نواف الزرو: لا هو موت ولا هو انتحار لكنه اسلوب غزة تعلن في اعلان جدارتها بالحياة؟!
نواف الزرو 21-10-2024: لا هو موت ولا هو انتحار.. لكنه اسلوب غزة تعلن في اعلان جدارتها بالحياة؟!
نعود من جديد بعد موجات من الاغتيالات الكبيرة التي نفذها جيش الاحتلال، وبعد موجات من الإبادات الجماعية المروعة في غزة لنؤكد: ان هذا الذي يجري في هذه الآونة على امتداد مساحة غزة وامتداداتها-اخواتها- الفلسطينية من مشاهد بطولية وتراجيدية، ومن مجازر صهيونية إجرامية وصمود فلسطيني اسطوري في مواجهة آلة الحرب الاحتلالية، يعيدنا الى البدايات، والى الدلالات والاستخلاصات المفيدة من وراء هذه المواجهة المفتوحة.
فأهل غزة ورفح وخانيونس وبيت حانون ودير البلح وبيت لاهيا وعبسان الكبيرة والصغيرة وكل مخيمات اللجوء في القطاع لم يعرفوا سوى الصمود والمقاومة.. والتضحيات الكبيرة المستمرة بغية دحر الاحتلال والاستقلال.
والذاكرة الوطنية لأهل غزة لا تعي سوى الاحتلال والانتفاضة والمقاومة…حياتهم كلها صمود ومقاومة….
اعترف شارون وجنرالات الاحتلال بهذه الحقيقة الكبيرة الصارخة رغما عن أنوفهم.. فلولا الانتفاضة والضربات المؤلمة للمقاومة.. ولولا نجاح أهل القطاع من أقصاه إلى أقصاه بتحويل مشروع الاحتلال إلى مشروع خاسر بالكامل، لما طأطأ شارون رأسه وهامته معترفا بصورة غير مباشرة بأن “مشروع الاستيطان فشل في غزة.. وأنه لا أمل في أن يتحول اليهود الى غالبية في تلك المنطقة”. وقال شارون في لقاء أجرته معه صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: “إن غزة ليست واردة في أي خطة إسرائيلية ولم نخطط أبدا للبقاء فيها-وطبعا هو يكذب تماما هنا-“.
وكان ديفيد بن غوريون مؤسس دولتهم يخشى من اجتياح القطاع عام 1948، بينما تمنى اسحق رابين أن يستفيق ذات صباح ليرى”غزة وقد ابتلعها البحر”، ” فقطاع غزة يشكل كابوسا لـ”الإسرائيليين”، يصل إلى حد انهم يقولون بالعبرية “ليخ لعزة” (أي اذهب الى غزة) عندما يريدون القول “اذهب إلى الجحيم”.
بن غوريون الذي رفض غزو غزة خلال الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى أطلق كذلك فكرة “نقل الإشراف على قطاع غزة من مصر إلى الأردن”، لكن هذه الخطة لم يكتب لها النجاح…!.
ويقول الباحث عكيفا الدار “الوحيد الذي كان رفض التخلي عن القطاع هو رئيس الوزراء مناحيم بيغن (1977-1983) الذي لم يدرك أن مسألة اللاجئين ستتحول كابوسا لـ”إسرائيل” رافضا التخلي عن القطاع لمصر، بغية إقامة مستوطنات جديدة فيها”.
وقد اندلعت الانتفاضة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 1987 في مخيم جباليا للاجئين، وبعد شهر على اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول/ سبتمبر2000 بدأ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه “إسرائيل”.
رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق الجنرال موشيه يعلون اعلن قائلا: “إن حربنا مع الفلسطينيين صعبة ومعقدة وليس فيها ضربة قاضية”. والجنرال عيبال جلعادي أحد الآباء المؤسسين لـ “فك الارتباط” رئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي في شعبة التخطيط في الأركان العسكرية الإسرائيلية اعترف في لقاء صريح له مع صحيفة “معاريف” وبمنتهى الوضوح قائلا: “رغم كل القدرات الإسرائيلية والأفضلية العسكرية على الفلسطينيين بكل المقاييس والقدرات الاقتصادية والسياسية والدولية.. رغم كل ذلك لم نتمكن من إخضاع الفلسطينيين”.
ويكشف “جلعاد” النقاب عن “أن شارون كان قد اقترح الانسحاب من غزة عام 1988 – في أعقاب الانتفاضة الاولى – ثم عاد وطرح الفكرة نفسها عام 1992- في أعقاب تفاقم الوضع الإسرائيلي في كل المجالات – وأخيرا رأى شارون – في أعقاب الانتفاضة الثانية/2000 – أن الوقت قد حان للانسحاب من غزة”.
الكاتب الاسرائيلي المعروف عوزي بنزيمان يكثف هذه المعطيات والاعترافات الإسرائيلية بفعل صمود ومقاومة أهل غزة في مقالة نشرتها صحيفة “هآرتس” تحت عنوان “نعتذر عن الهزيمة” قائلا: “إن الجولات الأخيرة في الصراع – المواجهات – كوت الوعي الفلسطيني بفكرة الانتصار ودفعت الإسرائييلين إلى إدراك قصور قوتهم ومحدوديتها.. وبكلمات أخرى: “للانتفاضة الفلسطينية المسلحة تأثير حقيقي على قرار الانسحاب، وبينما يصر القادة الإسرائيليون على الادعاء بأن إسرائيل قد انتصرت على الفلسطينيين، إلا أن الحقائق تشير إلى عكس ذلك.. فكل المساحيق لن تغطي ندوب الواقع: فحرب العصابات الفلسطينية تدفع إسرائيل إلى جر ذيولها من كل قطاع غزة، والجيش الإسرائيلي “العظيم” وباقي الأذرع الأمنية المتطورة لم ينجحوا في تركيع الانتفاضة.. وقد توصلت إسرائيل الى هذه النتيجة مؤخرا..”
وفي هذه المعاني ليس أجدر من ان نستحضر في هذا السياق ما كان الراحل محمود درويش شاعر فلسطين والعرب قد كثفه لنا عن غزة حينما كتب كان معبرا أعمق تعبير عن “غزة وروحها وصمودها وبطولاتها ومعنوياتها وجدارتها بالحياة” قائلا: “ليست لغزة خيول، ولا طائرات، ولا عصى سحرية، ولا مكاتب في العواصم، إن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا، ومن غزاتها في وقت واحد، وحين نلتقي بها ـ ذات حلم ـ ربما لن تعرفنا، لأن غزة من مواليد النار، ونحن من مواليد الانتظار، والبكاء على الديار، صحيح أن لغزة ظروفًا خاصة، وتقاليد ثورية خاصة، ولكن سرها ليس لغزًا، مقاومتها شعبية متلاحمة، تعرف ماذا تريد “تريد طرد العدو من ثيابها”.
لم تقبل وصاية أحد، ولم تعلق مصيرها على توقيع أحد، أو بصمة أحد، ولا يهمها كثيرًا أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها، لم تصدق أنها مادة إعلامية، لم تتأهب لعدسات التصوير ولم تضع معجون الابتسام على وجهها. وقد ينتصر الأعداء على غزة، وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة، قد يقطعون كل أشجارها، قد يكسرون عظامها.. قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها، وقد يرمون في البحر أو الرمل أو الدم، ولكنها لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم وستستمر في الانفجار….لا هو موت، ولا هو انتحار، ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة”.
فالحقيقة الكبيرة الصارخة في عمق هذا المشهد اذن:
غزة تعلن قيامتها وجدارتها بالحياة باسلوبها الخاص رغم الحرب الإبادية الصهيونية…!
هناك مأزق إسرائيلي أمام عظمة الصمود والمقاومة هناك لدى أهل غزة.. وعلى أرض غزة…!
فهناك في كل شارع وزقاق وحي.. بل في كل بيت غزاوي …
ألف قصة وقصة عن التضحيات والشهداء والجرحى والمعتقلين…
وعن الاجتياحات والتجريفات وعمليات الهدم والتدمير..
وكذلك عن خيام الألم والمعاناة والصبر..
وكذلك عن البطولات الفردية والجماعية ..
وعن الملاحم التي يسطرها أهل غزة منذ احتلالها عام/1967….!