ترجمات أجنبية

” نيويورك تايمز”: السلطة الفلسطينية يتيمة ومهمشة بسبب انسداد الافق السياسي واستمرار الاستيطان والتحولات العربية والعجز المالي


 نقلا صحيفة “نيويورك تايمز” 8/3/2012

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم الخميس تحقيقاً عن الاوضاع الصعبة التي تواجهها السلطة الفلسطينية حالياً على الصعد المالية والامنية والسياسية في ظل تداعيات التحولات في العالم العربي وتوغلات الجيش الاسرائيلي في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وانسداد آفاق التسوية السلمية بين الفلسطينيين واسرائيل. وفي ما يأتي نص التحقيق الذي كتبه مراسل الصحيفة ايثان برونر: “خلال الأربعة عشر شهرا التي انتشرت فيها الثورات في الشرق الاوسط، وتصاعد التوتر حول البرنامج النووي الإيراني، وجدت القيادة الفلسطينية نفسها في حالة من اليتم. وتعرضت السلطة الفلسطينية المقسمة سياسياً للتهميش بسبب انقساماتها السياسية وانهيار مفاوضاتها السلمية مع اسرائيل، وانكماش الدعم الخارجي، وهي حائرة وقلقة من أن شعبها قد يعود إلى العنف.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في مقابلة: “التحدي الأكبر الذي نواجهه- عدا عن الاحتلال- هو التهميش. وهذا نتيجة مباشرة للربيع العربي الذي جعل الناس منشغلين بشؤونهم المحلية. الولايات المتحدة في عام انتخابي ولديها مشكلاتها الاقتصادية، ولأوروبا متاعبها. ونحن في الزاوية”.

وتولى الحكم في البلدان المجاورة حكام مستبدون طيلة عقود كان فيها الفلسطينيون في قلب السياسات الشرق اوسطية، وكان الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي يجسد تطلع العرب للكرامة والحرية في مرحلة ما بعد الاستعمار. وجاءت إدارة اوباما إلى الحكم لتؤكد ان قيام دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة هو الوسيلة لإحداث تقدم في المنطقة.

ولكن عندما زار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن هذا الأسبوع كان الموضوع الإيراني هو المسيطر على محادثاته هناك، وليس محادثات السلام ولا الاحتلال.

وفي المنطقة زاد الربيع العربي من الاهتمام العام بالقضية الفلسطينية، ومكن المصريين وغيرهم من التعبير عن مشاعرهم المناوئة لاسرائيل. لكن ذلك جعل الأمور أصعب على منظمة التحرير الفلسطينية التي تفاوضت مع اسرائيل. وانتقل التعاطف الشعبي إلى الإسلاميين في “حماس”. وهؤلاء أيضا لديهم صعوبات خاصة بهم، فقد غادروا مقراتهم السياسية في دمشق، وتقلصت المساعدة التي كانوا يتلقونها من إيران، ويعانون من انقسامات متزايدة.

والنتيجة هي التشظي المستمر في الحركة الفلسطينية، وخسارة لمؤيدي قيام الدولة، وشلل بالنسبة الى هؤلاء الذين يريدون إقامة دولة بجانب اسرائيل. وقبل ستة شهور فقط كانت هناك لحظة تفاؤل عندما قدمت السلطة الفلسطينية طلبا للأمم المتحدة للاعتراف بهذه الدولة، ولاحقا عندما أنجزت “حماس” اتفاقا للإفراج عن المئات من الأسرى مقابل إطلاق سراح الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليط.

إلا ان زخم التحرك نحو حل الدولتين تلاشى الآن، والمبادرة في الأمم المتحدة متوقفة، ولم تظهر بدائل قابلة للتطبيق، وتحول الاهتمام إلى صراعات أخرى.

وقال زكريا القاق وهو خبير فلسطيني في الأمن القومي إنه انضم اخيراً إلى عشرات من الباحثين الأجانب في إلقاء سلسلة من المحاضرت في مجال اختصاصه بالولايات المتحدة. ولم يتطرق أي منهم إلى القضية الفلسطينية.

واضاف: “لا أرى فلسطين على أجندة الولايات المتحدة أو اسرائيل. بل هي على الرف. وليس لدى الفلسطينيين القدرة على فرض أنفسهم على العالم ولا يستطيعون تعبئة شعبهم. والعالم العربي مشغول. والفلسطنيون تحولوا إلى عنصر ثانوي”.

ويبدو الرئيس محمود عباس، المعروف بتردده في اتخاذ القرارات، حائرا جدا حول كيفية التحرك. وظل هو ومساعدوه يعملون طيلة أسابيع على صياغة رسالة من عدة صفحات إلى رئيس الوزراء نتنياهو، شارحين كل الأسباب التي تجعلهم يعتقدون أن اسرائيل تقف في طريق تقدم عملية السلام.

وهو يعتزم تقديم نسخة من الرسالة للزعماء الأوروبيين والأميركيين أيضا، موضحا السبب في أنه يعتقد أن عليه التخلي عن المسار الاسرائيلي وإعادة تقييم العلاقة مع اسرائيل. وفي الوقت الذي تعاطف فيه الدبلوماسيون مع شعوره بالإحباط بسبب رفض اسرائيل وقف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فهم يرون أن أبو مازن يشعر بعدم قدرته سياسيا على تقديم تنازلات لاسرائيل في هذا الوقت من الاضطرابات.

