ترجمات أجنبية

نيويورك تايمز – أزمة الليرة تختبر نهج إردوغان الاستبدادي

نيويورك تايمز –  كارلوتا غال –  14/8/2018

لطالما أوضح الرئيس رجب طيب إردوغان أنه لا يعتبر أي جزء من الحياة التركية بعيداً عن متناول يده، وليس أقلها الاقتصاد. وحتى قبل أن يعاد انتخابه في حزيران (يونيو) ليتمتع بسلطات شبه سلطانية، كان قد بنى سمعته على النمو الاقتصادي المستدام الذي غذته المشاريع العملاقة المتميزة -وآخرها الخطط لبناء قناة تشق البلد. لكن المنتقدين قالوا دائماً إن الكثير من هذا التوسع بني على خفة اليد في الميزانية، والمحسوبية والفساد.

والآن، تختبر تركيا أسوأ أزمة منذ العام 2001 -حيث وصلت قيمة العملة التركية مستوى منخفضاً جديداً يوم الاثنين-والتي تواجه الرئيس إردوغان بحدود نهجة الشمولي، ويمكن أن تنهي شوطه الطويل من النجاح.

كما أنها تثير المخاوف من انتشار عدوى عالمية، في حال قوّضت متاعب تركيا المالية ثقة المستثمرين في الأسواق والاقتصادات الناشئة الأخرى وتزيد القلق من احتمال انكشاف البنوك، حتى في المناطق المتقدمة، مثل الاتحاد الأوروبي.

يقول المحللون إن متاعب تركيا الاقتصادية هي إلى حد كبير من صنع السيد إردوغان نفسه، وإنه ليست لها صلة بنزاعه مع الولايات المتحدة واحتمال فرض عقوبات أكبر على البلد مما لها بتدخل إردوغان الذي يزداد عمقاً في الاقتصاد، بينما يحاول أن يلوي عنق منطق السياسة النقدية والأسواق المالية العالمية حتى تتناسب مع أغراضه السياسية.

مع ذلك، وفي حين يرسخ الرئيس إردوغان سيطرة أكبر على الحياة في تركيا -بما في ذلك الإعلام، والقضاء والسياسة الخارجية واتخاذ القرار السياسي- فإن الأقل وضوحاً بكثير هو ما إذا كان يستطيع أن يُجبر اقتصاداً يدين بالفضل للأسواق العالمية على الخضوع لإرادته، كما يقول المحللون.

ويحذر قادة الأعمال من أن تشابك المسارات العديدة لنهج إردوغان الاستبدادي، ومن أن تركيا لن تخرج من حفرتها حتى يجري البلد إصلاحات هيكلية رئيسة، والتي تفك الكثير من القيود التي يضعها إردوغان.

وسوف تشمل هذه الإصلاحات السماح بصحافة حرة، وقضاء قوي مستقل، وإعادة السلطات إلى البرلمان. وثمة خطوة أخرى مهمة، هي إطلاق سراح السجناء السياسيين، والتي ستساعد على إصلاح العلاقات مع أوروبا.

يقول أوميت بامير، السفير التركي السابق إلى حلف الناتو: “يجب أن نفعل شيئاً في الوطن. عندئذٍ فقط يمكن أن يأتي المستثمرون”.

في حين أنه ما يزال بإمكان السيد إردوغان أن يغير المسار، فإن رغبته في القيام بذلك تبدو بعيدة عن اليقين. وفي الأثناء، لن تتمكن أدواته من تجنب الألم الذي أصبح الآن حتمياً، كما يقول المحللون.

يقول أتيلا ييزيلادا، المستشار في اسطنبول لدى مؤسسة “غلوبال سورس بارتنرز” للاستشارات الإدارية: “إن معدلات الفائدة تحلق وتخفيضات الميزانية ستكون مؤلمة. سوف نشهد حالات إفلاس”.

ويقول العديد من المحليين إنه بينما كان يراكم السلطة في يديه، فقد أصبح إردوغان أكثر عزلة باطراد، محيطاً نفسه بالمستشارين الذين يعززون وجهات نظره الخاصة، في حين يحيِّدون الخبرة الحقيقية.

بشكل خاص، أصر السيد إردوغان على اتباع سياسة إبقاء أسعار الفائدة منخفضة للسماح بتطبيق برنامج ضخم من الحوافز المالية، قائم حول صناعة الإنشاءات لتوليد مستوى عالٍ من النمو.

في مقابلة مع تلفزيون “بلومبيرغ” في أيار (مايو)، شرح السيد إردوغان السبب في أنه أراد المزيد من السيطرة على البنك المركزي وسياسة أسعار الفائدة. وتساءل: “عندما يقع الناس في الصعوبات بسبب السياسات المالية، من هم الذين سيُحاسَبون ويُعتبرون مسؤولين؟ بما أنهم سيسألون الرئيس عنها، يجب أن نتخلص من صورة الرئيس الذي يمتلك نفوذاً على السياسات النقدية”.

ويشرح سنان أولغين، رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في اسطنبول: “إنها النظرة الأساسية للشعبوي الحقيقي؛ أن حقيقة كونه منتخباً تعطيه الحق في أن يكون مسؤولاً عن السلطة التنفيذية”.

مع ذلك، يزعم معظم خبراء الاقتصاد أن هذه السياسة لم تعد قابلة للتطبيق، وأن الاقتصاد دخل مسبقاً في الركود وسط تصاعد الديون الأجنبية وتسجيل عجز في الحساب الجاري. ويعمل إبقاء أسعار الفائدة منخفضة على ارتفاع التضخم، وهو ما يلحق الضرر بمحافظ الناس.

على مدى أشهر، كانت وكالات التصنيف الائتماني واختصاصيو الاستثمار يرسلون الإشارات على أن الإدارة السياسية لاقتصاد تركيا تؤدي إلى إخافة الاستثمار وطرده.

وكانت تركيا قد صمدت أمام العواصف الاقتصادية في السابق بفضل حجمها وتنوعها، لكن النتيجة سوف تعتمد على “تساوق السياسات المتبعة وإمكانية التنبؤ بها”، كما نصحت وكالة مودي للتصنيف الائتماني في بيان لها في شهر تموز (يوليو).

في تموز (يوليو)، بعد إعادة انتخاب السيد إردوغان، وبعد أن عين صهره، بيرات البيرق في المنصب الجديد الذي ضم وزارتي الخزانة والمالية معاً، أعلنت “مودي” عن تخفيض آخر للتصنيف الائتماني لتركيا. وجاء في البيان: “من المرجح أن يؤدي أي تصور عن انتهاك لاستقلال البنك المركزي والمؤسسات العامة الأخرى إلى مفاقمة مخاوف المستثمرين”.

منذ انتخابه، أصدر السيد إردوغان سلسلة من المراسيم التي تجلب نظام الحكومة إلى سيطرة الرئيس. وتؤدي التغييرات إلى تركيز السلطة بازدياد في يد السيد إردوغان، وتسمح له بتعيين مسؤولين رسميين في كل مجال من مجالات الحياة تقريباً. وفي ما يتجاوز مسألة البنك المركزي، فإن هذه  التغييرات تشكل تسييساً زاحفاً للدولة، كما يحذر المحللون. ومن بين التغييرات إلغاء مناصب رفيعة في الجهاز المدني للبيروقراطية التركية القوية.

لطالما كانت لدى تركيا بيروقراطية نشطة، على غرار النظام الفرنسي، مع بيروقراطي أعلى يدعى وكيل الوزارة في كل وزارة، يساعده وكلاء أدنى منه. لكن هذه المناصب ألغيت كلها وتم استبدال الموظفين المدنيين بنواب وزراء يعينهم السيد إردوغان.

ويجري الشعور بهذا التغيير عبر الإدارة، كما يقول السيد أولغين، الذي يضيف: “ليس هناك بيروقراطي كبير يستطيع أن يرى على مدى 360 درجة. كلهم صوامع معزوله”.

وكما يلاحظ السيد أولغين، فإن أي كسب إيجابي يتحقق من جلب الخارجيين إلى الإدارة كانت تخففه الطبيعة الاستقطابية لحكم السيد إردوغان، التي دفعت إلى الخارج باطراد بأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون إيديولوجياً أو سياسياً لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، وفضلت الموالين للحزب.

وأضاف السيد أولغين: “سوف يكون هناك تقارب بين الحزب والدولة أكثر من السابق، ولن يكون البيروقراطي الكبير الذي يمثل الدولة موجوداً. وسوف تكون المستويات الدنيا من البيروقراطية مفتوحة على التسيسس، حيث سيرتبط التقدم الوظيفي بالانتماء السياسي”.

ومع ذلك، فإن الاعتماد على الذين يعيّنهم الحزب يستثني مجموعة كبيرة من المواهب، وهو شيء كان حاضراً أيضاً في تطهير 150.000 موظف عمومي من مؤسسات وأجهزة الدولة منذ الانقلاب الفاشل في العام 2016.

فُهم تعيين السيد البيرق في منصب وزارة الخزانة والمالية كإشارة -ليس فقط على تصميم السيد إردوغان على السيطرة على السياسة النقدية والمالية، وإنما أيضاً على نيته تجهيز نوع من السلالة. ويحمل السيد البيرق، 40 عاماً، درجة الماجستير من جامعة بيس في نيويورك، وكان قد عمل ممثلاً للولايات المتحدة في “كاليك القابضة”، وهي شركة إنشاءات وتجارة تركية معروفة بصلاتها الوثيقة بالحكومة.

في العام 2004، تزوج البيرق من إسراء، كبرى بنات السيد إردوغان، التي درست في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وبعد سنتين لاحقاً عادا إلى تركيا.

دخل السيد البيرق معترك السياسة في العام 2015، ليصبح عضواً في البرلمان، وفي وقت لاحق من ذلك العام تم تعيينه وزيراً للطاقة. ثم عُين وزيراً للخزانة والمالية بعد انتخابات 24 حزيران (يونيو).

حتى بينما أسِف عالم الأعمال على مغادرة المسؤولين الأكثر خبرة من الحكومة، أمل البعض بأن يتمكن السيد البيرق، بكونه أحد الأقارب، من إقناع السيد إردوغان بتخفيف موقفه حول إبقاء أسعار الفائدة منخفضة. لكن البيرق لم يفعل ما يكفي حتى الآن لوقف الضرر، كما يقول السيد يزيلادا.

في مؤتمر صحفي عقِد يوم الجمعة الماضي، أكّد السيد البيرق على استقلال القضاء والبنك المركزي. ومع ذلك، كشفت حقيقة فشل البنك المركزي في التصرف لإنقاذ الليرة عن كونه إما ليس مستقلاً، أو أنه سيئ في أداء وظيفته. كما قال السيد أولغين الذي أضاف: “سوف يقف البنك المركزي على الهامش بينما تنخفض قيمة عملته”.

كان السيد البيرق يمر بـ”تمرين سريع في الوظيفة”، كما يقول. “وإذا أخبره مجتمع الأعمال والبنوك بأي المسالك المريرة هي التي نبحر فيها، فإنه قد يتخذ القرار الصحيح”.

أما بالنسبة للأزمة الحالية، فقد دعا السيد ييزيلادا إلى رفع كبير لسعر الفائدة، بخمس نقاط في المائة على الأقل، وقال إن “المصافحة مع الولايات المتحدة هي حد أدنى مطلق” لحل الأزمة.

وكانت أنقرت تطالب بخيارات أخرى لحل الأزمة، كما قال، لكنه تنبأ بأنها لن تكون لدى السيد إردوغان أي خيارات في نهاية المطاف. وقال: “سوف يستيقظ ويشم رائحة القهوة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى