نظرة عليا – مقال – 11/10/2012 تعادل سياسي في الأردن
بقلم: عوديد عيران
اذا ما استمر الاخوان المسلمون ومنظمات معارضة اخرى في مقاطعة الانتخابات، فان النظام سيقف امام خطر ان تعلن المعارضة البرلمان القادم بانه “برلمان دمى” وتؤدي بذلك الى الطعن بشرعيته حتى قبل أن ينعقد.
المظاهرة التي عقدت يوم الجمعة، 5 تشرين الاول 2012، أمام مسجد الحسيني في عمان كانت هي الاكبر منذ بدء الانتفاضات العربية. حتى الان، تعد هذه أنباء طيبة من زاوية نظر المعارضة في الاردن، بل ولعلها الوحيدة. فتحت علم انقاذ الامة، لا يمكن للمنظمين، ولا سيما جبهة العمل الاسلامي التي تمثل الاخوان المسلمين، ونحو 70 منظمة معارضة مختلفة، لا يمكنها أن تكون راضية في ضوء 10 الاف متظاهر. فمنذ أسابيع وهم يرفعون بشكل علني مستوى المشاركين في الدعوة الى مظاهرة من خمسين الف مشارك، في محاولة لمحاكاة “مظاهرة المليون” التي عقدت في مصر. وتوقعت سلطات الامن المختلفة مسبقا فشل المنظمين في تجنيد 50 ألف شخص والمظاهرة المضادة، المؤيدة للحكومة، الغيت. فقد شعر رئيس الوزراء فايز الطراونة بما يكفي من الثقة بالنفس كي يغادر عمان قبل يوم من ذلك واللقاء مع الرئيس ورئيس الوزراء الفلسطينيين في رام الله. واذا كان يمكن توقع بعض المكاسب السياسية من الزيارة، فان هذه الخطوة وفرت عمليا ربحا سياسيا قليلا فقط – وذلك لان الموضوع الفلسطيني يكاد يكون عنصرا غير موجود على جدول أعمال المعارضة.
ومع ذلك، فان الملك عبدالله الثاني لا يمكنه أن يتمتع بزمن كبير آخر من فشل المعارضة في الوصول الى الهدف الرقمي الذي وضعته لنفسها. فالمطلب المركزي للمعارضة يرفع بشكل واضح وبصوت عالٍ من وسط عمان من أمام مسجد الحسيني وفي كل قنوات الاعلام التي لم تمتنع عن اصدار التقارير لتقول: ملكية دستورية، برلمان منتخب بطريقة ديمقراطية تماما، معركة حقيقية ضد الفساد، استقلال الجهاز القضائي وانتهاء تدخل سلطات الامن في الشؤون السياسية والمدنية. المطلب الاصعب هو، بطبيعة الحال، طريقة الانتخابات وبالاخص – صلاحيات الملك. الجمود في هذا الموضوع بقي على حاله. فالملك عبدالله مصمم على تنفيذ خطته في اجراء الانتخابات العامة قبل نهاية السنة. وفي الاسبوع الماضي حل البرلمان، ويتواصل تسجيل المقترعين، وان كان بوتيرة بطيئة، وحسب مصادر حكومية وصل حتى الان الى ثلثي عموم اصحاب حق الاقتراع، نحو 3 مليون. اما المعارضة بالمقابل، فتواصل مقاطعة الانتخابات المخطط لها. ويدير النظام والمعارضة محادثات تجرى بين شخصيات سياسية ادت وظائف في حكومات مختلفة في الماضي، مثل فيصل الفايز وجواد العناني من جهة، وزعماء الاخوان المسلمين، من جهة اخرى، ولكن المحادثات لم تنتج بعد صيغة توفيقية. ومع ذلك، يحتمل أن تكون ساعدت على ان تنهي بشكل هاديء المظاهرة التي جرت يوم الجمعة الماضي. حقيقة أن الحكومة تراجعت عن عقد المظاهرة المضادة، والشكل المنضبط الذي عالجت فيه قوات الامن بعض المتظاهرين المتحمسين، كفيلة بان تساعد على المضي قدما في المفاوضات بين الحكومة والمعارضة؛ الايام ستقول.
الاخوان المسلمون ومنظمات المعارضة الاصغر مطالبون الان باجراء اعادة تقويم للمظاهرة التي جرت يوم الجمعة. ففشلهم في تجنيد 50 الف متظاهر كفيل بان يؤثر على اعتباراتهم السياسية في شكلين، كل واحد منهما يختلف تماما عن غيره. فمن جهة، اذا ما حاكمنا الامور حسب المقابلات الصحفية التي اجريت مع عناصر المعارضة بعد المظاهرة، فانهم كفيلون بان يقرروا بان قوتهم لا توجد في الاعداد بل في نوعية الرسالة، وبالتالي فانهم سيواصلون مقاطعة الانتخابات الى أن ينجحوا في انتزاع تنازلات اخرى من القصر. هذه التنازلات كفيلة بان تجد تعبيرها في شكل اعضاء برلمان آخرين اضافيين ينتخبوا على المستوى القطري، بدلا من المستوى المحلي، او في شكل تأجيل الانتخابات الى ما بعد نهاية السنة الحالية. وتتمنى المعارضة أغلب الظن هذا التأجيل، وذلك لانه يفهم من الحضور الهزيل نسبيا في مظاهرة يوم الجمعة الاخيرة، بوضوح بانها غير جاهزة من ناحية لوجستية للتنافس في الانتخابات العامة مع الناخبين المؤيدين للنظام.
الملك من جهته قد يكون متشجعا من المظاهرة الاضيق مما وعد، ولكن سيتعين عليه مع ذلك ان يقرر كيف يتصدى للمعارضة بالشكل الافضل. احدى الامكانيات التي تحت تصرفه هي مواصلة خطته، وفي أعقاب حل البرلمان واستقالة الحكومة الحالية، وتعيين محكمة دستورية يواصل خطوات اخرى كتشديد الكفاح ضد الفساد. ولكن اذا ما استمر الاخوان المسلمون ومنظمات معارضة اخرى في مقاطعة الانتخابات، فان النظام سيقف امام خطر ان تعلن المعارضة البرلمان القادم بانه “برلمان دمى” وتؤدي بذلك الى الطعن بشرعيته حتى قبل أن ينعقد. في سيناريو من هذا القبيل، اذا ما شعر سواء القصر أم المعارضة بفقدان المصداقية والشرعية، فستكون احتمالات الحل الوسط أعلى. أما في المدى البعيد، فان النظام سيتصدى لمعارضة متصاعدة، ولا سيما اذا ما حققت الانتفاضات في دول المنطقة النجاح، واذا لم يطرأ تحسن هام في الوضع الاقتصادي.
في ذات اليوم الذي عقدت فيه المظاهرة، 5 تشرين الاول 2012، أعلن وزير المالية الاردني بان الكويت حولت الى الاردن 250 مليون دولار كقسم من 5 مليار دولار خصصها له الاعضاء الاربعة في مجلس التعاون الخليجي. توقيت النشر لم يكن مصادفة، ولكن النظام مطالب بان يتخذ خطوات اضافية كي يضعف العناصر التي انضمت الى المعارضة بالاساس كاحتجاج على رفع الاسعار وعلى الغاء الدعم الحكومي لبعض المواد.