وقال دبلوماسي غربي شريطة عدم ذكر اسمه: “الثمن السياسي الذي يدفعه أبو مازن لوجوده في المفاوضات مع نتنياهو باهظ جدا الآن. الناس في هذه المنطقة يعتقدون أنك إما ان تحتج أو يحتج الآخرون عليك. وقرر أن من الافضل ان يحتج هو”.

والمشكلة، على أي حال، ليست فلسطينية فقط. فحكومة نتنياهو ومؤيدوها يقولون إن الاضطرابات في المنطقة تجعل من الأصعب عليهم أن يتنازلوا عن أراض.

وقال دوري غولد مدير مركز القدس للشؤون العامة، الذي كان مستشارا لنتنياهو لفترة طويلة: “الاسرائيليون قلقون دائما من أنهم إذا قدموا تنازلات في عملية السلام، فما الذي سيحدث إذا أطيح بالانظمة التي يوقعون الاتفاقيات معها؟”.

واضاف :”كانت اسرائيل حذرة جدا وقد تعززت مخاوفها الأمنية. فهل ستظل السلطة الفلسطينية بعد عام هي نفسها السلطة الفلسطينية الحالية؟ عندما يأتي الدبلوماسيون الاوروبيون إلى اسرائيل ويطالبونها بتنازلات إقليمية، فهذا يشبه مطالبتنا بوضع خيمة وسط الإعصار”.

ويجادل آخرون بأن الإحباط الفلسطيني يزيد من إمكانية حدوث انفجار في الضفة الغربية. وقد تصاعدت حوادث الرشق بالحجارة والمواجهات مع القوات الاسرائيلية خلال الشهور الماضية.

وقالت حنان عشراوي، العضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في مقابلة: “لا نريد أن نكون موظفين لدى الاحتلال. اسرائيل حملت السلطة الفلسطينية مسؤولة لكنها من دون صلاحية. وفي الوقت نفسهه فقد جعلت اسرائيل المجتمع الدولي يدفع الفاتورة. إنه احتلال سهل بالنسبة اليها”.

وأدى انسداد المسار الاسرائيلي الى دفع عباس نحو المصالحة مع “حماس”. لكن هذه المصالحة تعثرت أيضا. والخطة التي أعلن عنها في احتفال بهيج في أيار (مايو) الماضي لتشكيل حكومة وحدة تعد الفلسطينيين للانتخابات وصلت الى حالة جمود، ويعود السبب بشكل رئيسي إلى الاختلافات بشانها داخل حركة “حماس”.

وقد وافق خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” الذي كان مقره في سوريا على تولي عباس منصب رئاسة الوزراء في الحكومة الموقتة. لكن زملاءه في غزة عارضوا الطريقة التي تفاوض بها من دون استشارتهم. وهناك خلافات بينهم وداخل الجناح العسكري لحركة “حماس”. ولا يعتقد كثير من الفلسطينيين إن الانتخابات قريبة، ويرى العديد منهم إنها بعيدة جدا.

وفي غضون ذلك، ساهمت الاحداث الملفتة في العالم العربي والمناورات الاسرائيلية في ازمة مالية متردية تعاني منها السلطة الفلسطينية حتى بينما يبني القطاع الخاص هنا بنية تحتية عصرية، موجداً طبقة رجال اعمال صغيرة ولكنها مثيرة للاعجاب.

وقد تباطأ النمو الاقتصادي للضفة الغربية والذي بلغ من 2008 الى 2010 معدلاً نسبته 10 في المائة الى 7،5 في المائة في 2011 فيما بقيت نسبة البطالة 17 في المائة، حسب ما قاله اسامة كنعان من صندوق النقد الدولي. ولم تقدم الدول العربية في السنة الماضية سوى 340 مليون دولار للسلطة الفلسطينية، ما ترك لها 200 مليون دولار اقل من المتوقع.

ولا تستطيع السلطة سداد ديونها للشركات الخاصة وصندوق التقاعد العام، ما خلف لديها دفعات متخلفة .

مجموعها 500 مليون دولار، بالاضافة الى ديونها البالغة 1،1 مليار دولار للمصارف الخاصة.

واما الاتفاقات بين وزيري المال الفلسطيني والاسرائيلي لتحسين جمع العائدات الفلسطينية فلم تنفذ من جانب الحكومة الاسرائيلية. وقال رئيس الوزراء فياض انه ما لم تنفذ تلك الاجراءات، فقد لا يحضر مؤتمراً للمانحين من المقرر عقده في بروكسل هذا الشهر.

وفي الوقت نفسه، صعدت القوات الاسرائيلية غاراتها الليلية علىمدن الضفة الغربية، واغلقت في الآونة الاخيرة محطتي تلفزيون وزادت في تعميق شعور بالعقم.

وقال فياض: “نحتاج الى الاهتمام باوضاعنا المالية، وأمننا والعنف من الجيش الاسرائيلي. ما يفعله الجيش (الاسرائيلي) مغلوط وخطير في آن معاً. انه يجعلنا نبدو مثل سلطة ضعيفة. انهم لا يعرفون متى سيحصل حادث يتجاوز الحد ومتى ستخرج الامور، ببساطة، عن نطاق السيطرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى