أقلام وأراء

نواف الزرو يكتب – دور مراكز البحوث والدراسات في صناعة القرار الصهيوني اكثر من ثلاثين مركز دراسات متفرغة لقراءة وتحليل المجتمعات العربية…!

بقلم الكاتب والمؤرخ نواف الزرو  – 23/5/2020

 كثيراً ما يستشهد رجال القانون بالزعيم البريطاني ونستون تشرشل عندما سأل عن القضاء، حينما كانت تدك الصواريخ والقنابل الألمانية لندن، فقيل له إنه بخير، فقال قولته الشهيرة: “إذاً نحن بخير”، وهو الأمر الذي ردّده الجنرال ديغول وهو يدخل فرنسا عند تحريرها بقوله: “إذا كانت الجامعات الفرنسية (العريقة) بخير، وكذلك القضاء بخير، ففرنسا ستكون بخير ويمكن لها أن تتعافى سريعاً”.

  وفي الكيان الصهيوني كذلك، يعيرون من جهتهم اهتماما بالغا بالتربية والتعليم –من التأسيسي وحتى الجامعي- باعتبارهما “السلاح السري للامة اليهودية”، وباعتبارهما “قضية وجودية لاسرائيل”، وهم يقولون “طالما ان التربية والتعليم لدينا بخير فاسرائيل بخير”، وعلى المستوى الجامعي يعيرون كذلك اهتماما كبيرا لمراكز الدراسات والابحاث في الجامعات، لما لها من دور كبير ومؤثر على السياسات الاسرائيلية برمتها، وخاصة تلك المتعلقة  بالعلاقات مع العرب.

     وفي هذا السياق الاكاديمي التعليمي التربوي، وعلى خلاف ما لدينا في دولنا وانظمتنا ومؤسساتنا العربية، ففي الدول المتحضرة الديموقراطية التي تنتهج العلم والتربية والتعليم سبيلا لها في نهضتها وتقدمها، تحتل الأبحاث والدراسات المعمقة التي تعدها مراكز البحوث والدراسات في الجامعات وخارجها، مكانتها المحترمة والمقدرة لدى السياسيين ومتخذي القرارات في تلك الدول، ويستفاد منها في رسم وتخطيط سياساتهم واستراتيجياتهم واتخاذ قراراتهم السياسية والاعلامية والاقتصادية والاجتماعية والحربية منها على نحو خاص، ذلك ان دراسة المشكلات والتحديات والمعضلات السياسية مثلا، تتصدر جدول الاولويات في رسم وبناء الاستراتيجيات في مواجهة التحديات في جميع المجالات. وذلك استنادا الى ما  تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات في تلك الدول، التي تشكل مناهج البحث العلمي فيها سلاحا علميا ماضيا في للتعامل مع التحديات، من اهمية واهتمام كبيرين.

   والاهم هنا وفي بيت القصيد لدينا، وعلى خلاف ما لدينا على المستوى العربي،  وفي صميم علاقاتنا الصراعية مع الكيان الصهيوني، فان القيادات المتعاقبة لديهم هناك في الكيان الصهيوني، ابدت وتبدي دائما اهتماما استثنائيا  بمراكز البحوث والدراسات، وخاصة على مستوى الجامعات، بل انها تعتبرها ايضا سلاحا قويا في يدها، تسترشد بابحاثها ودراساتها في اتخاذ قراراتها وعلى نحو خاص منها تلك القرارات المتعلقة بحالتي السلم او الحرب مع الفلسطينيين والعرب.

    وفي هذا السياق ايضا، فان الحقيقة الكبيرة الماثلة: “أن دراسة العالم العربي من قبل المفكرين الاسرائيليين كانت دائماً موضوع اهتمام “اسرائيل” لأنها وسيلة فاعلة تخدم مصالحها بتزويدها بمعرفة علمية للمعادلات السياسية والاستراتيجية والقيم الثقافية والاجتماعية للدول العربية المجاورة والمحيطة بها، والتي هي في حالة صراع معها”، والحقيقة الكبيرة كذلك، انه بينما ينشغل كبار الباحثين والمفكرين والجنرالات الاسرائيليين في تنقيب وتمحيص اوجه حياة الفلسطينيين والعرب وفي قراءتهم قراءة سيكولوجية واستراتيجية،  ننشغل نحن-العرب- بالمشاكل والهموم الفردية والقبلية والعشائرية وغيرها…!، بل دخلنا كدول وانظمة وشعوب في نفق الفتنة والحروب الطائفية والاثنية التي تعود بنا قرونا الى الوراء.

   وعلى خلاف ما لدينا في العالم العربي، وعلى خلاف منهجياتنا الفكرية الفردية الزعامية الفوقية الى حد كبير في قراءة الاوضاع العربية او الاسرائيلية او الاقليمية بشكل عام، قراءة استراتيجية، فإن القراءات الاسرائيلية لهذه الاوضاع هي قراءات مؤسسية جماعية تشارك فيها احيانا مراكز دراسات استراتيجية عديدة، وتقدم للحكومات الاسرائيلية في كثير من حالات الحرب او السلم والازمات على شكل مقترحات وتوصيات.

    وهنا يلفت الباحث الدكتور حسن عبد الله الانتباه الى” ان اسرائيل تنفق على البحث العلمي سنويا اضعاف ما ينفقه العرب مجتمعين، وهي تولي اهمية كبيرة لدراسة المجتمعات العربية دراسة منهجية تكاد تغطي جميع مناحي الحياة، ولا يكتفي باحثوها بدراسة المجتمعات العربية القريبة منهم جغرافيا، بل والبعيدة ايضا لانهم يدركون مدى الروابط المشتركة المتينة بين الشعوب العربية بصرف النظر عن تركيبة الشريحة الحاكمة وتوجهاتها”، ويضيف: “ولو قامت مؤسسة بحثية فلسطينية او عربية باحصاء البحوث والدراسات التي تغص بها المكتبات الاسرائيلية، ستجد بلا شك ان الباحثين الاسرائيليين لم يتركوا شاردة ولا واردة تخص العرب الا واخضعوها للتمحيص والدرس انطلاقا من ان المعلومات والمعطيات العلمية الدقيقة مفتاحهم لبسط نفوذهم واستمرار تفوقهم العسكري والاقتصادي والتكنولوجي”.

     وتفيد الدراسات والتقارير الموثقة  في هذا السياق “أن مراكز الأبحاث الصهيونية المولّجة في استقراء الأوضاع العربية واستكشاف مكنوناتها وخصوصياتها ونقاط ضعفها، قد تجاوز عددها الثلاثين مركزًا، ومن أبرزها: مركز يافيه (جافي) للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، وقد تولى رئاسته الجنرال أهارون ياريف، ومركز بيغن – السادات التابع لجامعة بار ايلان، ومعهد أبحاث الأمن القومي وغيرها. وتحصل هذه المراكز جميعها على دعم غير محدود من قبل الهيئات الأمنية والسياسية الرسمية الاسرائيلية، وكذلك من قبل منظمات المجتمع المدني والجامعات والأحزاب، كما تحصل على دعم أميركي هائل بسبب تقاطع برامجها وأنشطتها مع برامج وأنشطة أميركية، على مستوى الادارة الأميركية وعلى مستوى مراكز البحوث والاحزاب والحركات الايديولوجية والدينية الأميركية، التي تسعى حثيثًا إلى تفتيت المنطقة العربية بشكل خاص، واقامة ما يسمى الشرق الأوسط الجديد المنزوع الهوية الثقافية والسياسية والاستراتيجية”.

    لكل ذلك وغيره الكثير الكثير من المعطيات والحقائق والاستخلاصات، نوثق في الخلاصة المكثفة: ان مراكز البحوث والدراسات في الجامعات الصهيونية تقوم الى جانب دورها العلمي الاكاديمي، بدور كبير في تقديم الافكار والمقترحات والتوصيات والمشاريع السياسية و الفكرية والاستراتيجية، التي تسترشد بها الحكومات والمؤسسات الصهيونية،  في وضع سياساتها واستراتيجياتها، وفي اتخاذ قراراتها السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية الى حد كبير، وذلك على خلاف ما لدينا  في دولنا، على مستوى جامعاتنا ومؤسساتنا وحكوماتنا فأين نحن من كل ذلك…؟!، وأين جامعاتنا ومؤسساتنا الاكاديمية من هذا المستوى العلمي الاكاديمي الاستخباري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى