض الأشخاص لن يكون لديهم خيار آخر غير ركوب قطار الأنفاق أو الحافلة من أجل الذهاب إلى العمل. وبعض الأشخاص سيضطرون لإعادة أطفالهم إلى المدرسة لأنهم لا يستطيعون تحمل كلفة البقاء في البيت والتغيب عن العمل. بعض المدراء سيطالبون موظفيهم بالحضور من أجل إعادة فتح أماكن عملهم، ولكن بعض أولئك الموظفين قد يكونون خائفين من العودة. فهل تطردهم؟ وهل يرفعون دعوى قضائية عليك إذا فعلت، أم يذهبون إلى تويتر وينشرون صورة تُظهر عدم احترامك لمسافة الأمان التي ينبغي أن تكون بين موظف وآخر في العمل — مترين؟

هذا هو الحال عندما يكون لديك رئيس يقوم مرة بإصدار بعض الإرشادات والتوجيهات على نحو مسؤول بخصوص متى وكيف ينبغي للناس العودة إلى العمل، ومرة يقول للولايات إنها مسؤولة عن توفير وحدات الاختبارات والتتبع والتعقب التي نحتاجها، ومرة يحرّض الناس على تويتر على «تحرير» أماكن عملهم ومدنهم وشواطئهم – رغم أن أياً من الشروط متوفرة من أجل القيام بذلك بشكل آمن.

«حرروا»؟ تأمل استخدام هذه الكلمة. إننا لسنا في سجن! ولم نكن نفعل شيئاً غير لائق! بل كنا نفعل ما طلب منا رئيسنا وحاكمنا وعمدتنا وخبراؤنا الوطنيون في علم الأوبئة فعله: التصرف على نحو مسؤول والبقاء في البيت من أجل كسر سلسلة انتقال الفيروس.

كان ترامب يحاول التملق لقاعدته عبر التلميح إلى أن الحكام «الديمقراطيين»، الذين كانوا يتبعون توجيهاته الوطنية، كانوا يحبسون الناس على نحو ظالم، ويحرمونهم من أرزاقهم.

وفي هذه المجازفة أدرك ثلاثة أشياء: أولاً، هذا هو الرهان الذي يحثك ترامب على القيام به في تغريداته الأخيرة حول «التحرير».

ثانياً، هذا الرهان ستكون له تداعيات غير عادلة وغير متساوية على مجتمعنا دون عمليات اختبار وتتبع كافية.

وثالثاً، إذا كان هذا هو المستقبل، فعلى كل تجارة ومطعم وفندق ومسرح ومنشأة رياضية ومصنع ومنظمة غير ربحية ومكتب حكومي أن يسأل نفسه: كيف سيكون مظهر مؤسستي عندما سيكون الأشخاص المسؤولون الذين يأتون إلى بابي، في أحسن الأيام، يرتدون كمامات وقفازات ويتركون مسافات أمان بينهم ويقبلون بأن تقاس حرارتهم قبل أن يدخلوا، والأشخاص غير المسؤولين لا يفعلون ذلك؟ كيف أتعامل مع هذا الوضع؟ ومن هم الأشخاص الذين سأخدمهم؟ وما نوع الأعمال الذي سيكون لدي حقا؟ لأن ذلك سيكون اقتصادنا إلى أن يصبح لدينا لقاح أو نطوّر مناعة القطيع.

وأقول للمواطنين الأميركيين: إن رئيسكم يقول لكم إن عليكم اتخاذ هذه القرارات بمفردكم. فإذا نجحت هذه الاستراتيجية، فكن على يقين بأنه سينسب الفضل في ذلك إلى نفسه. أما إذا لم تنجح، فيمكنك أن تكون متأكداً أيضاً أنه سيبعث تغريدة على تويتر يقول فيها إن الفكرة كانت فكرة «أنتوني فاوتشي» خبير الأمراض المعدية ضمن فريق البيت الأبيض لمواجهة فيروس كورونا.

*كاتب وصحافي أميركي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى