أقلام وأراء

نواف الزرو: في ذكرى بلفور: هل من الممكن ان تعتذر بريطانيا عن خطيئتها التاريخية؟! آفي شلايم يطالب الحكومة البريطانية بـ”تصحيح الخطأ التاريخي… فهل تفعل؟!

نواف الزرو 3-11-2024: في ذكرى بلفور: هل من الممكن ان تعتذر بريطانيا عن خطيئتها التاريخية؟! آفي شلايم يطالب الحكومة البريطانية بـ”تصحيح الخطأ التاريخي… فهل تفعل؟!

 

قبل اربع سنوات ونصف تقريبا،  فتح أفي شلايم(هو مؤرخ يهودي عراقي يحمل الجنسيتين البريطانية والإسرائيلية، أستاذ علاقات دولية في جامعة أوكسفورد، وأحد المؤرخين الجدد” في الغارديان -23/06/2020″، ملف “وعد بلفور” وفي غير مناسبته وموعده السنوي، وقد استحضره بمناسبة مخطط “السطو-الضم الصهيوني لمنطقة الاغوار وشمالي البحر الميت وتكتلات المستعمرات…الخ، فيقول:”إذا كان هناك وقت لإعادة البحث في الميراث والمسؤوليات الاستعمارية، فالآن هو الوقت المناسب، وسرقة فلسطين من الفلسطينيين جزء من هذا الإرث، في 2 نوفمبر 1917 أطلق وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إعلانه الشهير بدعم وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”، ويضيف:”لقد مكّن وعد بلفور الحركة الصهيونية من مباشرة الاستيلاء الممنهج على فلسطين، في عملية وصفها الصهاينة أنفسهم في البداية بأنها استعمار استيطاني، وما زالت تلك العملية مستمرة. ففي عام 1917 كان اليهود يمثلون 10% من سكان فلسطين أما البقية فكانوا عربًا، ومع ذلك اعترفت بريطانيا بهذا الحق الوطني لأقلية صغيرة وحرمت الأغلبية منه. وفي عام 1917 كان اليهود يمتلكون 2% فقط من فلسطين، وفي عام 1947 اقترحت الأمم المتحدة تقسيم أراضي الانتداب البريطاني في فلسطين إلى دولتين، واحدة للعرب وأخرى لليهود، وفقًا لهذه الخطة تم تخصيص 55% من الأراضي لليهود رغم أنهم كانوا يملكون 7% فقط، وفي حرب 1948 توسعت دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تأسست حديثًا لتسيطر على 78% من الأراضي الفلسطينية، وتم تأكيد هذا الوضع في اتفاقية الهدنة عام 1949 التي أجرتها “إسرائيل” مع جيرانها العرب، وأصبحت هذه الحدود الوحيدة المعترف بها دوليًا. وفي حرب يونيو عام 1967 استمرت “إسرائيل” في غزو فلسطين باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وبتوقيع اتفاقية أوسلو مع “إسرائيل” عام 1993 تخلت منظمة التحرير الفلسطينية عن مطالبها بـ78% من أرض فلسطين”.

ويواصل:”بعد تشكيل ائتلاف حكومي جديد في أعقاب انتخابات ثالثة غير حاسمة في عام واحد، أعلن بنيامين نتنياهو زعيم الليكود خطته لضم نحو 30% من أراضي الضفة الغربية رسميًا بما في ذلك الكتل الاستيطانية ووادي الأردن. ووافق غالبية أعضاء الكنيسيت على الضم، وإذا حدث ذلك بالفعل فسيترك للفلسطينيين ما يقارب 15% من فلسطين التاريخية، وبذلك سيدق آخر مسمار في نعش حل الدولتين الذي ما زال المجتمع الدولي متمسكًا به. وحصلت “إسرائيل” على الدعم في هذا القرار من دونالد ترامب صديق نتنياهو المقرب وحليفه السياسي، في يناير 2019 كشف ترامب “صفقة القرن” التي يتباهى بها كثيرًا، إنها ليست خطة سلام بل موافقة أمريكية على قائمة أمنيات نتنياهو”.

وينتقل شلايم الى المسؤولية البريطانية وامكانية التصحيح فيقول:”    إن الاعتراف بفلسطين كدولة داخل حدود 1967 طريقة أخرى تقوم بها بريطانيا بتصحيح أخطاء وعد بلفور والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، لقد انضمت الحكومة البريطانية إلى 10 دول من الاتحاد الأوروبي محذرين “إسرائيل” من الضم، بينما وقع 130 نائبًا في البرلمان على خطاب مفتوح يطالبون فيه جونسون بفرض عقوبات اقتصادية على “إسرائيل” إذا استمرت في تلك الخطوة.إن هؤلاء النواب على حق في ضرورة اتخاذ موقف ما، لكن تعبيرات الاستنكار الفاترة لم تردع الحكومة الإسرائيلة على الإطلاق، إن الاعتراف بفلسطين كدولة داخل حدود 1967 طريقة أخرى تقوم بها بريطانيا بتصحيح أخطاء وعد بلفور والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ”.

فهل يا ترى تلبي الحكومة البريطانية أمنية شلايم وتعترف بفلسطين دولة -حتى-داخل حدود 1967…؟!

وهل من الممكن ان تعتذر بريطانيا عن خطيئتها التاريخية بحق الشعب الفلسطيني بمثل هذا التعويض الجزئي إن حصل….؟!

 

وما هي المؤشرات الماثلة على احتمال كهذا….؟!

لعلنا هنا في هذا السياق نستحضر على عجالة بعض المواقف البريطانية الموثقة التي  تشرح حقيقة السياسات البريطانية بعد بلفور وحتى اليوم:

 نذكر ونثبت ان الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى نحو قرن واربعة وثمانين عاما كاملة-منذ مؤتمر بالمرستون الاوروبي عام 1840- لم تتوقف عن دعم وتعزيز المشروع الصهيوني، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة…!.

قد يتساءل البعض: ألم يئن الآوان كي تعترف  بريطانيا بمسؤوليتها عن  النكبة ومنح فلسطين العربية للمشروع الصهيوني…؟، وقد يقول البعض الآخر: لماذا تتمادى بريطانيا  في  دعمها السافر لكيان الارهاب والاغتصاب والابرتهايد…؟.

ثم هل من الممكن ان تتجاوب الحكومة البريطانية مع آفي شلايم وتعترف ب”فلسطين دولة كاملة”….؟!

 تصوروا….الحقيقة الساطعة اليوم بعد مئة ونحو مئة وسبعة اعوام على الوعد وستة وسبعين سنة على النكبة والجريمة نتابع ايغالا بريطانيا في الجريمة المفتوحة التي اقترفت بحق الشعب العربي الفلسطيني، وفي مئوية بلفور، كان أطل علينا رئيس وزراء بريطانيا السابق دافيد كاميرون ليعلن امام  مؤتمر لقادة اليهود في بريطانيا أنه سيتعاون معهم في إحياء ذكرى وعد بلفور المئوية،  كما أطلت  تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا السابقة لتفتخر بدورها- بدور بلادها في تأسيس “دولة إسرائيل” وتؤكد: “سنحتفل بمئوية وعد بلفور بكل فخر وهناك المزيد من العمل ينبغي القيام به”، وجاء ذلك في معرض ردها على أسئلة النواب في مجلس العموم البريطاني، الأربعاء-امس-، حيث قالت “نفتخر لدورنا في تأسيس دولة إسرائيل”. كما اعلنت مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة كارين بيرس، وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته بالمقر الدائم للأمم المتحدة بنيويورك، بمناسبة تولي بلادها الرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن لمدة شهر اعتبارا من الجمعة حيث قالت: “ان بريطانيا  راضية عن الدور الذي قامت به لمساعدة إسرائيل على الوجود-وكالات-2019/11/2″. وأكدت:”ونحن راضون عن وعد بلفور، الذي ساعد على تأسيس دولة إسرائيل ووجودها”.

ونقول:رغم زخم الاحداث والتطورات المتلاحقة في المشهد الفلسطيني العربي والشرق اوسطي، ورغم الاعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني، ورغم النكبات المتصلة التي تنصب على رؤوس الفلسطينيين منذ عام 48، ورغم كل التضحيات اليومية  للشعب الفلسطيني التي من شانها ربما ان تشغل بال الجميع عما حصل في الماضي، الا اننا لا يمكننا ان نغفل اساس الهولوكوست الفلسطيني المفتوح، ولا يمكننا ان نغفل ذلك الدور البلفوري البريطاني في صناعة الدولة الصهيونية والهولوكوست الفلسطيني…!

تصوروا…!

وفي كل هذه المحطات الرئيسية الكبرى كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الاحداث والمشاريع والدول، ولعل اقامة “اسرائيل” على خراب  فلسطين وتشريد اهلها في الشتات تبقى الكارثة الاكبر التي حلت بنا  في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية ..

المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك “سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمه سائغة للحركة الصهيونية”.

والسبب في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفور الذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي “بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم”، الذي قيل فيه:” انه قصة 117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط”.

و”كان الوعد حاضرا بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو /1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وكان حاضرا ايضا في عصبة الأمم التي صادقت في يوليو/ تموز 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا”.

وها هو ينقضي اليوم قرن كامل وسبع سنوات على الوعد ولا تزال تداعياته النكبوية  تلاحقنا، ذلك ان ذلك “الوطن القومي لليهود” وذلك “المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي”يشهد في هذه الايام ذروة تمدده السرطاني وذروة سطوه على الوطن الفلسطيني من نهره الى بحره… !

فهل هناك جريمة ابشع من هكذا جريمة بريطانية…؟!

ونقول في الخلاصة:

لم يكن “وعد بلفور” ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية؟.

ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى “وطن قومي لليهود” لو ارتقى العرب إلى مستوى “الوعد والحدث”؟!!

وما بين “بلفور آنذاك وما يجري اليوم في القدس وفلسطين نتساءل:

ألا تستحق هذه السياسات البريطانية الاجرامية مع سبق التخطيط والتآمر وقفة عربية  -مثلا- جادة تطالب بمحاسبة الحكومات البريطانية…؟، بل ألا تستحق هذه المواقف البريطانية الاجرامية  إنتفاضات عربية في ذكرى وعد بلفور في كل العواصم العربية….؟!

بينما تجري عملية اغتيال الوطن الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني، في ظل الصمت العربي الرهيب وفي ظل الفرجة العربية  المذهلة، بل وفي ظل التهافت العربي التطبيعي الخياني مع الكيان،  فان فلسطين تحتاج اكثر من اي وقت مضى الى تحشيد الطاقات والامكانات العربية والى تتحمل الدول والانظمة والشعوب العربية المسؤولية القومية والتاريخية  عل نحو جاد اكثر من اي وقت مضى…!

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى