شوؤن عربية

نظرة في خريطة الانتخابات العراقية ٢٠١٨م

مجلس الأطلسي – رند الرحيم – 25/4/2018
سوف تُعقَد الانتخابات البرلمانية العراقية للعام 2018، التي تجسد الاستمرارية والتغيير في الوقت ذاته، في مناخ تقسيمي بشكل خاص. وتقام هذه الانتخابات في ظل الدمار الذي خلفه الصراع مع “داعش” والانقسامات الخطيرة في داخل الحزب الشيعي الحاكم. ونتيجة لذلك، سوف تشكل الانتخابات التي تُعقد يوم 12 أيار (مايو) الحالي اختبارا لمزاج البلد في أعقاب السنوات الأخيرة المضطربة.
مع القليل من الاستثناءات، يهيمن على التحالفات الانتخابية نفس اللاعبين الذين سيطروا على المشهد السياسي العراقي منذ انتخابات العام 2006. وفي حين أن الوجوه تظل نفسها، فإن هناك تغييرات مهمة في تشكيلات الائتلافات –والأكثر استدعاءً للانتباه من بينها هو انقسام القوة المهيمنة في المشهد السياسي العراقي: الجماعات الشيعية.
التحالفات الشيعية
في العام 2014، تنافست الأحزاب الشيعية على المقاعد البرلمانية من خلال ثلاث مجموعات: ائتلاف “دولة القانون”، بزعامة حزب الدعوة الذي يقوده نوري المالكي، والذي انضم إليه أعضاء من منظمة بدر؛ وائتلاف بقيادة المجلس الإسلامي العراقي الأعلى؛ وائتلاف بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
الآن، وبعد عدة محاولات فاشلة بذلتها المجموعات للتجمع، أصبحت انتخابات العام 2018 تزدحم بخمسة تحالفات شيعية: تحالف “النصر” بقيادة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي؛ وتحالف “دولة القانون” بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ وتحالف “الفتح” بقيادة وزير النقل السابق ورئيس منظمة بدر، هادي الأميري؛ وتحالف “الحكمة” بقيادة رجل الدين عمار الحكيم؛ وتحالف “سائرون” وهو مزيج من المرشحين المتنوعين تحت رعاية مقتدى الصدر.
ثمة بعض المفاجآت في هذا التشكيل الجديد –لعل أكثرها أهمية هو انقسام “حزب الدعوة” ككيان انتخابي موحد إلى تحالفين: “النصر”، و”دولة القانون”. وكان حزب الدعوة هو الحزب الحاكم الفعلي في العراق منذ العام 2005، بثلاثة رؤساء للوزراء على التوالي. ومع ذلك، نشب في أعقاب تعيين العبادي رئيسا للوزراء في العام 2014 صراع على السلطة مع سلفه، نوري المالكي. وقد تسببت الانقسامات المتواصلة بين الرجلين في حدوث انشقاق في الحزب، والذي وصل إلى ذروته خلال التحضيرات لتشكيل تحالف انتخابي لهذا العام. ونتيجة لذلك، شكل المالكي والعبادي تحالفين منفصلين، واللذين لا يحمل أي منهما اسم “الدعوة”، وترتب على مرشحي “الدعوة” الاختيار بين الاثنين. ويشكل هذا الغياب لحزب “دعوة” موحد نكسة رئيسية للحزب، لكن بعض الأعضاء يصرون على أن الحزب سيستعيد وحدته بعد الانتخابات. وربما يكون هذا التصور أملا عاطفيا عتيقا: لن يندم الكثير من الشيعة على رؤية حزب الدعوة وهو يضعف، ويرخي قبضته عن السلطة.
بالإضافة إلى حزب الدعوة، يعرض المجلس الإسلامي الأعلى انقساما آخر في صفوف الشيعة. فعلى مدى عقود، كانت المجموعة منافسا بارزا لحزب الدعوة، لكنها ضعفت بشكل كبير على مر السنين. في العام 2012، انشق “لواء بدر”، الذراع العسكري للمجلس الإسلامي الأعلى، عن المجموعة، وانضم في العام 2014 إلى تحالف “دولة القانون” بزعامة حزب الدعوة خلال الانتخابات. وأفضت التوترات بين الوريث الشاب للقيادة –عمار الحكيم- وبين الحرس القديم للمجلس الإسلامي الأعلى إلى المزيد من الصدوع في المجموعة. وفي تموز (يوليو) 2017، انشق الحكيم –ربما بسبب ضيقه بالضغوط التي يمارسها الجيل الأكبر ورغبته في أن يروق للناخبين صغار السن- عن المجموعة وقام بتأسيس “تيار الحكمة”، الذي يشارك بائتلافه الخاص في الانتخابات القادمة.
في الأثناء، ضم أنصار الاتجاه التقليدي في المجلس الإسلامي الأعلى قواهم مع القوى السابقة، “منظمة بدر”، تحت مظلة تحالف “الفتح”. ومن المتوقع أن يبلي تحالف الفتح الذي شكلته قوات التحالف الشعبي بلاءاً حسناً في الانتخابات القادمة ، مستفيدا من شعبيته التي كسبها كمنظمة شبه عسكرية قاتلت “داعش”، وتمكنت من تحرير الأراضي والاحتفاظ بها، وحمت بغداد، وضحت بمئات الشهداء منذ العام 2014. ومن المتوقع أن يتمكن هذا التحالف من إبعاد الناخبين عن الائتلافات الشيعية الأخرى، ويرجح أن يلعب دوراً حاسماً في تشكيل الحكومة الجديدة.
من جهته، فجر مقتدى الصدر مفاجأة أخرى هو أيضاً. وكان يقود حملة مناهضة للفساد –بشكل غير أصيل نوعاً ما، وفقاً لمنتقديه- والتي تدعو إلى “اجتثاث” الساسة غير الأكفياء واستنكار الطائفية. وتُردد رسالته الشعبوية صدى عواطف العراقيين الذين ضاقوا ذرعاً بالساسة الذين لا يخدمون إلا أنفسهم.
في تزاوج غير متوقع، عقدت حركة الصدر تحالفاً مع الحزب الشيوعي. وجاءت هذه الشراكة في أعقاب سنتين من التنسيق بين الصدريين والشيوعيين لتنظيم الاحتجاجات المناهضة للفساد والطائفية في المدن العراقية الرئيسية. وظهر الصدر، شأنه شأن الشيوعيين، كصوت قوي ضد الحالة السياسية الراهنة. وقد انضمت عدة مجموعات سنية وعلمانية أصغر إلى هذا الائتلاف، لتمنحه شخصية أكثر وضوحاً كتكوين عابر للأديان من القوائم الانتخابية الأخرى.
ما الذي سيعنيه هذا الخليط المتناثر من التحالفات عندما يتعلق الأمر بالأصوات؟ في العام 2014، حصلت التحالفات الثلاثة بقيادة شيعية على 155 مقعداً في البرلمان. فاز تحالف “دولة القانون” (بقيادة حزب الدعوة) بـ92 مقعداً، وفاز المجلس الإسلامي الأعلى بـ29 مقعداً، بينما كسب الصدريون 28 مقعدا، بالإضافة إلى ستة حلفاء. وكان ذلك العدد أقل من الـ165 مقعدا اللازمة لتحقيق أغلبية مطلقة، ولذلك احتاجت هذه التحالفات إلى دعم الأكراد للوصول إلى تلك الأغلبية.
في الانتخابات القادمة، سوف تتوزع الأصوات الشيعية بين خمسة تحالفات بدلا من ثلاثة، والتي لا يتوقع لأي منها أن يكسب عدد الأصوات التي كان قد حققها تحالف “دولة القانون” في العام 2014. ويتوقع معظم المراقبين أن تحقق تحالفات “النصر”، و”دولة القانون” و”الفتح” نتائج متشابهة تقريبا، مما يقود إلى المساومات والمنافسات بين القادة الشيعة. وسوف يجعلهم ذلك أكثر اعتمادا على دعم الائتلافات السنية والكردية من أجل تكوين ائتلاف.
المتسابقون السُّنة
كانت القيادة السُّنية التقليدية منقسمة منذ وقت طويل –بل أكثر انقساما من نظيراتها الشيعية- وهي تواجه الآن تحديات غير مسبوقة لشرعيتها نفسها.
تشعر المحافظات ذات الأغلبية السنية، التي تلقت أعنف الضربات من “داعش”، بأنها مهملة من قبل ساستها. وقد أثارت عمليات إغاثة النازحين وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد “داعش” اتهامات للساسة بالاستغلال والتكسُّب. والآن، تجمع القادة السنة حول قائمتين رئيسيتين: شكل أسامة النجيفي، وهو أحد نواب الرئيس العراقي الثلاثة، تحالفا مع شقيقه، أثيل النجيفي، الذي كان حاكم الموصل عندما اجتاح “داعش” المدينة. وسوف يخوض تحالفهما “القرار العراقي” مسابقة الانتخابات في الموصل والمحافظات الأخرى ذات الأغلبية السنية، لكنه لا يتمتع بوصول على المستوى الوطني.
من ناحية أخرى، انضم سليم الجبوري، رئيس البرلمان الحالي، وصالح المطلك، النائب السابق لرئيس الوزراء، إلى تحالف إياد علاوي العلماني. وقد أصبح ائتلاف علاوي “تحالف الوطنية”، بشعاره المناهض للطائفية والمدني (في كناية ملطفة عن العلمانية)، بمثابة ملاذ للسنة البارزين كما كان حاله في العام 2010 عندما كسب أكثرية مقاعد البرلمان. وفي الأثناء، عبَر سنيون بارزون آخرون، بمن فيهم رجل الدين عبد اللطيف حميم، خطوط القسمة الطائفية وانضموا إلى تحالف العبادي، “النصر”.
كما أدى عدم الرضا عن السياسيين السنة التقليديين، خاصة في محافظتي الموصل والأنبار، إلى خلق فراغ في القيادة أيضاً، والذي يقوم بملئه قادمون جدد من مجموعات قبَلية ومدنية. وقد ظهرت تحالفات مقتصرة على المحافظات، وبعضها محلي بشكل حقيقي.
الأحزاب الكردية
في أعقاب تفكك حزب “الاتحاد الوطني”، وصعود “حزب غوران”، وظهور أحزاب منشقة أخرى، لم يعد الأكراد يشكلون جبهة موحدة.
كان الأكراد –على عكس السُّنة المتشرذمين على الدوام- يشكلون حتى الآن الوزن الحاسم في تحقيق التوازن السياسي العراقي، والضروري في تعيين رؤساء الوزراء الجدد. وفي حين أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بقي متماسكا، فإن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عانى من صراع وانقسامات داخلية، والتي أفرزت عددا من الأحزاب الأصغر، وأكثرها بروزا حزب غوران (التغيير)، و”حزب الديمقراطية والعدالة” الأحدث بقيادة برهم صالح، المسؤول الكبير السابق في الاتحاد الوطني الكردستاني. وفي حال تحول الأكراد إلى تكوين جبهة موحدة بعد الانتخابات من أجل الحفاظ على مصالحهم في المفاوضات مع الحكومة الفيدرالية، فإنهم سيستئنفون دورهم كـ”صانعي ملوك” في تشكيل الحكومة الجديدة.
بعد الانتخابات
تتعلق الانتخابات البرلمانية العراقية باختيار رئيس وزراء بقدر ما تتعلق بانتخاب أعضاء البرلمان، ويتكشف ذلك في عملية مفاوضات، ومقايضات، وليِّ أذرع تحدث بعد الانتخابات، وبشكل أساسي في داخل الجيب الشيعي. وثمة عدة سيناريوهات ممكنة لما سيأتي، اعتماداً على عدد من المتغيرات: عدد الأصوات التي تلقاها القادة الأفراد؛ وقدرة إيران على إقناع التحالفات الشيعية -أو الضغط عليها- لتشكيل ائتلافات؛ وما إذا كانت الجماعات الكردية ستلتئم معا مرة أخرى لتشكيل عامل الترجيح المألوف؛ وأي مدخلات قد تكون لدى الولايات المتحدة لتساهم بها -أو لا تكون.
سوف تستفيد إيران من نفوذها الكبير لتوحيد التحالفات التي يقودها الشيعة. ويفترض أكثر السيناريوهات طموحا تكوين ائتلاف لما بعد الانتخابات بين أربعة تحالفات على الأقل، وهو عدد كبير بما يكفي لنيل الحد الأدنى من الدعم من السنة والأكراد لتحقيق أغلبية مطلقة في البرلمان. وفي العام 2014، لم يكن من الصعب على إيران أن تقنع التحالفات الشيعية الثلاثة بتجاوز خلافاتها والتوحد تحت راية “التحالف الوطني”. وفي العام 2018، وعلى الرغم من الخصومات بين المالكي والأميري، سوف يكون من السهل إقناع تحالفي “دولة القانون” و”الفتح” –وكلاهما يحتفظان بعلاقات وثيقة مع إيران- بتشكيل تحالف. وربما لا يكون أمام تحالف الحكيم “الحكمة” –الذي قد يكون الأضعف- خيار آخر سوى الانضمام. لكن الأقل احتمالاً –وإنما الممكن أيضاً، اعتماداً على نتائج الانتخابات- هو أن يجلب العبادي تحالفه، “النصر”، ويضمه إلى التحالف من أجل البقاء في النظام. وسيكون الأقل احتمالاً على الإطلاق للانضمام إلى مثل هذا التحالف هو ائتلاف مقتدى الصدر، بسبب تحالفه مع الشيوعيين وبسبب انفصال الصدر المعروف عن إيران.
مع ذلك، وفي حال لم تتمكن إيران من أن تجمع معاً بين العبادي والمالكي والأميري في تحالف كبير، فإن النتيجة ستكون قيام معسكرين شيعيين قويين، واحد يرأسه العبادي، والآخر يقوده المالكي والأميري. ويتطلع هؤلاء الثلاثة جميعاً إلى شغل منصب رئيس الوزراء لأنفسهم أو لوكلائهم. وعندئذ، ربما يصبح تحالف الصدر، “سائرون” عنصراً مهماً في تحديد أي معسكر هو الذي يتمتع بفرصة أفضل لتشكيل ائتلاف حاكم. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يحتاج كل من المعسكرين إلى استمالة عدد كبير من السنة والأكراد لتشكيل أغلبية برلمانية، وسوف تكون الاحتمالات مفتوحة النهايات بقدر أكبر.
ما يزال بإمكان الأكراد، الذين لعبوا دورا حاسما في اختيار رئيس الوزراء في العامين 2010 و2014، أن يؤثروا على الاختيار هذه المرة أيضاً. ويمكن أن يشكل ذلك أخباراً سيئة بالنسبة للعديد من الأحزاب، حيث يمكن أن يؤدي الغضب من العبادي بسبب موقفه الحازم في أعقاب استفتاء الاستقلال الكردي، والخوف من زحف قوات الحشد الشعبي على المناطق التي استعادها الأكراد، والتجارب المريرة مع المالكي على مدى ثماني سنوات، إلى حفز الأكراد على تفضيل مرشح جديد للمنصب. وعلى النقيض من ذلك، ينظر السُّنة إلى العبادي على أنه أقل طائفية وأكثر تصالحية واستجابة لاحتياجات السُّنة مما يغلب أن يكونه المالكي أو الأميري.
بالحكم من نتائج الانتخابات السابقة، فإن هناك ثابتين يحكمان المشهد الآن: يجب أن يأتي المرشح لمنصب رئيس الوزراء من واحد من التحالفات الشيعية الرئيسية؛ ويجب أن يكون مقبولا لدى كل من إيران والولايات المتحدة. وكان هذا هو النمط الثابت في العامين 2010 و2014، عندما بدا أن كلا من إيران والولايات المتحدة متفقتين ضمنياً على شخص الرئيس. والآن يعمل عدد من التطورات كحوافز لإيران لكي ترى حليفاً قوياً لها وهو يُنصَّب في بغداد. وتنظر إيران إلى التوترات المتصاعدة باستمرار مع الولايات المتحدة ووجود القوات الأميركية في العراق على أنها تهديد وجودي. وبنفس المقدار، يمكن أن تؤدي العلاقة التي تصبح أكثر دفئاً بين السعودية وبغداد إلى تقويض النفوذ الإيراني في العراق. ويجعل انخراط إيران في سورية وطموحها إلى إقامة طريق إمداد متصل غير منقطع إلى البحر المتوسط من وجود حكومة صديقة في بغداد ضرورة حتمية. كما تحتاج إيران أيضاً إلى حليف في بغداد لتأمين مصالحها الاقتصادية. وعلى النقيض من ذلك، يبدو الموقف الأميركي الراهن في العراق أكثر تركيزا على محاربة الإرهاب من تركيزه على بناء تحالف بعيد الأمد، ويبقى السؤال حول مدى النفوذ التي ترغب الولايات المتحدة في تحقيقه -أو تستطيع تحقيقه- في أعقاب انتخابات هذا الشهر، مقارنة بالنفوذ الذي مارستها في العامين 2010 و2014، مفتوحا.
حاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انتهاج سياسة توازِن ما بين الولايات المتحدة وإيران على مدى السنوات الأربع الماضية، وأعلن مراراً أن العراق لن يصبح مسرحاً للحروب بالوكالة بين الطرفين. ويمكن لنتائج الانتخابات والسيناريوهات المختلفة للتحالفات التي قد تتشكل في ما بعد الانتخابات أن تقود العراق إلى واحد من اتجاهين: استمرار في هذا الطريق “المحايد”، أو تبني سياسات أكثر تطلعاً نحو الشرق.
*ناشطة سياسية، وسفيرة عراقية سابقة إلى الولايات المتحدة. عملت كزميل رفيع للشأن العراقي في المعهد الأميركي للسلام، وهي مؤسس مشارك ورئيسة “المؤسسة العراقية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى