نعامي بن باسط – من المحظور تجاهل مصيبة غزة

هآرتس – مقال – 14/11/2018
بقلم: نعامي بن باسط
بيتي يقع على بعد عدة كيلومترات عن حدود غزة، والفجوة بين الحياة هنا والحياة هناك هي أمر لا يحتمل. في يوم الجمعة من كل اسبوع بين الساعة الثانية عشرة والثانية ظهرا يقف اصدقائي وأنا في مفترق طرق يد مردخاي ونقوم برفع لافتات تدعو لحياة آمنة وأمل على جانبي الجدار، وندعو لرفع الحصار وتوفير الكهرباء والماء للقطاع وما شابه. نحن نتمزق من الداخل ازاء الكارثة في غزة.
ردود السائقين تشمل الشتائم والحركات البذيئة وحتى القاء اجسام وتهديدات بالدهس. المرة تلو الاخرى يصرخون علينا مطالبيننا بالذهاب الى غزة أو القول لنا بأن علينا الخجل. الخجل الوحيد الذي اشعر به هو الخجل ازاء حقيقة أن مليوني انسان يعيشون في ظروف غير انسانية. شعور العار والعجز من أنني مواطنة في دولة بدرجة كبيرة مسؤولة عن الحصار الطويل والوحشي.
قبل نحو سنة كان لي شرف مقابلة اخصائي نفسي من قطاع غزة، د. احمد أبو طواحين. انسان نبيل، نشيط من اجل السلام وحقوق الانسان. للاسف الشديد هو توفي قبل ثمانية اشهر بالسكتة القلبية عن عمر 58 سنة. د. أبو طواحين وصف على مسامعي كيف يقوم الحصار المستمر بتفكيك المجتمع في القطاع: فقر وبطالة تحول الحياة الى غير محتملة تقريبا، نسبة طلاق لم يسبق لها مثيل، عنف شديد من كل الاشكال، نسبة انتحار مرتفعة، الادمان على المخدرات وغيرها. في غزة نصف السكان هم تحت سن الـ 18، وسبب الموت الرئيسي في موت الاطفال هو امراض نتيجة شرب مياه ملوثة.
نصف سكان غزة البالغون وفوق 70 في المئة من الشباب، هم عاطلون عن العمل. وعندما يذهب الاطفال الى المدرسة ويطلبون من الاهل نصف شيكل لشراء شيء ما، لا يكون لدى الاهل هذه الامكانية وقلبهم ينكسر.
في الاسبوع الماضي سار طلاب ثانوية من المنطقة الى القدس وهم يرفعون طلب “اسمحوا لنا بالحياة بهدوء”. هذا بلا شك طلب شرعي للاطفال والبالغين من المنطقة. مع ذلك من الصعب رؤية كيف أن رؤيا كهذه يمكنها ان تنقذنا من الدائرة الدموية. في الوضع الحالي يبدو أنه فقط اذا استطعنا رؤية الامور من زاوية رؤية الآخر، نستطيع أن نخلق شيء ما جديد.
“قصتنا – حبكة مقالاتنا ومشاعرنا وتطلعاتنا – لن تصل في أي يوم الى الكمال وأن تكون حقيقية تماما، إلا اذا شملت قصة الآخر، حياته تتشابك مع حياتنا (مارتن بوبر) حذر من أن الانغلاق الشديد لأمة في قصتها الخاصة تؤدي دائما الى الأنانية السياسية. نفي قصة حياة، ومن خلال ذلك نفي الواقع القائم، للشعوب التي مصيرها اتفق وتشابك مع مصير أمتك الخاص، ليس مجرد فضيحة اخلاقية، بل هو ايضا حماقة سياسية. “سر الخطاب الاسرائيلي – الفلسطيني” بقلم بول مندسفلور، في مجموعة المقالات (مارتن بوبر) في اختبار الزمن”).
إن طلب حماس من اسرائيل في السنوات الاخيرة ليس فلسطين الكاملة، وكذلك ليس العودة الى حدود 1967، بل رفع الحصار. هل يوجد طلب أكثر شرعية من ذلك؟ ما هو المنطق في اللامبالاة للوضع الكارثي في قطاع غزة؟ ما هو المنطق في ايصال الناس – البالغين والاطفال، رجال ونساء – الى يأس يقودهم الى أن يقتلوا أو أن يتحولوا الى معاقين نتيجة المظاهرات قرب الجدار؟ ماذا سنقول عندما مرة اخرى تسمع دعوات حماسية لشن حرب، في الوقت الذي نعرف فيه أننا بعد ذلك سندفن جنودنا بصمت؟.