نيويوركر: الرئيس ترامب ومائة يوم من العجز

نيويوركر 27-4-2025، ديفيد رمينك: الرئيس ترامب ومائة يوم من العجز
استطلاعا نظم قبل 8 أعوام، بمناسبة مرور 100 يوم على حكم ترامب، كشف عن مدى الإحباط الذي تسببت به الإدارة لأي مواطن أمريكي يهمه مصير الديمقراطية الليبرالية. فقد قوض دونالد ترامب في خطابه وأفعاله سيادة القانون والأمن العالمي والحقوق المدنية والعلم والتمييز بين الحقيقة ونقيضها.
“100 يوم لا تكون أبدا مؤشرا حقيقيا على فترة مدتها أربعة أعوام. وعلينا أن نتذكر أن فرانكلين روزفلت وباراك أوباما، كانا من بين الذين جاءوا إلى الرئاسة وسط أزمة وطنية وكانت لديهما الجاهزية والانضباط والصرامة لرسم مسار جديد تماما. لكن ترامب المتهور والأناني والكذاب، قام في نفس الفترة بإشعال الحريق بنزاهة منصبه”.
ومع ذلك، لم يخفِ ترامب دوافعه ولا شخصيته، فقد جاء إلى البيت الأبيض عام 2017 وهو يحتفل بالسياسات غير الليبرالية لكل من أندرو جاكسون وويليام ماكينلي رافعا علم تشارلز ليندربيرغ “أمريكا أولا”. وفي حفل تنصيبه، أمر ترامب المتحدثة باسمه للقول إن عدد الحضور الذين جاءوا لمشاهدة المناسبة كان “الأكبر الذي شوهد في حفل تنصيب، نقطة”.
ومن هذه البداية، انطلق ترامب كديماغوجي وفتنازي لمنع المسافرين من الدول الإسلامية، ولإلغاء واستبدال قانون الرعاية الصحية الميسرة.
وفي حالة من السكر الإعلامي، نشر تغريدات ترامب عن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وعن منافسته هيلاري كلينتون، وأرنولد شوارزنيغر. ووزع الكراهية بين سي إن إن وإم إس إن بي سي. ثم اختار مايكل فلين، المفضل لدى جماعة نظريات المؤامرة كيو أنون، مستشارا له للأمن القومي، حيث أُجبر لاحقا على إقالته بعد ثلاثة أسابيع من توليه منصبه.
وكان ترامب يسلي نفسه باستعداء حلفائه الأوروبيين المقربين، والقول إن حلف الناتو كمنظمة “عفا عليها الزمن”. وكانت هناك لحظات أخرى من الفوضى والقسوة القادمة، لكننا نعرف الآن أن ولاية ترامب الأولى كانت محاولة أولى في التفوق الاستبدادي وساعة هواة وبروفة متقطعة.
فقد كانت ردود الأفعال والطموحات موجودة ولم يكن يعرف بعد ما الذي يفعله، لأن فوزه على كلينتون كان بمثابة صدمة، لذلك عندما استعد بشكل محموم لمنصبه، جمع طاقما متنوعا من الأيديولوجيين من “ذوي العيون الجاحظة والمؤسسين الذين غطى رؤوسهم الشيب، من الذين “بدا أنهم مناسبون لهذا المنصب” إلى جانب أفراد الأسرة والتابعين الذين كانوا يأملون في الاستفادة من الوظيفة مع الاستمتاع بجميع مظاهر السلطة الرائعة”.
ونتيجة لذلك، اتسمت فترة ولايته الأولى بانتشار الازدراء له داخل إدارته. وبحسب ما ورد، كان أول وزير خارجية له، ريكس تيلرسون، مقتنعا بأن ترامب “أحمق”، وخلص في النهاية، كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارك ميلي، ورئيس طاقمه، جون كيلي، إلى أن القائد العام كان بكلمة واحدة “فاشيا”.
ومع ذلك، نجح ترامب في إلحاق ضرر كبير، إلا أن الخلافات الدائرة بينه وبين منافسيه، إلى جانب المعارضة المتقطعة من الكونغرس والاحتجاجات الشعبية والمقاومة في المحاكم، حالت دون تحقيق الكثير من طموحاته. إلا أن الوقت نفد من بين يديه وخسر حملة إعادة انتخابه وفشلت ثورته.
لكن ترامب لم يتخل عن طموحاته، فخلال فترة ابتعاده عن العرش التي قضاها في مقره بمار- إي- لاغو، نظر في مسارات السلطة، وتوصل لنتيجة مفادها أن جو بايدن قد انتهى ولا يمكنه الفوز مرة أخرى. وفي هذا، كان محقا. في حين ظلت القيادة الديمقراطية تخادع نفسها.
ومن هنا، قرر ترامب أن يتصرف على سجيته، بل وأن يتحرر من القيود. وفيما رأى المعلقون أن ارتجالاته الغريبة في تجمعاته الانتخابية التي تدعو للإقصاء، لا تقل ارتباكا عن أداء بايدن خلال المناظرة القاتلة، وتمسك ترامب بمصدر إيمانه الرئيسي- الانتقام.
وفي رمشة عين، أنكر أي معرفة بمشروع 2025، الذي أعدته “هيرتيج فاونديشين” أو “مؤسسة التراث” لممارسة السلطة التنفيذية، لكن قلة شككوا في أنه سينفذ خططها.
بالنسبة للمستشارين المحتملين ومسؤولي الحكومة، كانت الطاعة هي المؤهل الوحيد.
وأصبحت الإدارة الآن مليئة بالخنوع المفرط، ولم يكن غياب الكفاءة عائقا أمام التوظيف. فكيف نفسر انتقال بيت هيغسيث من مكتبه في قناة “فوكس نيوز” إلى المكتب الكبير في البنتاغون؟ وأي إدارة غير إدارة ترامب ستطلب من شخصيات قاتمة مثل هوارد لوتنيك أو بيتر نافارو صياغة مستقبل أكبر اقتصاد في العالم؟
سجل الفشل بعد 100 يوم مذهل جدا ومتوقع في نفس الوقت. وبدون أي هدف واضح، نفّر ترامب أوروبا واليابان والمكسيك وكندا، وقوّض حلف الناتو وعبّر عن تعاطف كبير تجاه فلاديمير بوتين. كما أعطى المتبرع له إيلون ماسك رخصة استخدام منشار كهربائي لارتكاب أعمال عنف ضد الوكالات الحكومية التي تنقذ أرواحا بشرية لا تحصى.
وبدون أي رادع وبفرح، رحّل ترامب أكثر من 200 شخص (جميعهم تقريبا بلا سجل إجرامي) إلى معسكرات العمل القسري في السلفادور. وفي لمح البصر، تمكن بأوامره المتعلقة بالرسوم الجمركية من زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، وهذا هو أسوأ هدف يريد تحقيقه في التاريخ.
وكجزء من حملته الانتقامية، شن ترامب حرب ترهيب ضد العشرات من المؤسسات الأكاديمية والتجارية والقانونية. وقد استسلم بعضها، مثل جامعة كولومبيا وأمازون وبول ويس، وفضلوا الطاعة على التمسك بالمبادئ.
واختارت، شاري ريدستون، من شركة باراماونت، تدمير استقلال برنامج “60 دقيقة”، وهو البرنامج الاستقصائي الأكثر احتراما على شاشة التلفزيون الأمريكي، بدلا من مقاومة الهجمات السخيفة التي يشنها ترامب ومحاميه.
الشعار الدائم لهذه الإدارة وازدواجيتها هو $TRUMP، وهو مخطط عملة يرمي لجلب ملايين الدولارات من الأرباح للرئيس وزملائه المستثمرين، ويبدو أن القليلين يمانعون. فقد قام ترامب بتطبيع الفساد الرئاسي.
وإذا أُجبر شخص على اختيار حدثين يقدمان فكرة عن حياة هذه الإدارة حتى الآن، فسيكونان بالتأكيد اجتماعات البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وبعد ستة أسابيع، مع الرئيس السلفادوري، نجيب بوكيلة. وفي لقائه مع زيلينسكي، عامل ترامب الرئيس الأوكراني الذي ينظر إليه كبطل أخلاقي، على أنه وغد جاحد.
وفي الثاني، عامل ديكتاتورا ساديا مثل توأم الروح. فمن الصعب تذكر مشهد في المكتب البيضاوي أكثر إثارة للاشمئزاز من طلب ترامب المبتسم من بوكيلة بناء خمسة سجون أخرى، لأن “الدور سيأتي على المواطنين المحليين”.
مظاهر معارضة ظهرت في الأسابيع الأخيرة لترامب، وبخاصة في الكونغرس، من كوري بوكر وكريس ميرفي وألكسندرا أوكاسيو كورتين وبيرني ساندرز، مع أن التعايش والجبن بات عاديا.
وقالت السيناتورة الجمهورية عن ألاسكا، ليزا موركوفسكي أمام تجمع في أنكوريج: “كلنا خائفون”. ولا شك في ذلك، فالتهديد بالانتقام ليس مزحة، لكن صرخة السيناتورة الحزينة لا تستجيب لمتطلبات اللحظة. هذه ليست في المقام الأول مسألة كفاءة أو صراعا على السياسات، ذلك أن إدارة ترامب تشن هجوما منسقا على المبادئ الأولى.
وكما قال المصلح والكاتب الداعي لتحرير العبيد فريدريك دوغلاس: “حدود الطغاة تحددها قدرة أولئك الذين يضطهدونهم على التحمل”. وسيواصل الرئيس هجومه حتى يشعر بمقاومة شعب لن يتسامح معه بعد الآن.
One Hundred Days of Ineptitude