نيويورك تايمز – بنيامين نتنياهو الذي لا يقهر

نيويورك تايمز – أنشيل بفيفر* – 7/12/2018
كان يجب أن تكون هذه نهاية مسيرة بنيامين نتنياهو المهنية. فقد هبطت حصة ائتلافه من عدد المقاعد في الكنيست إلى الحد الأدنى اللازم للاحتفاظ بالسلطة؛ ووزراؤه في حالة حرب مع بعضهم بعضا ومعه؛ وبشكل لافت للانتباه، أوصت الشرطة باتهامه بتهم فساد خطيرة ثلاث مرات منفصلة، آخرها في 2 كانون الأول (ديسمبر).
ولكن، على الرغم من كل هذا، تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو في طريقه إلى الفوز في انتخابات خامسة في العام المقبل بحيث يتجاوز دافيد بن غوريون؛ الأب المؤسس لإسرائيل، كأطول الزعماء خدمة في المنصب في البلد. وفي هذه الأثناء، أصبحت لديه قوة أكبر من أي وقت مضى. فعندما استقال أفيغدور ليبرمان في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) احتجاجاً على اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم مع حماس في غزة، تولى السيد نتنياهو دور وزير الدفاع، مضيفاً هذا المنصب إلى منصبيه كرئيس وزراء ووزير خارجية. (كما أنه يحتفظ أيضاً بحقائب بضع وزارات أخرى أقل إثارة للاهتمام). ويبدو أنه لا ينوي إعادة توزيع هذه الأدوار السياسية في المستقبل القريب.
يتذمر أعضاء مجلس الوزراء المتبقين، في الأحاديث الخاصة، من أن “بيبي يسرق العرض”، ويلمحون إلى أن توقيت آخر عملية عسكرية إسرائيلية ضد أنفاق حزب الله -وخاصة الإحاطات الإعلامية التي يقدمها وزير الدفاع الجديد في وقت الذروة- قد تكون لها بعض الصلة برغبة السيد نتنياهو في تحويل الانتباه عن المكتشفات الأخيرة للشرطة. لكنهم جميعاً يعترفون بأنهم، بعد الانتخابات المقبلة، سيظلون يخدمون تحت قيادته.
العملية القانونية لن تقتل السيد نتنياهو. وفي حين تبدو توصيات الشرطة منطوية على إمكانية إلحاق الضرر -وهي كذلك- فإنها تظل بلا معنى من الناحية القانونية. وما يزال يترتب على المدعي العام أن يصدر لائحة الاتهام، وهي عملية قد تستغرق سنة أخرى على الأقل. وحتى في ذلك الحين، لا يوجد إلزام واضح للسيد نتنياهو بالاستقالة من منصبه، حتى أثناء المحاكمة. وهو لن يفعل ذلك على الأرجح. لكن السبب في ذلك هو السياسة وليس القانون.
يجب أن لا تكون الحتمية الظاهرية لاستمرار حكم السيد نتنياهو المستمر مفاجئة. فاستبدال رئيس الوزراء في إسرائيل ليس صعباً. وكل ما يتطلبه الأمر هو أن تصوِّت أغلبية من أعضاء الكنيست لواحد آخر من زملائهم، وسيتعين على نتنياهو أن يغادر منصبه. وهو ليس محصناً من الملاحقة القضائية. وفي العقد الماضي، أرسلت المحاكم الإسرائيلية كلا من رئيس وزراء (إيهود أولمرت بتهمة الرشوة) ورئيس دولة (موشيه كاتساف بتهمة الاغتصاب) إلى السجن. وفي العام 2008، أُجبر السيد أولميرت على ترك منصبه في مرحلة مبكرة نسبياً من التحقيق الجنائي في قضيته، عندما رفض أعضاء ائتلافه العمل تحت رئاسة رئيس وزراء متهم بتلقي الرشاوى.
ما الذي يجعل بنيامين نتنياهو مختلفاً؟
بعد ما يقرب من عقد من الزمان الذي قضاه في السلطة، قدم نتنياهو ما لم يكن يبدو في السابق ممكناً على الإطلاق: فترة من النمو الاقتصادي المستدام، بما في ذلك، ولأول مرة، تحصيل تصنيف ائتماني دولي؛ وعلاقات دولية من تصنيف ألف-ألف؛ وروابط مزدهرة مع عدد من الدول حول العالم (وداخل الكواليس، إبرام تحالفات جديدة مع حكومات عربية)؛ وبالمقاييس الإسرائيلية: الأمن. لم تنفجر انتفاضة ثالثة في عهدته. ووجدت إسرائيل نفسها وهي تقاتل على الأرض في غزة لمرة واحدة فقط، لمدة 50 يوماً في صيف العام 2014. ولم تخرج حرب الظل القائمة مع إيران في سورية على نطاق السيطرة.
لكن الإنجاز الأكثر إدهاشاً بالنسبة للعديد من الإسرائيليين هو أن نتنياهو تمكن من القيام بكل ذلك من دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. وبالنسبة لليمين الإسرائيلي، يجعله هذا زعيماً لا بديل له. وقد وقف أمام الضغوط الدولية خلال فترة إدارة أوباما، ولوقت طويل بما فيه الكفاية لجعل القضية الفلسطينية تهبط إلى أسفل جدول الأعمال العالمي. ومع وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض وانشغال القادة الأوروبيين والعرب بمشاكلهم الخاصة، اختفى ذلك الضغط الآن. وكان هناك وقت ليس ببعيد، بدءاً من العام 1992 مع صعود إسحق رابين، عندما بدا أن اليسار الإسرائيلي يربح الجدال: كان تحقيق حل قائم على مبدأ الدولتين ضرورياً. وإنما ليس بعد الآن.
بغض النظر عن مدى إحباطهم وغضبهم من السيد نتنياهو، فإنها لا توجد شخصيات في معسكر اليمين تريد أن تتحدى علانية أكثر القادة الوطنيين نجاحاً في تاريخ إسرائيل. ولا أحد على استعداد للمخاطرة بمواجهة اتهامات بفتح الطريق أمام عودة اليسار الانهزامي بأفكاره الخطيرة المتمثلة في التنازل عن الأرض. ويتحدث رؤساء الوزراء الطموحون في الليكود والأحزاب اليمينية التي تدور في فلكه عن بذل محاولة، وإنما “فقط بعد نتنياهو”.
هذا الصعود السياسي والأيديولوجي يمنح السيد نتنياهو حصانة مؤقتة على الأقل -سياسية، ولو أنها ليست قانونية بالضرورة. وقد اضطر السيد أولمرت إلى الاستقالة عندما وُجهت إليه تهمة الرشوة فقط لأنه كان قد ضعيفاً مسبقاً ومنزوع الثقة كرئيس للوزراء. لكن مسار العدالة كان بطيئاً. وقد استغرق الأمر سبع سنوات ونصف السنة منذ استقالته وحتى دخوله السجن بالفعل. وقد يكون هناك مصير مماثل للسيد نتنياهو، ولكن بعد سنوات طويلة من الآن. وطالما أنه يرضي قاعدته السياسية وتخفق المعارضة في التوصل إلى سرد أفضل لاستبداله، فسوف يتمكن من مواصلة خوض المعارك القانونية من مكتبه وفي منصبه.
*هو صحفي مقيم في إسرائيل. مؤلف كتاب “بيبي: الحياة والأوقات المضطربة لبنيامين نتنياهو”.