#شوؤن عربية

نموذج النفوذ الايراني في سوريا

بقلم: اوريت بارلوف واودي ديغل، معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي ٨-٢٠١٨م

 هذا المقال يستند الى حوار وتقديرات النشطاء ومن يشكلون الرأي العام في سوريا (بالاساس السنة) وهو مدعم بوثائق وصور وشهادات من الميدان وتحليلات. كل ذلك يسلط الضوء على “النموذج الايراني في سوريا” الذي يرتكز على بناء تنوع من القوى الواقعة تحت سيطرة ايران ومستعدة لخدمة مصالحها في المنطقة. هذا التدخل تم بصورة غير تظاهرية وبتعاون مع نظام الاسد من خلال دمج المقاتلين الخاضعين لايران في وحدات الجيش والدفاع السورية التي تحارب كما يبدو لصالح النظام.

التقديرات المنتشرة هي أنه منذ دخول ايران وحزب الله الى سوريا وحتى الوقت الحالي تحرير جنوب سوريا من ايدي المتمردين في تموز 2018، فان ايران وليس روسيا هي الجهة التي تهيمن في سوريا. ايران هي التي تملي القتال على التحالف المؤيد للاسد على الارض والذي يسيطر على المعابر الحدودية بين سوريا والعراق وبين سوريا ولبنان وهي التي تحدد اعادة تنظيم المناطق والتجمعات السكانية حسب العنصر العرقي. يوجد لايران ايضا تأثير واحيانا تأثير حاسم على ترتيبات القتال التي تتم بالتشاور بينها وبين روسيا والاسد.

مخطط عمل التحالف المؤيد للاسد الذي يشمل روسيا وايران ووكلائها هو كالتالي: أولا يأتي المستشارون الايرانيون الى المنطقة، يفحصون الامكانيات العملياتية واحتمالات نجاح احتلالها، وبعد ذلك يلتقون مع المندوبين الروس لتنسيق المعركة البرية مع النشاطات من الجو، في المرحلة التالية يتم ارسال القوات المقاتلة للعملية العسكرية قوات جيش الاسد والمليشيات الشيعية الواقعة تحت قيادة ايران، المنطقة المعدة للتحرير من المتمردين يتم تطويقها وعزلها. العملية تبدأ بالقصف الجوي من قبل الطائرات الروسية ومن قبل سلاح الجو السوري الخاضع للاسد، الى جانب اطلاق المدفعية الثقيلة، وبعد تليين مواقع المتمردين تقتحم القوات البرية وتحتل المنطقة. في نفس الوقت تجري مفاوضات من اجل اتفاقات استسلام بقيادة روسيا مع قيادة المتمردين.

نظرية المحاور

حسب رؤية ايران فان اندماج عدد من محاور العمل مطلوب من اجل الحفاظ على نظام الاسد، الذي هو أداة رئيسية في النفوذ الايراني. في نفس الوقت مع سيطرة جغرافية وأدائية في سوريا كمرحلة قبيل السيطرة على “الهلال الخصيب” وخلق ممر بري يربط ايران بالبحر الابيض:

أ محور العمود الفقري لسوريا. وهو سلسلة المدن الرئيسية في وسط وشمال الدولة، التي فيها يتركز معظم السكان ومراكز الحكم والاقتصاد. شرط ضروري للنجاح في الحرب هو الحفاظ على السيطرة على محور درعا في الجنوب ومرورا بالعاصمة دمشق وانتهاء بالمحور المركزي الذي يتجه شمالا الى حمص وحماة وحلب، وغربا الى اللاذقية.

ب محور التواصل الجغرافي. ايران تعمل على السيطرة تدريجيا على عدد من المجالات الرئيسية من اجل خلق تواصل جغرافي بينها وحتى البحر الابيض المتوسط، من خلال التقدم من السهل الى الصعب: في البداية حدود سوريا لبنان وبعد ذلك غلاف دمشق، حدود العراق سوريا، محاور الحركة من الشرق الى الغرب وفي الوقت الحالي جنوب سوريا. في المرحلة القادمة ستتفرغ القوات للسيطرة على منطقتين لهما تحدي اكبر في شمال شرق سوريا. المنطقة الكردية المدعومة من تحالف الغرب برئاسة الولايات المتحدة المهمة لايران. لأنها تسيطر على الحدود بين سوريا والعراق؛ محافظة ادلب التي هي المعقل الاخير للمتمردين السنة ومحمي من قبل تركيا. السيطرة على هذه المناطق معقدة جدا في هذه المرحلة، لذلك تم تأجيلها الى مراحل الحرب القادمة.

ج المحور اللوجستي. محور التموين الاساسي من ايران عبر العراق وفيما بعد الى لبنان (برا وجوا). هذا المحور (الذي سماه حسن نصر الله في الخطاب الذي القاه في آب 2017 “طريق التحرير”) هام لترسيخ قدرات ايران في سوريا، ونقل القوات والوسائل القتالية والدعم اللوجستي لوكلائها.

د محور التجارة. ستتم اعادة فتحه بعد اغلاقة بشكل كامل على مدى سنوات. وهو يمر على طول “العمود الفقري” من شمال سوريا الى جنوبها، على طول الطريق الدولي “ام 5” من تركيا ومرورا بسوريا وانتهاء بالاردن ودول الخليج. هذا المحور سيساعد على اعادة تأهيل الاقتصاد السوري وسيزيل عن ايران جزء من العبء الاقتصادي.

هيكل القوة الايرانية

الخطاب في الشبكة يدل ايضا على هيكل قوة متعدد الطبقات في سوريا مع نفوذ ايراني متزايد:

أ قوة القدس التابعة لحرس الثورة الايراني: هي قوة ايرانية اصيلة، مسؤولة عن سوريا وتحتها تعمل القوات الاخرى. نظام القوات وانتشارها تغير خلال الحرب ووفقا للضرورة العملياتية وتراوح حسب التقديرات بين 2000 5000 مقاتل. القوة شملت قادة ومستشارين ومدربين، المرتبطين بقوات اخرى في التحالف المؤيد للاسد جيش سوريا والمليشيات السورية والمليشيات الشيعية. قوة القدس تم تعزيزها في سوريا في السنة الثانية للحرب الاهلية عندما تولد خوف شديد على بقاء نظام الاسد. في المرحلة الاولى كانت مهمته الاساسية دفاعية الحفاظ على الرئيس الاسد والمخلصين له وعلى مواقعه. مع تقدم القتال فان اساس مهمته انتقل من الدفاع الى الهجوم والمساعدة في احتلال مناطق سيطر عليها المتمردون. بعد ذلك ساعدت القوة في تحرير المحاور والطرق الرئيسية الاستراتيجية.

ب قوات الدفاع الوطنية السورية: في السنوات الاولى للحرب الاهلية، حيث كان الجيش السوري الخاضع للاسد (الجيش العربي السوري) تقريبا قد تفكك (بسبب هرب وعدم تجنيد مقاتلين وخسائر كثيرة في الارواح) قررت ايران مساعدة الاسد في اقامة “قوات الامن الوطنية”، وهي مليشيات سورية تحت امرة وتوجيه وتمويل وتسليح ايراني. قوات الدفاع الوطنية هي الموازي السوري للمليشيات الشعبية الشيعية العراقية “الحشد الشعبي” وحزب الله في لبنان. حسب التقارير فانه جند للقوات الوطنية حوالي 90 ألف متطوع سوري حيث كان الطموح هو أن يتمركز اساس القوة على العلويين والشيعة. مع ذلك، جند فيها ايضا أبناء طوائف اخرى.

ج قوات الدفاع المحلية: وهي وحدات شرطية، حماية وادارة مدنية لمليشيات محلية. يقدر أن عدد اعضائها يبلغ 50 ألف شخص. هذا الجسم الذي يتكون من المخلصين للنظام اقيم من قبل ايران كرد على ضرورة التجمعات المحلية التي تخضع للنظام المركزي في دمشق. وضمن امور اخرى بهدف تشخيص وتصفية المتعاونين مع المتمردين وجهات المعارضة في سوريا. ضباط ايرانيون أو من صفوف حزب الله يندمجون في هذه المليشيات.

د مليشيات شيعية: وهي مليشيات شيعية من افغانستان (الفاطميون) وباكستان (الزينبيون) الذين تم تجنيدهم وتنظيمهم وتشغيلهم من قبل ايران. حسب التقديرات هذه المليشيات تضم 10 15 ألف مقاتل. وهدفها هو استخدامها كقوة هجومية رئيسية لتحرير مناطق من سيطرة المتمردين، وبعد ذلك تقوية الطوائف الشيعية والعلوية في سوريا وحمايتها من الانتقام والاعمال العدائية من جانب عدد من التنظيمات السنية. ايران، بتنسيق مع الاسد، تشجع المقاتلين وعائلاتهم على الهجرة الى سوريا، ومرهونة بعملية اعطاء الجنسية والانصهار كاعداد لبقائهم هناك. ايضا اذا تقرر في مرحلة التسوية السياسية اخلاء القوات الاجنبية من الدولة. المقاتلون وعائلاتهم يتم اسكانهم في سكن الضباط في الاحياء التي تركت من قبل اللاجئين والمهجرين السوريين. هدف العملية هو تعزيز الهوية الشيعية في سوريا، سوية مع المجندين الشيعة والعلويين لمليشيات قوات الدفاع المدني وقوات الدفاع المحلية، من اجل رسيخ نفوذ ايران في الدولة لفترة طويلة وتعزيز الدعم الداخلي لنظام الاسد.

هـ – قوات شحن شيعية: احيانا تستخدم ايران مليشيات شيعية من العراق ومن لبنان (الرضوان من حزب الله وعصائب الحق وحزب الله قلباي والنجايبة ولواء ذو الفقار ولواء أبو الفضل العباس وقوة الجعفرية وغيرها)، كقوات تدخل سريع في مناطق القتال من اجل حسم المعركة عندما لا يكون رد كافي لدفاع المتمردين. في ذروة القتال ضمت اسلحة الشحن هذه حتى 30 ألف مقاتل. خلافا لتجنيس المليشيات الافغانية والباكستانية في سوريا فان المليشيات العراقية تعود الى الدولة الأم مع استكمال مهماتها.

و حزب الله درع دمشق وغلاف لبنان: حزب الله يعمل في سوريا منذ العام 2012 بقوة تتراوح بين 4 9 آلاف مقاتل وهذا العدد يتغير وفقا لضرورات الحرب على الارض. الى جانب الاسد وبتوجيه من ايران. المهمة الاولى لقوات حزب الله في سوريا كانت انقاذ نظام الاسد وحماية دمشق. في نهاية العام 2016 جندت قوات حزب الله للمعركة على تحرير المدينة الثانية من حيث حجمها وهي حلب. في نفس الوقت تركز حزب الله على القتال والحفاظ على انجازاته في “غلاف لبنان”، الذي يسمى “فضاء الكيو” القنيطرة والقلمون والقصير. الهدف الرئيس هو طرد المتمردين وتطهير مناطق حيوية من السكان السنة من اجل حماية محاور الوصول من سوريا الى لبنان، وتوطين سكان “مريحين” في غلاف الحدود بين سوريا ولبنان ومنع عمليات تخريبية وانتقامية لجهات سلفية جهادية في لبنان. من الخطاب في الشبكات يتبين أن مقاتلين شيعة (باستثناء الذين يصلون من العراق) يهبطون في مطار بيروت ومن هناك يتوجهون الى معسكرات تجنيد واستيعاب وتدريب في لبنان، التي يشغلها حزب الله. بعد انتهاء فترة التدريب يندمج المتجندون الذين يلبسون زي الجيش السوري في القوات التي تحارب مع نظام الاسد.

ز المرتزقة اللبنانيون والعراقيون: هؤلاء المقاتلون ليسوا اعضاء في المليشيات الشيعية على انواعها، لكنهم يساعدون في القتال في المناطق المطلوب فيها دعم لوجستي وعملياتي. هم يمولون من ايران وهم مثل المليشيات الشيعية العراقية وحزب الله يعودون الى دولهم الأم بعد انتهاء المهمات.

الخلاصة

ايران لا تهتم بالسيطرة علنا على سوريا، بل العمل والتأثير من خلف الكواليس، من خلال دمج القوات الواقعة تحت امرتها في اطر الحكم المدنية والعسكرية في الدولة. بناء على ذلك يصعب أن نحدد بالضبط عدد المبعوثين الايرانيين في سوريا. حسب تقارير كثيرة في وسائل الاعلام السورية وخاصة في مواقع المعارضة في الشبكات الاجتماعية فان القوات الايرانية وحزب الله والمليشيات الشيعية يشاركون في القتال في جنوب سوريا بزي الجيش السوري. لا شك أن روسيا تدرك أن المليشيات الشيعية المؤيدة لايران ليس فقط لم تنسحب من جنوب سوريا بل ان وجودها وانتشارها هناك في ازدياد. يمكن الافتراض أن المشروع الايراني في سوريا سيواصل في الفترة القريبة وستنتشر قوات متماهية مع ايران بهذا الغطاء أو ذاك قرب الحدود في هضبة الجولان.

اسرائيل التي تحظى بتفوق استخباري في سوريا تقلل في هذا الوقت الكشف عن وجود مبعوثين ايرانيين وعن باقي القوات الخاضعة لها وقيادتها في جنوب سوريا. يبدو أن اسرائيل تقدر أن هذه القوات لا تشكل تهديدا حقيقيا لها. على الاقل في المدى الزمني القريب، وهي تركز على منع تمركز القدرات العسكرية الايرانية الهامة في سوريا صواريخ، قذائف، طائرات بدون طيار، انظمة دفاع جوي ووسائل قتالية متقدمة. يبدو أن اسرائيل في هذه المرحلة تركز اهتمامها على أن تقوم روسيا  ونظام الاسد بالاهتمام بابعاد القوات الايرانية ومبعوثيها عن حدودها. والادراك أن التدخل المتزايد لايران ودخولها الى القوات السورية المحلية يضعضع عمليا سيادة النظام. ولكن يوجد شك اذا ما كانت روسيا والاسد يمكنهما عمليا ابعاد الوجود الايراني من الاراضي السورية. لا سيما على ضوء اندماج ضباط ايرانيين ومقاتلين شيعة في القوات المحلية. في هذه الحالة فان احتمالية مهاجمة المبعوثين الايرانيين ستكون في ايدي اسرائيل حتى بعد استكمال الاسد سيطرته على هضبة الجولان السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى