نيويورك تايمز: إيران كتهديد “خداعي” في السباق الرئاسي الأمريكي
نيويورك تايمز 4-9-2024، ستيف لي مايرز وتيفاني هسو وفرناز فصيحي: إيران كتهديد “خداعي” في السباق الرئاسي الأمريكي
برزت إيران كأكبر تهديد في المعلومات المضلّلة المتعلقة بالسباق الرئاسي الأمريكي، وقالوا إن إيران كثفت من جهودها لنزع المصداقية عن الديمقراطية الأمريكية وفتح الطريق، بشكل محتمل أمام عودة دونالد ترامب.
واعتمدت في هذه الحملة على عمليات القرصنة والمواقع المزيفة على الإنترنت. وقد وصف موقع اسمه “سافانا تايم” نفسه بأنه “مصدرك الموثوق للأخبار المحافظة والرؤى في مدينة سافانا النابضة بالحياة”. ويريد موقع آخر اسمه “نيوثينكر” أن يكون “وجهتك المفضلة للأخبار التقدمية والمعمقة”. ويعطي موقع “ويستلاند صن” صورة أنه يلبي احتياجات المسلمين في ضواحي ديترويت.
وعلى خلاف هذه المزاعم، لا يظهر أي منها بهذه الصورة، فهي جزء مما يقول المسؤولون الأمريكيون، ومحللون في الشركات التكنولوجية، بأنها حملة مكثفة من إيران للتأثير على الانتخابات الأمريكية.
إيران طالما نظّمت حملات سرية للتضليل المعلوماتي ضد أعدائها، وخاصة إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن حملاتها ظلّت حتى الآن تتم في ظلّ الحملات الروسية والصينية المشابهة لها. ولكن حملات التضليل المعلوماتي الأخيرة أصبحت أكثر جرأة وتنوعاً، حسب مسؤولين أمريكيين وخبراء في إيران.
الجهود الإيرانية تهدف لإحباط محاولات الرئيس السابق ترامب للعودة إلى السلطة، ولكنها تستهدف إدارة بايدن وحملة كامالا هاريس، بشكل يؤشر إلى جهود أوسع لبذر الخلافات داخل أمريكا ونزع الثقة عن الديمقراطية في عيون الأمريكيين والعالم بشكل أوسع.
وحذرت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز، قبل فترة، من أن “إيران أصبحت شرسة، وبشكل متزايد، في جهود التأثير الرامية لزرع الشقاق وزعزعة الثقة بمؤسساتنا الديمقراطية”، وأن يكون الأمريكيون واعين “عندما يتعاملون مع حسابات ومستخدمين لا يعرفونهم بشكل شخصي”.
وانضم مكتبها، في الشهر الماضي، إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي)، ووكالة الأمن الإلكتروني، وأمن البنى التحتية، لإصدار بيان أشار إلى أن “إيران تعتبر انتخابات هذا العام مهمة بشكل خاص، من حيث التأثير الذي يمكن أن تحدثه على مصالح أمنها القومي، ما يزيد من ميل طهران لمحاولة تشكيل النتيجة”.
ورفضت بعثة إيران في الأمم المتحدة التعليق على جهود التضليل الإعلامي ومواقع الإنترنت المزيفة. وفي بيان سابق، في 19 آب/أغسطس، يتعلق بحملة ترامب ومحاولات اختراقها، قالت البعثة إن الاتهامات “لا أساس لها وخالية من أي معنى”، وإن إيران “لا تكنّ نوايا، أو لديها دوافع للتدخل في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة”.
شبكة العملاء والقراصنة الإلكترونيين تشمل على واجهات تجارية يتحكم بها “الحرس الثوري الإيراني”، حسب مسؤول إيراني، ومسؤول آخر يعمل في المجال الإعلامي الإيراني، وكلاهما على معرفة بحملات التضليل المعلوماتي.
ويتمتع “الحرس الثوري” بسلطة قوية وراسخة في كل مجالات الحياة الإيرانية، اقتصادية وسياسية وسيبرانية. وتعتمد الحكومة و”الحرس الثوري” على شبكة من الأفراد الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي والترويج لمواقف إيران، وباستخدام أسماء مستعارة أحياناً. ويقول المسؤولان إنهما يطلبان مشاريع من شركات التكنولوجيا والناشئة، حيث لا يفهم بعضها الهدف المقصود منها.
وقال المسؤولان الإيرانيان- أحدهما عنصر في “الحرس الثوري”- إن الحكومة الإيرانية خصصت موارد كبيرة لعمليات التضليل المعلوماتي، وخاصة منذ 2022، عندما قادت النساء انتفاضة انتشرت في كل أنحاء البلاد. وقالا إن مسؤولي الحكومة يقومون بعمليات استكشافية مستمرة في الجامعات بحثاً عن طلاب في التكنولوجيا، وإمكانية تشغيلهم بعد تخرجهم بمغريات عدة، مثل رواتب عالية، ودعم للأبحاث ومكاتب.
وقال أمير رشيدي، مدير مجموعة ميان، وهي منظمة حقوقية تركز على الشرق الأوسط، وتدافع عن الحقوق والأمن الرقمي: “تشبه إستراتيجية إيران في مجال المعلومات والدعاية الطريقة التي يدير فيها الحرس الثوري الجماعات الوكيلة في الشرق الأوسط”، ويقومون “بالتسلل التدريجي القوي، ويلعبون لعبة تقوم على الصبر”. واستطاع عملاء إيران اختراق حسابات روجر ستون، المستشار المقرب من ترامب، كما حاولوا اختراق حسابات بايدن وهاريس بدون نتائج واضحة. وأعلنت شركة ميتا، الشهر الماضي، أنها اكتشفت جهوداً مماثلة على منصة الرسائل واتساب.
جهود إيران وتركيزها على الولايات المتحدة تزايدت مع غزو إسرائيل، حليفة أمريكا، غزة بعد هجمات “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. واتهمت المخابرات الأمريكية العملاء الإيرانيين بتأجيج الاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية في غزة، وتقديم الدعم المالي للمتظاهرين والمساعدة من أشخاص انتحلوا صفة الطلاب. ونفت إيران أيّ علاقة بالاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، مع أن المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية أثنى عليها في رسالة مفتوحة.
واعتمدت إيران، منذ الثورة الإسلامية عام 1979، على الدعاية والتضليل الإعلامي، بحيث أصبحت جزءاً من هوية النظام.
ومع تقدم التكنولوجيا، تطورت أساليب وطموحات إيران، حيث وصف خامنئي الفضاء السيبراني، في عام 2011، بأنه الجبهة الإيرانية في جهاد المعلومات. وأمَرَ، في ذلك العام، بإنشاء المجلس الأعلى السيبراني. وطلب من الحكومة والجيش العمل معه خدمة لمصالح وأهداف الأيديولوجية الإسلامية.
وقبل عام 2020، لم تُبدِ إيران اهتماماً كبيراً بالتأثير على الانتخابات الأمريكية مباشرة، حسب تقرير نشره بداية ذلك العام مخبر البحث الجنائي الرقمي في المجلس الأطلنطي. لكن الوضع تغير عندما خرج ترامب من الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، وقرر إعادة فرض العقوبات، وما تبع ذلك من اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” بمطار بغداد عام 2020. وتسارعت عمليات التأثير المرتبطة بإيران منذ ذلك الوقت.
وفي تقرير نشرته العام الماضي، لاحظت مايكروسوفت سبع حملات في 2021، زادت إلى 24 حملة بعد عام واحد.
وفي تقرير صدر الشهر الماضي، حذّرَ كلينت واتس، مدير مركز تحليل التهديدات في شركة مايكروسوفت، من أن إيران كانت تحضّر لنشاطات أكثر تطرفاً في الولايات المتحدة، ومن المقرر أن تبدأ في آذار/مارس . وربما كانت تشمل نشاطات تحريض على العنف ضد الشخصيات أو الجماعات السياسية وزرع الشكوك حول نتيجة الانتخابات.
وظهرت على الأقل خمسة مواقع خادعة على الإنترنت لتغذية الناخبين الأمريكيين بمحتويات ثابتة تهدف لتقويض الدعم لإسرائيل والثقة بالديمقراطية الأمريكية، وذلك حسب مايكروسوفت وأوبن إي أي، حيث تم الكشف عن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الجهود.
واستهدفت جهود إيران التضليلية ترامب، الذي وصف، في إحدى المقالات على موقع “نيوثينكر”، الرئيس السابق بأنه فيل تناول الأفيون، وفي داخل دكان للخزف تابع لحركته ماغا، أو لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. واستهدفت الحملة الإيرانية الديمقراطيين أيضاً، ففي مقال نشره موقع “سافانا تايم”، ولا علاقة له بالمدينة في جورجيا، حذر من أن هاريس تمثل “مغازلة خطيرة لضبط الأسعار على الطريقة الشيوعية”.
وعلق المسؤولان الإيرانيان أن طهران ليست مهتمة بالمنتصر النهائي في تشرين الثاني/نوفمبر، وتعتقد أن معاداة واشنطن لإيران تتسامى على الحزبين. ولهذا فالهدف الرئيسي من حملة التضليل الإعلامي هي بذر الشقاق وتعميق الاستقطاب ووضع إيران في سلم القوة إلى جانب الصين وروسيا.
كما اتهمت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل بالقيام بحملات تضليل تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد. وكانت هدفاً لهجمات إلكترونية من كلا البلدين، بما في ذلك الهجوم على سفينة عسكرية، وعلى نظام توزيع الوقود في أنحاء البلاد.
وتذكّر جهود التأثير الإيرانية بالحملات الروسية التي اخترقت حملة هيلاري كلينتون عام 2016.
وفي عام 2020، اخترقت إيران نظام تسجيل الناخبين الأمريكيين، واستخدمتها لإرسال رسائل إلكترونية مخيفة ومزيفة إلى الناخبين الديمقراطيين.
وخلص تقييم استخباراتي رفعت عنه السرية في عام 2021 إلى أن إيران سعت إلى تقويض احتمالات انتخاب ترامب وتشويه سمعة العملية الديمقراطية الأمريكية، وتحقيق هدف أكبر للإضرار بصورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وحاولت إيران التدخل مرة أخرى خلال الانتخابات النصفية عام 2022، على أمل استغلال الانقسامات الاجتماعية، كما خلص تقرير استخباراتي آخر.
ووجد الخبراء أدلة عن رغبة المسؤولين الإيرانيين لتعزيز الجماعات القومية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة المتطرفين ضد بعضهم البعض في عام 2024.
وفكرت إيران بإنشاء وكالات أنباء وهمية للتفاعل مع وسائل الإعلام الأمريكية ونشر “فرق ترول” على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب تقييم الاستخبارات.