أقلام وأراء

نواف الزرو: الاستراتيجية الصهيونية العليا: التدمير المنهجي الشامل وغزة هي النموذج الأكثر إجرامية!

نواف الزرو 27-9-2024: الاستراتيجية الصهيونية العليا: التدمير المنهجي الشامل وغزة هي النموذج الأكثر إجرامية!

كما اعترفت الكاتبة يوعناة جوني في هآرتس-5 مارس 2024 فانه” يوجد في قطاع غزة الآن نازحون وقتلى أكثر مما جرى في النكبة الأصلية في سنة 1948.. وإن الجيش الإسرائيلي يقوم بتدمير القطاع بصورة منهجية”، واضافت نقلا عن عميرة هاس في صحيفة “هآرتس” نقلا عن منشور نشره صحافي البلاط شمعون ريكلين حرفياً، في منصة X (تويتر) قوله بتفاخر “أن إسرائيل تمكنت حقاً من تحقيق إنجازات إعجازية في مجال التطهير العرقي والإبادة الممنهجة لغزة”، و”أن الخراب الهائل والمتواصل في غزة ليس مجرد نتيجة ثانوية لاستراتيجية ما، بل إن هذا الخراب هو نفسه الاستراتيجية”.

ولذلك نعود لنوثق: على ضوء ما يجري في غزة من حرب صهيونية إبادية، ومن تدمير شامل ومحو كامل عن وجه الارض لمدن وبلدات ومخيمات كاملة وتهديمها على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة تطبيقا لسياسات التطهير العرقي، وعلى ضوء ما كشف النقاب عنه من مخططات تهجير وتوطين في سيناء لأهلنا في غزة،  يمكننا ان نوثق في الجوهر وفي الصميم ان هذه الحرب الاقتلاعية-التدميرية-الترحيلية لأهلنا في غزة انما هي محطة اخرى ولكنها الاكبر والاخطر في السياق الارهابي الصهيوني، واننا أمام أكثر من ستة وسبعين عاما من سياسات التطهير العرقي وجرائم الحرب الصهيونية المفتوحة في فلسطين، ولم يحرك العالم ساكنا، و”لم يظهر العين الحمرا كما يظهرها في أماكن أخرى، “ولم تتحرك العدل الدولية وكذلك الجنائية الدولية أبدا كما يجب ضد جنرالات الارهاب والاجرام وما اكثرهم في “اسرائيل”..؟!

فالاستراتيجية الصهيونية العليا منذ بدايات المشروع الصهيوني هي:التدمير المنهجي للمجتمع المدني-الحضاري العربي الفلسطيني بكل مركباته ومكوناته ودلالاته، وهذا الذي يجري في غزة انما هو النموذج الاكثر والاشد اجرامية ولكنه ليس الفصل الاخير في المخطط الصهيوني  ولن يكون إذا لم يتم إسقاطه….!

نستحضر ذلك ونتساءل على خلفية ما جرى ويجري في هذه الايام في غزة وفي جنين ونابلس وطولكرم-نور شمس ومخيم عقبة جبر وغيرها من اجتياحات عسكرية دموية وتدميرية، فمنذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على سبيل المثال، لم نرَ دمارا شاملا أو قتلا جماعيا أو إبادة جماعية للأطفال والنساء والشيوخ، ولم نر حرقا لعائلات كاملة بنسائها وأطفالها كما نشاهد في فلسطين منذ بدايات النكبة والكيان، ولم نرَ تهديما كاملا للمدن والبلدات والقرى والاحياء كما لم نرَ محوا كاملا لحضارة شعب كما يجري في فلسطين زفي غزة على نحو خاص، وكل هذه الجرائم اقترفت وما تزال في فلسطين وتبث بالبث الحي والمباشر على مرأى العالم كله، ولم يحرك هذا العالم ساكنا ولم ترف له عين….!

وفي هذا السياق نتابع بعضا من الوثائق والشهادات الأخرى المتعلقة بالتدمير المنهجي للمجتمع الفلسطيني والتي كنا اشرنا إليها مرارا في دراسات سابقة ونستحضرها هنا ثانية للتذكير دائما:

ففي سياق نهج التدمير الشامل لفلسطين أيضا كان الدكتور وليد مصطفى وهو باحث متابع متخصص، قد أكد من جهته في دراسته التي نشرت بعنوان “التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية”: “أن 62.6% من مجموع القرى الفلسطينية التي كانت موجودة في فلسطين قد هدمت على أيدي السلطات الصهيونية، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن بعض أقضية فلسطين لم تقع بأكملها تحت سيطرة العدو عام 1948، نجد أن الـ 468 قرية التي هدمت قبل 1967، قد شكلت 78.4% من مجموع القرى الفلسطينية الـ 598 التي خضعت للسيطرة الصهيونية في ذلك العام”، وجاء في جداول الدراسة الموثقة “أن عدد المواقع الفلسطينية التي كانت قائمة في فلسطين حسب التقسيم الإداري لعام 1931، بلغ 755 موقعاً، هدم منها خلال عام 48 (472) موقعاً، وقد بلغ عدد بيوتها آنذاك 52812 بيتاً، وبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 338428.1945 نسمة”.

جاء في تقرير للكاتب الإسرائيلي “تسفرير رينات” نشر في هآرتس بعنوان: “أين اختفت القرى العربية؟”.

“إن المؤرخين الناقدين للحركة الصهيونية بصورة خاصة، مثل الدكتور ايلان بابيه، يقولون أن اختفاء القرى الفلسطينية من مواقعها هو جزء من سياسة منهجية مبرمجة لطمس وجودها من أجل بلورة تاريخ جديد يتلاءم مع الرواية الصهيونية التي تدعي أن البلاد كانت فارغة وأنها تحولت إلى أرض خضراء مزدهرة بسبب نشاطات الكيرن كييمت وأمثالها”، ويقول الدكتور ايلان في البحث: أن تاريخ فلسطين يُنقل إلى عهد التلمود القديم”.

وجاء في دراسة أخرى أجرتها في السنوات الأخيرة ناغا كيدمون (في إطار دراسات السلام والتطوير بتكليف من جامعة غوتبرغ في السويد وبتوجيه البروفيسور أورن يفتحال من جامعة بن غوريون) وجدت “أن أحراش الكيرن كييمت التي تشمل (86) قرية فلسطينية، وتطلق عليها بأنها “مغربية”، وفي أغلبية المواقع توجد لافتات إرشادية، إلا أن 15 في المائة فقط تتطرق إلى القرية العربية في الموقع، وأغلبية النصوص في الكراسات والصحف والإعلانات لا تتطرق لاسم القرى الفلسطينية إطلاقا، ولا تتطرق إلى كونها عربية”.

وفي هذا السياق على نحو حصري كشفت صحيفة “هآرتس العبرية النقاب عن “حملة مبيتة لتفجير المساجد”، حيث أشار مراسل الصحيفة وهو ميرون رفافورت إلى “أن إسرائيل هدمت ما لا يقل عن 120 مسجدا في القرى الفلسطينية التي احتلتها العام 1948، اضافة الى بعض الكنائس المسيحية، بل إنها هدمت خلال الحملة عدة كنس (أماكن العبادة اليهودية)”، ويوضح “بأن هذا الهدم الذي تم في كثير من الأحيان بعمليات تفجير بالديناميت كان غرضه القضاء على أي أثر عربي في البلاد والعمل بأكبر قدر ممكن للحفاظ فقط على ما تبقى من آثار يهودية فيها ومحو أي أثر عربي فيها، وكأن الإسرائيليون يريدون أن يقولوا أن هذه البلاد لليهود فقط، ولم يكن فيها أي أثر عربي”.

ويضيف رفافورت في تقريره الموسع المقتبس من كتاب صدر مؤخرا في لندن لباحث إسرائيلي في علم الآثار يدعى راز كلتر، قوله أنه “لم يفاجأ بما فعله الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في ذلك الوقت من ترحيل وتدمير، لأنه “لو كان العرب هم الذين انتصروا، لما فعلوا غير ذلك”.

ويقتبس رفافورت من كتاب كلتر: “إن ما حدث تدمير جذري لمدن وقرى، وتدمير لحضارة كاملة، بحاضرها وبماضيها، ومن معالم للحياة خلال 3000 سنة، وحتى الكنس الباقية في الأحياء العربية التي هدمت، فسيفساء وقلاعا، ولولا بعض الناس المجانين في هذا الموضوع أمثال ييفين وغيره لكانوا مسحوا كل شيء على وجه الأرض”، ويؤكد “بأن الهدم كان يهدف إلى القضاء على بقايا الوجود العربي الذي أزعج القادة الإسرائيليين”.

وهكذا إذن: تظهر الوثائق المفرج عنها من أرشيف الجيش الإسرائيلي: “أن الجيش الإسرائيلي عمل منذ قيام الدولة العبرية في العام 1948 على إزالة آثار قرى وبلدات عربية تم تهجير سكانها ومحوها من الوجود وتنفيذ حملات غايتها تفجير مساجد وأضرحة أولياء بأوامر صادرة عن قائد الجبهة الجنوبية في حينه موشيه ديّان، الذي حول حسب المؤرخ الإسرائيلي: فلسطين إلى صحراء مدمرة لطمس الحضارة العربية التي كانت قائمة وإقامة إسرائيل عليها”.

 وإذا ما أضفنا إلى ذلك جملة لا حصر لها من الوثائق الإسرائيلية والفلسطينية والبريطانية، فإنه يمكن التأكيد أن سياسة التهديم الشامل للمدن والقرى الفلسطينية، وسياسة الترحيل الشامل للشعب الفلسطيني اعتبرت ركيزة أساسية من ركائز الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل.

كما اعتبرت هذه السياسة من أشد الأسرار صونا في الحياة الإسرائيلية كما يؤكد البروفسور الإسرائيلي “إسرائيل شاحاك” قائلاً: “قبل العام 1948وضمن نطاق الأراضي المقامة عليها دولة إسرائيل، تعد المسألة من أشد الأسرار صونا في الحياة الإسرائيلية، فلا توجد نشرة أو كتاب أو كراس يتحدث عن عددها أو مواقعها، وهذا أمر مقصود، وذلك من أجل أن تكون الأسطورة الرسمية المقبولة عن بلاد فارغة، قابلة للتعميم في المدارس الإسرائيلية، ولروايتها للزوار والسياح”.

ولذلك نقول ربما تكون الوثائق والشهادات العبرية/الصهيونية المتعلقة بالنكبة ومشهد التطهير العرقي والتدمير الشامل لفلسطين على أيدي التنظيمات والدولة الصهيونية، التي يكشف عنها تباعا على مراحل زمنية متباعدة، من أهم الوثائق التي من شأنها إدانة جنرالات تلك التنظيمات والدولة الصهيونية باقتراف جرائم حرب مع سبق التبييت والتخطيط، بل وتجلبهم إلى الجنايات الدولية لو جد جد العالم، ولعل معطيات المشهد الفلسطيني الراهن حيث تقترف دولة الاحتلال المحرقة الشاملة ضد اهلنا في غزة تشكل لائحة اتهام صارخة ضد الجرائم الصهيونية تستدعي تقديم ساساة وجنرالات الاحتلال الى الجنايات الدولية بلا اي تردد لو جد جد العالم….؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى