ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز – إيران والولايات المتحدة : منذورتان لعداء أبدي؟

نيويورك تايمز – كارول جياكومو* – 20/1/2018

يريد الرئيس ترامب والمستشارون المتشددون في إدارته عزل الحكومة وتقويضها في طهران. لكن الانخراط مع إيران هو الخيار الأفضل.

***

ينتمي جون ليمبرت إلى نادٍ خاص وحصري -الدبلوماسيين الأميركيين الـ52 الذين احتجزتهم إيران كرهائن لمدة 444 يوماً خلال الثورة الإسلامية في العام 1979. ومنذ تلك الأزمة، التي سيمضي على حدوثها 40 عاماً في الشهر المقبل، انخرط البلدان في عداوة مريرة، والتي ازدادت سوءاً فحسب في عهد الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب.

في وقت سابق من هذا الشهر، شدد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، اللهجة الخطابية عندما حث العالم على عزل إيران ووعد “بطرد كل وآخر عسكري إيراني” من سورية. ويبدو أن العداء بين الولايات المتحدة وإيران بات مريراً جداً إلى حد يدفع المرء إلى التساؤل عما إذا كانا ستظلان عدوتين هكذا إلى الأبد.

يقول السيد ليمبرت في مقابلة أجريت معه: “لقد فكرت في هذه المسألة كثيراً”. وفي سنه البالغ خمسة وسبعين عاماً الآن، ما يزال ليمبرت مغرماً بإيران وملتزماً بمساعدة الأميركيين على فهم ذلك البلد، لكنه يجد أن الديناميكية الثنائية بين البلدين أصبحت الآن أكثر خطورة من أي وقت مضى. ويقول، واضعاً معياراً منخفضاً لإمكانية التفاهم -ولو أنه واقعي إلى حد مأسوي: “أعتقد أن أفضل ما يمكننا أن نأمله الآن هو عدم الدخول في حرب”.

من الناحية النظرية، لا يوجد بلد إسلامي في وضع أفضل من إيران للعب دور رائد في الشرق الأوسط، بسبب موقعها، وثروتها وتطور شعبها. لكن تلك الإمكانية أضعِفت بسبب استمرار تدخل إيران في سورية واليمن والعراق ولبنان، وكراهية شديدة للولايات المتحدة، والتي أصبحت متبادلة وبلغت حد الهوس.

يتحمل كلا الجانبين اللوم عن ذلك، حيث يشتبك القادة المتشددون في البلدين مع بعضهم البعض في صراع لإرضاء ناخبيهم والحفاظ على السلطة. ويشكل الوصف القاسي للولايات المتحدة، “الشيطان الأكبر”، عنصراً أساسياً في دفاع إيران عن ثورتها وأسسها الدينية؛ في حين جعلت الإدارة الأميركية من الضغط المكثف على إيران مبدأ مركزياً لسياستها الخارجية.

الآن، يقوم السيد بومبيو وجون بولتون، مستشار الأمن القومي الذي كان قبل انضمامه إلى الإدارة قد دعا إلى تغيير النظام في طهران وشن ضربات عسكرية على إيران، بقيادة هذا النهج الصارم.

في أيلول (سبتمبر)، طالب السيد بولتون باستخدام الخيارات العسكرية بعد أن أطلق مسلحون مدعومون من إيران ثلاثاً من قذائف قذائف الهاون أو الصواريخ على قطعة أرض فارغة تابعة لملاك سفارة الولايات المتحدة في بغداد. ولكن، لم يتم اتخاذ أي إجراء.

من جهته، وبعد خطابه الذي تعرض للانتقادات الشديدة في القاهرة، والذي أساء إلى مبادرات الرئيس باراك أوباما لمد يده إلى إيران والعالم الإسلامي، يؤكد السيد بومبيو على نفس الموقف من خلال استضافة اجتماع في بولندا الشهر المقبل، والذي يهدف إلى توحيد البلدان في تحالف مناهض لإيران “لمواجهة آيات الله، وليس تدليلهم”.

الآن، أصبحت الولايات المتحدة وإيران متخاصمتين لفترة طويلة جداً حتى أصبح من الصعب تذكر أنهما كانتا شريكين وثيقين بعد وصول محمد رضا بهلوي إلى سدة السلطة في العام 1941. وخلال الحرب العالمية الثانية، كانت إيران طريق إمداد لإيصال المساعدات العينية الأميركية، وفق معاهدة الإعارة والتأجير التي أقرت في ميونخ في العام 1941، إلى الاتحاد السوفياتي. وفي العام 1957، أعطى الرئيس دوايت أيزنهاور إيران التكنولوجيا اللازمة لإنشاء برنامج للطاقة النووية السلمية. وتحت حكم الرئيس ريتشارد نيكسون، أصبحت إيران حارس المصالح الأميركية في الخليج الفارسي.

لكن مشاعر الاستياء في إيران شرعت في التصاعد منذ العام 1953، عندما أطاحت الولايات المتحدة وبريطانيا برئيس وزراء إيراني منتخب ديمقراطياً في ذلك الحين، مما سمح للشاه بالعودة إلى السلطة. ومع ثورة العام 1979، أطاح الإيرانيون بالشاه إلى الأبد وأقاموا دولة دينية شيعية محافظة بشكل صارم.

في تلك الآونة، سممت أزمة الرهائن وجهات النظر الأميركية تجاه إيران، وكذلك فعلت تصريحات إيران المعادية ورعايتها للجماعات المتشددة والهجمات الإرهابية، بما في ذلك تفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية في العام 1996، والذي أسفر عن مقتل 19 من أفراد سلاح الجو الأميركي.

ثم، في الآونة الأخيرة، أضاف عداء إيران تجاه إسرائيل؛ وهجماتها على القوات الأميركية في العراق؛ ودعمها لحزب الله في لبنان، وحكومة الأسد في سورية والحوثيين في اليمن؛ وبرنامجها الصاروخي المتنامي والشكوك في أنها قد تستخدم برنامجها النووي لإنتاج الأسلحة، إلى المخاوف الأميركية.

ومن جهتها، لدى إيران ما تشكو منه أيضاً: قيام الرئيس رونالد ريغان بدعم العراق على حساب إيران في الحرب الشرسة بين البلدين في الفترة بين العامين 1980 و1988؛ والإسقاط العرضي لطائرة مدنية إيرانية فوق الخليج العربي بواسطة طراد بحري أميركي في العام 1988، والذي أسفر عن مقتل 290 شخصاً؛ بالإضافة إلى عقود من العقوبات الأميركية التي هدفت إلى تغيير سلوك إيران.

في الولايات المتحدة، حيث زار عدد قليل من الناس إيران أو درسوها، تظهر استطلاعات الرأي أنه ليس هناك ما يمكن كسبه سياسياً من اتباع نهج أكثر تعاوناً معها. وقد عمدت كل من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، “آيباك”، وجماعة المعارضة الإيرانية “مجاهدي خلق”، والمملكة العربية السعودية -وكلها ذات أجندات معادية لإيران منذ وقت طويل- إلى تكثيف حملات الضغط من أجل تغليب نهج العقاب على المشاركة.

هذه الضغوط، إلى جانب العداء الذي يكنه السيد ترامب لسلفه، قادته العام الماضي إلى تمزيق الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم في العام 2015، وهو ما أهدر فرصة فريدة. ولم يكن الاتفاق يقتصر على الحد من برنامج إيران النووي فحسب، وإنما خلق مساحة محتملة لإيران والغرب لتخفيف حدة عدائهما وتوسيع التعاون بينهما بالتدريج.

في المقابل، ما تزال إيران ملتزمة بالصفقة النووية التي مضى على إبرامها ثلاث سنوات. لكن إيران لم توقف عدوانها الإقليمي، وهو ما منح السيد ترامب مبرراً لتصويرها كخصم لا يمكن التغاضي عنه والذي ينبغي ضبطه بالعقوبات.

لا شك في أن حكومة إيرانية أكثر ديمقراطية ستكون مرغوبة بشدة. لكن أي تغييرات ينبغي أن تبدأ بالإيرانيين، وليس بقوة خارجية مثل الولايات المتحدة.

وفي الأثناء، يجب أن لا تقف سياسات إيران المعادية لأميركا عائقاً أمام الانخراط والتفاعل الثنائي. وعلى الرغم من أن أميركا خاضت أكثر من عقد من الحرب في فيتنام، أصبحت العلاقات مع هانوي اليوم في ازدهار. وحتى في أعمق أعماق الحرب الباردة، وجدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي طرقاً للتعاون، بما في ذلك في مجالات الحد من الأسلحة وحقوق الإنسان.

إذا كان السيد ترامب يهتم حقاً بإحلال الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن عليه أن يقوم بإشراك إيران والانخراط معها، كما عرض أن يفعل هو نفسه في الصيف الماضي فقط. لكن الجو بين البلدين ما يزال غائماً. وحتى السيد ليمبرت، الذي يرغب في زيارة إيران مع أبنائه وأحفاده، يشك في إمكانية السماح له بالعودة في أي وقت. ويقول: “إنني أذكِّرهم بشيء في ماضيهم، والذي يفضلون عدم التفكير فيه”.

*هي عضو في هيئة التحرير في صحيفة “نيويورك تايمز”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى