نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وانعكاسه على السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
سهير الشربيني * ١٩-١٠-٢٠١٨
تتمتع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات متينة، إذ تعتبر المساعدات الأمريكية المقدمة لإسرائيل هي الفاعل الرئيسي في تقويتها وبنائها عسكريًا منذ أن أُسست في عام1948، كما أنها مصدر التمويل الأساسي للجيش الإسرائيلي. فوفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الكونجرس، في ديسمبر2016، فإن المساعدات الأمريكية لإسرائيل بلغت 121 مليار دولار بواقع 3 مليار سنويًا منذ أكتوبر1973 وحتى عام 2016(1). وبدخول مذكرة التفاهم الموقعة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في 13سبتمبر/أيلول2016 حيز النفاذ في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول من عام2018، فإن المساعدات السنوية لإسرائيل للعقد القادم بين 2019 وحتى العام 2028 تقدر بنحو 38مليار دولار، 33مليار دولار مصدرها المساعدات الخارجية الأمريكية، وخمسة مليارات من وزارة الدفاع وذلك لتمويل مشاريع عسكرية مشتركة مع إسرائيل(2). يكمن السر وراء هذا الدعم في وجود “اللوبي الصهيوني” كجماعة ضغط في الولايات المتحدة الأمريكية وتمتعه بقدرة فائقة على التأثير على الإدارة الأمريكية. فاللوبي الصهيوني ليس بكيان واحد أو مؤسسة وإنما هو كيانات مختلفة تتحد في أهدافها بغرض تطويع السياسة الأمريكية وثنيها لما فيه مصلحة الكيان الصهيوني ودعمه في أي سياسات ينتهجها وذلك عبر استراتيجيات وآليات عمل يتبناها من أجل بسط نفوذه داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
أولاً- استراتيجيات الضغط الإسرائيلي على دوائر صنع القرار:
في سبيل استمالة الإدارة الأمريكية لما فيه مصلحة إسرائيل، تبني اللوبي الصهيوني على مدار وجوده في الولايات المتحدة استراتيجتين أساسيتين وهما: ممارسة الضغط على الكونجرس والفرع التنفيذي لدعم إسرائيل ومحاولة استمالة الآراء إلى الصف الإسرائيلي، والضغط على الخطاب العام حتى يصور إسرائيل بمظهر إيجابي عبر ترديد الأساطير عنها بكونها ضحية وسط جيران يكرهون وجودها(3). وفي إطار تنفيذ استراتيجيات اللوبي الصهيوني, فإن نفوذه يمتد ليشمل الآتي:
1- التأثير على الكونجرس:
يتركز نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونجرس في اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة “إيباك”, إذ تضم نحو 4500من كبار الشخصيات اليهودية في المجتمع الأمريكي وتعتمد في سياستها داخل الكونجرس على سياسة الثواب والعقاب, إذ تدعم وتكافىء من يدعمها بإغداق الأموال عليه ودعم مرشحه في الانتخابات وتعاقب من يعاديها بأن توجه تبرعاتها للحملة الانتخابية لخصومه السياسيين(4).
إذ يشير توماس فريدمان، كاتب في صحيفة نيويورك تايمز، وهو من أشد المدافعين عن إسرائيل، إلى شبكة المنظمات اليهودية ولجان العمل السياسية الموجودة في الولايات المتحدة والتي بدورها تعمل على التوجيه وقت الانتخابات لصالح أو ضد مرشحي الكونجرس. كما أنها تتقن آليات التخويف السياسي لا لأن المرشح قد يحرم من دعم تلك المنظمات المالي فقط بل وتمويل خصمه كذلك(5).
2- السيطرة على الحملات الانتخابية للرئاسة:
ينبع نفوذ اللوبي الصهيوني وسيطرته على الفرع التنفيذي من قوة تأثير الناخبيين اليهود في الانتخابات الرئاسية، فعلى الرغم من قلة عددهم إذ يمثلون أقل من 3% من إجمالي عدد السكان إلا أنهم يمولون نحو60% من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحين كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وعمليًا فإن أغلب اليهود يمنحون أصواتهم للحزب الديموقراطي لأنه يعبر بشكل أكبر عن مصالح الأقليات إلا أنه إذا ما اقتضت المصلحة دعم مرشح جمهوري فلا مانع لديهم والدليل على ذلك تكاتفهم ودعمهم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسبب وعوده الانتخابية الداعمة لإسرائيل. كما أن نسبة مشاركتهم في الانتخابات تصل إلى 92% في مقابل 54% من عامة الأمريكان، الأمر الذي يعطي لنسب تصويتهم تأثير فعال في نتائج التصويت، علاوة على أن اليهود أكثر الأقليات تركزًا في المدن وهو ما يعني تضاعف قدرتهم على التأثير، إذ يتركزون في الولايات المهمة ذات المقاعد الأكثر مثل نيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا. الأمر الذي يجعل للصوت اليهودي أهمية لدى كل مرشح ومن ثم يسعى إلى استمالته بإظهار دعمه لإسرائيل ونيته إذا ما فاز في الانتخابات أن يتبنى سياسات إسرائيل وأن يكون حاميًا لها في الشرق الأوسط(6). لذا بات من البديهي أن يسعى أي مرشح للرئاسة أو حتى يفكر في الأمر أن يكسب ود إسرائيل ويعمل على استرضاءها.
وقد عبر عن ذلك مرارًا وتكرارًا مرشحين مختلفين، كقول جورج دبليو بوش أمام اللجنة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك” عام2001 إن « سلامة وأمن إسرائيل هي الأولوية الأولى لسياستي الخارجية وإن إدارتي ستدعم إسرائيل بكل قوة ضد الارهاب والعنف وذلك بدعم وضمان الحرية والرخاء والأمن لدولة اسرائيل».(7)
وتصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل فوزه بالانتخابات عند لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو «إن إسرائيل ومواطنيها عانوا لفترة طويلة جدًا في الخطوط الأمامية ضد الإرهاب الإسلامي وإن الشعب الإسرائيلي يريد السلام العادل والدائم مع جيرانهم، ولكن السلام لن يتحقق إلا عندما يتخلى الفلسطينيون عن الكراهية والعنف ويقبلوا إسرائيل دولة يهودية .(8)« وتصريح الحملة الانتخابية له في أكثر من سياق أن “القدس لطالما كانت عاصمة أبدية للشعب اليهودي منذ أكثر من 3000 سنة، وأن الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، ستقبل الاعتراف بالقدس عاصمة غير مقسمة لدولة إسرائيل.(9)«
ففي سبيل فوز ترامب بالانتخابات قامت حملته الانتخابية بعمل دعاية داخل إسرائيل بعنوان “ترامب يساوي المصلحة الإسرائيلية” ، وذلك من أجل حث الناخبيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية هناك على أن يعطوا صوتهم في الانتخابات لترامب(10). لأن ترامب وحملته كانوا يعوا جيدَا مدى قوة اللوبي الصهيوني ومدى قدرته على التأثير في الانتخابات وقلب المعادلة في لحظة واحدة.
3- الهيمنة على وسائل الإعلام:
إلى جانب نفوذ اللوبي في الكونجرس والفرع التنفيذي, فقد سعى اللوبي الصهيوني ومازال من أجل تشكيل مفاهيم مغلوطة ورسم صورة وردية عن إسرائيل في الأوساط الإعلامية وتصويرها بأنها ضحية الإرهاب وأنها دوما تسعى للسلام ولكن الفلسطينيون هم من يرفضون التصالح. وبالتالي عملت المنظمات الموالية لإسرائيل على التأثير على بعض بيوت الخبرة ومراكز الأبحاث لمساعدتها في تشكيل الرأي العام لما فيه صالح إسرائيل. وتعتبر أشهر المحطات التليفزيونية الداعمة لإسرائيل ABC وNBC وCBC، وأبرز شركات السينما الموالية لها فوكس وبارامونت ويونيفرسال(11).
4- تغلغل “إسرائيل” في معاهد الدراسات والبحوث:
تلعب مراكز الدراسات والبحوث دور كبير في صياغة الرأي العام والضغط على الإدارة الأمريكية بل وأحيانًا كثيرة تساهم في صنع السياسة، لذا عمل اللوبي الصهيوني على إنشاء ترسانته الفكرية” وهو «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» عام1985.
ولم يقتصر نفوذ اللوبي على هذا المعهد فقط بل امتد ليشمل معهد المشروع الأمريكي، ومعهد بروكينغز، ومركز السياسة الأمنية، ومعهد بحوث السياسة الخارجية ومؤسسة التراث، ومعهد هدسون، ومعهد تحليل السياسة الخارجية، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (جيشا)(12). وفي سبيل نشر أفكار وبحوث تلك المراكز, تقوم اللجنة الأمريكية الإسرائيلية بدفع تكاليف إرسال 400 نسخة مجانية أسبوعياً لأعضاء الكونغرس وكبار المسؤولين ووفود الدول إلى الولايات المتحدة، حتى باتت مشاركة الرؤساء الأمريكيين وكبار رجال الدولة في اجتماع الإيباك المنعقد سنويًا أمرًا معتادًا.(13)
ثانياً- تأثير اللوبي الصهيوني في سياسات دونالد ترامب بالتطبيق على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
كانت الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خير دليل على القوة الهائلة والخطيرة التي يمتلكها اللوبي الصهيوني في واشنطن. إذ أظهر في ظل حكم ترامب نفوذًا غير مسبوق حتى بمقاييسه المعتادة. كان على رأسها القرار الأمريكي بنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس، إذ تخير ترامب اليوم الأكثر حساسية في التاريخ الفلسطيني وهو يوم النكبة الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى اليوم الذي نزح فيه أكثر من 760 ألف فلسطيني في حرب 1948 من وطنهم، ليتخذ قراره ذلك. ليس هذا فحسب، بل أشاد البيت الأبيض بالقناصة الإسرائيلين الذين ذبحوا عشرات من الفلسطينين المدنيين الذين كانوا يحتجون بمناسبة الذكرى السبعين للنكبة في 15 أيار / مايو 2018. حيث عبرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت على ذلك الحدث قائلة إن: “إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها وحماس تتحمل المسولية”.
علاوة على ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى عرقلة صدور بيان من مجلس الأمن الدولي يدعو لإجراء تحقيق دولي في استشهاد 59 فلسطينيًا على أيدي القوات الإسرائيلية بمقربة من السياج الأمني الفاصل بين شرقي قطاع غزة وإسرائيل. فقد لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام حق “كسر حاجز الصمت” لمشروع البيان الذي أعدته الكويت العضو العربي الوحيد بالمجلس بالتنسيق مع ممثلي بعض الدول الأعضاء.
ولقد كانت إسرائيل على ثقة من دعم الولايات المتحدة وتصدرها للدفاع عنها، الأمر الذي عبر عنه نيكي هالي، مبعوث ترامب للأمم المتحدة قائلاً: “ وقالت هيلي في كلمة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، بشأن العنف الدموي في غزة: “لا توجد دولة في هذه القاعة يمكن أن تتحلى بضبط النفس أكثر مما تقوم به إسرائيل”. لم تخدم أي من هذه الخطوات أي مصلحة وطنية واضحة للولايات المتحدة بقدر ما كانت تهدف بالمقام الأول المصلحة العليا لإسرائيل.(14)
ومن المتوقع أن تُسفر الفترة القادمة عن منح إسرائيل استحقاقات أكثر على حساب الجانب الفلسطيني، إذ جاءت تصريحات ترامب الأخيرة عن تأييده لاقتراح حل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مثيرًا للجدل، إذ قال في الاجتماع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة في يوم الأربعاء الموافق 26سبتمبر/أيلول2018، إنه “يروق لي حل الدولتين. هذا ما أعتقد أنه الأفضل… هذا شعوري، فإذا كان الإسرائيليون والفلسطينيون يريدون دولة واحدة فلا بأس بذلك بالنسبة لي. إذا كان هذا يرضيهم فهو يرضيني”. جاء ذلك التصريح دون أن يوضح أي تفاصيل ودون أن يتعهد بالالتزام بحدود1967، ففي خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، أشار إلى أنه سيكشف عن خطة سلام خلال شهرين أو ثلاثة.(15) في الوقت الذي شدد فيه نتنياهو بأن «الدولة الفلسطينية المستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح وأن تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وهي شروط يقول الفلسطينيون إنها تشير إلى أنه ليس جادا بشأن إقرار السلام». الأمر الذي يثير الشكوك في أن يكون حل الدولتين بمثابة حل عادل، فترامب يتحرى السبل كافة لتحقيق المصلحة الإسرائيلية. وفي إطار تلك التصريحات، فمن المتوقع أن يتفاجئ العالم في المستقبل القريب بقرار سيصبح حديث العالم أجمع كما فعل قرار نقل السفارة.
الخلاصة
إن ما وصل إليه اللوبي الصهيوني اليوم من قوة لا يستهان بها في تحريك الإدارة الأمريكية نحو مصالح إسرائيل وممارسة الضغط عليها من كل الجهات بما فيها الكونجرس والحملات الانتخابية ومراكز البحوث والدراسات وكذلك الاقتصاد, بالإضافة إلى نجاحه في استمالة الشعب الأمريكي عن طريق الإعلام بتصوير إسرائيل في دور الضحية، هو ما يجعل الولايات المتحدة حكومًة وشعبًا يستميتون في الدفاع عن إسرائيل بكل الطرق ويدعمونها قولًا وفعلًا بإمدادها بالمساعدات لدعم اقتصادها وبالأسلحة لتأمينها ودعمها سياسيًا وحمايتها بجعلها أبرز وأهم أولويات سياستها الخارجية. وهذا من ضمن العوامل التى تشكك فى نزاهة الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط فى عملية السلام وأن أي حل تقترحه الولايات المتحدة في الوقت الحالي كحل للصراع لابد أن يؤخذ محل ريبة وشك لا محل تسليم وانسياق.
* عن المركز العربي للبحوث والدراسات