أقلام وأراء

نواف الزرو يكتب – حملة صهيونية مسعورة ملف ” اللاجئين اليهود “

نواف الزرو *- 29/12/2020

في اقرب واحدث تصعيد اسرائيلي على صعيد ملف اللاجئين الفلسطينيين وما يسمى ملف”اللاجئين اليهود المطرودين من الدول العربية والمصادرة املاكهم هناك”، وجه جلعاد أردان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الليلة الاثنين الماضي 2020-11-30 ، يطالبه فيها بالاعتراف الرسمي بوضع اللاجئين اليهود من الدول العربية، موضحا كما ذكر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت  2020-12-1 – أنه سيقدم قرارًا يقضي بإجراء مناقشة سنوية لإحياء ذكرى اللاجئين اليهود المبعدين من الدول العربية وإيران. وطالب أردان المنظمة الأممية الدولية، بالاعتراف باليهود المرحلين وتعزيز الأنشطة التي تعكس تراثهم، مطالبًا بالشروع في بحث عالمي حول ترحيل يهود العرب وإيران، والبدء في أنشطة المناصرة حول هذا الموضوع في مختلف منتديات المنظمة العالمية.  واتهم أردان، الأمم المتحدة بأنها تتعامل بشكل مكثف ومختلف مع اللاجئين الفلسطينيين، وتتجاهل تمامًا اللاجئين اليهود من الدول العربية وإيران.ودعا ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة، غوتيريش لإعادة النظر في هذه القضية والبدء بإحياء قصة 850 ألف لاجئ يهودي تم ترحيلهم من الدول العربية وإيران في جميع منتديات المنظمة الأممية، وذلك لما قال عنه “تصحيح الظلم التاريخي” الذي تعرضوا له”.
فهل هناك يا ترى افتراءا على التاريخ والحقائق أقسى وأشد من هكذا افتراء….؟!
وهل هناك سرقة للتاريخ والحقوق وحتى الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني أبشع من هكذا سرقة على رؤوس الاشهاد….؟!
سرقوا الارض والوطن والحقوق والتاريخ وارتكبوا مجازر جماعية بحق الشعب الفلسطيني وشردوا أهل واصحاب البلاد الاصليين (نحو 850 ألف فلسطيني) الى خارج وطنهم وممتلكاتهم ويزعمون اليوم ان العرب هم الذين طردوا 850 الف يهودي من البلاد العرب ويطالبوم بتعويضات عن ممتلكاتهم تصل الى نحو 300 مليار دولار….!؟
ويسعون لقلب الحقائق بوصف “عملية غزو فلسطين بالظلم التاريخي ويطالبون بتصحيح هذا الظلم ….؟!
تصوروا…؟!
وتتواصل الحملة الصهيونية لإختطاف فلسطين بالكامل….؟!
ويلاحظ  في هذا السياق أن سلطات الاحتلال أخذت تفتح في الآونة الاخيرة عبر الماكينة الإعلامية الصهيونية، ملف ما يسمى “اللاجئون اليهود من الدول العربية”، وكذلك ملف “التعويضات المالية لهم”، مستغلة في ذلك المناخات العربية التطبيعية وحالة الانهيار والاستسلام العربي الرسمي، بل وأخذت تربط هذا الملف بملف اللاجئين الفلسطينيين وتعويضاتهم، ويبدو أن الرياح تسير لصالحهم بفضل العرب الرسميين المطبعين.
وجاء في أحدث تطورات وتداعيات اتفاق التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني على سبيل المثال، ان الكيان بدأ بشن حملة ممسعورة على المغرب بدعوى “استعادة الاملاك الخاصة بيهود المغرب”، وجاء ان مئات الآلاف من اليهود المغاربة وبعد الاتفاق المخزي باشروا بتكليف شركات كبرى لرفع دعاوى قضائية ضد مواطنين مغاربة بغية استرجاع أملاك اسلافهم من عقارا واراضي ومخال وبنايات (وهي كثيرة جدا جدا) في مختلف ارجاء المملكة…وملايين المواطنين المغاربة سيجدون انفسهم فجأة في الشارع”، فهل ورد يا ترى في حسابات الحكومة المغربية حينما وقعت اتفاقها المشؤوم  مثل هذه التداعيات الخطيرة على المغرب والشعب المغربي…؟!
وهنا قد يتساءل البعض: هل يحق لليهود المغاربة الذين “غادروا المغرب في إطار المشروع الصهيوني لغزو فلسطين ان يطالبوا قانونيا وأخلاقيا بممتلكاتهم المزعومة وبتعويضات عن استغلالها على مدى العقود الماضية….؟!
ام ان التعامل مع هذا الملف سيكون سياسيا وستطالب “اسرائيل” المغرب الرسمي باستعادة هذه الممتلكات وبالتعويضات على نحو ابتزازي كما حصل مع الاتفاق مع الحكومة المغربية….؟!
إذ ان الاتفاق الذي وقعه العثماني كما الاتفاقات السابقة بين الكيان وحكومات الامارات والبحرين وغيرها جاء استجابة لضغوطات امريكية ابتزازية بمنطق القوة والبلطجة…؟!
فالواضح ان الادارتين الامريكية-الترامبية- والصهيونية لا تتعاملان مع العرب إلا بمنطق القوة وليس على قاعدة المعاملة الندية مع هذه الدول المطبعة….!
فكما في كافة الملفات الفلسطينية، كذلك في ملف اللاجئين الفلسطينيين الذي يعتبر الأهم والأخطر في الحسابات الاستراتيجية الصهيونية، تقوم  الدولة الصهيونية بمساع جهنمية لاختطاف هذا الملف وشطبه تمامًا، عبر اختلاق ملف مواز أطلقت عليه: “ملف اللاجئين اليهود من الدول العربية”، ليكون في مواجهة حق العودة لللاجئين الفلسطينيين، إن على صعيد المفاوضات العبثية االتي استمرت نحو  ثلاثة وعشرين عامًا، أو على صعيد المنابر الدولية، وخاصة على صعيد الأمم المتحدة، فأخذت تلك الدولة في الآونة الاخيرة تصعد حملاتها الإعلامية حول ما تطلق عليه “حملة اللاجئ اليهودي”، فجاء مثلًا في أحدث وثيقة رسمية إسرائيلية أن: “لا سلام مع الفلسطينيين من دون اعترافهم بحقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية”. وقال نائب وزير الخارجية الإسرائيلية سابقًا داني ايالون، الذي يقود الحملة في مقابلة مع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي: “إن الدولة العبرية ستُطالب الدول العربية بالتعويضات المالية -التي قدرتها مصادر إسرائيلية بنحو 300 مليار دولار- لأنها قامت بعد الإعلان عن الدولة العبرية؛ بمصادرة أملاك اليهود وطردهم من وطنهم إلى إسرائيل”، مضيفًا: “أن حملة (أنا لاجئ يهودي)، هدفها المركزي؛ ايجاد صلة وثيقة بين من يسمون باللاجئين الفلسطينيين، باللاجئين اليهود”، موضحًا “أن الخطوة الإسرائيلية القادمة في هذا السياق، ستكون التوجه إلى الأمم المتحدة (كما حصل امس الاول)للحصول على اعتراف بأن اليهود – العرب يجب اعتبارهم لاجئين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى”، ومشددًا على “أن إسرائيل ترفض رفضًا قاطعًا التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، من دون حل مشكلة اللاجئين اليهود”.
فيا سبحان مغير الأحوال، ومحول الحق إلى باطل والباط
ل إلى حق؛ فبدل أن تقوم الأمم المتحدة بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين حلًا جذريًا استنادًا إلى القرارات والمواثيق الأممية، وهي متأخرة اكثر من اثنين وسبعين عامًا، ستواجه من الآن فصاعدًا وبغطاء من العرب المطبعين، كما هو مبرمج لديهم، بقضية “اللاجئين اليهود”، وأي لاجئين… تصوروا…؟!
تُحتل وتُغتصب فلسطين ويطرد أهلها وأصحاب الحق والتاريخ فيها إلى مخيمات اللجوء والشتات، ليحل محلهم الغزاة اليهود من الخارج، ومن ضمنهم اليهود العرب الذين هاجروا أو هُجروا من البلاد العربية بشتى الطرق والوسائل الصهيونية الترغيبية أو الترهيبية كما هو معروف، فاللاجئ الفلسطيني الذي ذبح وطرد وشرد من أرضه ووطنه وجرد من حقوقه، يصبح اليوم بعد اثنين وسبعين عامًا بلا حقوق من وجهة النظر الصهيونية، بينما يطلق على الذي جاء إلى فلسطين كغازٍ من الصهاينة اليهود “لاجئ”، حيث يصبح اليوم حتى باعتراف أمريكي لاجئًا وله حقوق بالمليارات…؟!
وتشتمل الوثيقة الرسمية الصهيونية على “تعريف قانوني لمصطلح لاجئ يهودي من الدول العربية”، مشيرة إلى “أنه ينطبق، بحسب القانون الدولي، على اليهود الذين تركوا بيوتهم في الدول العربية وهاجروا إلى إسرائيل”، أما عدد هؤلاء اللاجئين، فقد جرى احتسابه انطلاقًا من تاريخ قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 وانتهاء بعام 1968، وحسب هذا المعيار، فقد أحصت الوثيقة 800 -850 ألف لاجئ يهودي، في مقابل 600 إلى 700 ألف لاجئ فلسطيني خلال هذه الفترة.
ويدعي أيالون: أن من سماهم باللاجئين اليهود كانوا يعيشون بأمن وسلام وإخلاص في الدول العربية، وعلى الرغم من ذلك تم طردهم، في حين أن اللاجئين الفلسطينيين، على حد قوله، لم يحملوا جوازات السفر، كما أنهم قاموا بمحاربة اليهود خلال ما سماها ب”حرب التحرير” في العام 1948، وهي المعروفة فلسطينيًا بالنكبة.
إلى ذلك، أوصت الوثيقة التي حملت عنوان (خلاصة العمل الأركاني واقتراح الموقف الإسرائيلي في المفاوضات مع الفلسطينيين في موضوع اللاجئين اليهود)، بضرورة تكريس مصطلح اللجوء المزدوج في المفردات الدولية المستخدمة، ورأت: “أن هناك مصلحة إسرائيلية في تأسيس رابط بين مأساة اللاجئين اليهود وقضية اللاجئين الفلسطينيين”، مشددة على ضرورة “طرح المسألتين ككتلة واحدة في المفاوضات حول اللاجئين في إطار الحل الدائم- إن حصل واستؤنفت على أي مستوى من المستويات الدولية -“، وذلك لغاية تهميش وإقصاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وخلق متاهة لا نهاية لها بوضع ما يسمى “حقوق اللاجئين اليهود” مقابل حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
كذلك أوصت الوثيقة ب”ألا تكتفي الدولة العبرية بالمطالبة بتعويضات شخصية للاجئين اليهود من أصل عربي، بل أن تطالب بتعويض لدولة إسرائيل، التي أنفقت موارد في سبيل استيعابهم خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي”؛ فانتظروا إذن، تطورات دراماتيكية وانقلاب في كل الحسابات والاستراتيجيات الفلسطينية والعربية والدولية على هذا الصعيد، فحكومة الاحتلال ستسعى –كما هو مبرمج – إلى استصدار قرار أممي يقضي بتعويض يهود الدول العربية، فتلك الحكومة تشتغل ليل نهار على إعداد حملة دولية واسعة للاعتراف بحقوق اليهود الذين هاجروا وهجروا من الدول العربية، وتعريفهم باعتبارهم “لاجئين”، والشروع في مرحلة لاحقة للتفاوض مع بعض الدول العربية للحصول على تعويضات على الأملاك التي تركها اليهود في البلاد العربية، وتعتبر محاولة استصدار قرار أممي بهذا الخصوص الأولى من نوعها على المستوى الدولي لمواجهة حق اللاجئين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم وحقهم في العودة والتعويض الذي أقره المجتمع الدولي قبل اثنين وسبعين عاماً. ودعمًا لهذه الحملة السياسية الدولية، أقر الكنيست الإسرائيلي، بموافقة الحكومة، قانونًا يُلزم أي حكومة إسرائيلية، بضرورة استنفاذ موضوع “حقوق اللاجئين اليهود في البلدان العربية” قبل التوقيع على أي اتفاقية سلام.
والملفت للانتباه في هذا الصدد انحياز الإدارة الأمريكية ومجلسيها (الشيوخ والكونغرس) إلى جانب هذا المسعى الصهيوني، بل إن الكونغرس الأمريكي يتبنى ما يسمى قضية “اللاجىء اليهودي”، وكأنها قضية أمن قومي أمريكي، ويبدو أن الجدل المحتدم في أروقة الكونغرس الاأريكي حول قضية اللاجئين وحق العودة والتوطين، يشكل امتدادًا للجدل الصهيوني الذي يستهدف شطب هذه العناوين والمصطلحات من كافة القواميس السياسية، فالذي اعتدنا عليه  حتى الآن، أن الكونغرس أشد صهيونية في سياساته الفلسطينية، وربما لا نبالغ إن قلنا أن الأجندة السياسية الصهيونية تنتقل إلى قلب الكونغرس جملةً وتفصيلًا.
فنحن إذ نتابع الجدل، بل والمساعي الأمريكية لتجفيف الدعم المالي للأونروا وللمؤسسات المدنية الفلسطينية على اختلافها، إنما نجد أنفسنا أمام هجوم أمريكي – إسرائيلي شامل يستهدف شطب الرواية العربية الفلسطينية، وكذلك حق العودة، وصولًا إلى محاولة شطب مصطلح “النكبة” من قاموس الصراع.
مما يستدعى فلسطينيًا وعربيًا-من قبل كل العرب العروبيين- النهوض والتصدي للمطببعين العرب من اجل اسقاط هذا المخطط الخطير -التطبيع العربي- الذي يشكل تهديدا استراتيجيا  للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب العربي الفلسطيني، في الوقت الذي يشكل غزوا صهيونيا متجددا لهذه الدول العربية المطبعة، الى جانب ابتزازها ماليا بمطالبتها “استعادة ممتلكات اللاجئين اليهود ودفع تعويضات عن استخدامها على مدى العقود الماضية…!

*كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى