ترجمات عبرية

نظرة عليا–  عقد على الحرب في سوريا ،  مطلوب تحول في النهج الاسرائيلي

نظرة عليا– بقلم  اودي ديكل وكارميت بلنسي – 6/4/2021

” لم يعد وجود الأسد مريحا لإسرائيل والتوصية هي المساهمة في جهد دولي لازاحته مقابل إعادة بناء سوريا وذلك كمدخل لابعاد ايران عن المنطقة “.

       في ختام عقد على نشوب الحرب الاهلية في سوريا واضح أن سوريا، مثلما كانت بين السنوات 1963 – 2011 كفت عن أن تكون. فالعصيان المدني الذي قمع بوحشية من نظام ديكتاتوري، مسنود عسكريا ودبلوماسيا من روسيا وايران، ترك سوريا منقسمة الى مناطق نفوذ وسيطرة باسناد دول اجنية. هذا الواقع يفرغ من مضمونه الشعار الذي يطلق كثيرا من جانب محافل سورية وبعض من الدول الغربية عن “الحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السورية. يبدو أن في المستقبل المنظور ستبقى الدولة السورية منقسمة ومفككة.

       “خريطة السيطرة”:  سوريا منقسمة واقعيا الى عدة جيوب: بشار الاسد، بمساعدة عسكرية من روسيا وايران وفروعها، يسيطر ظاهرا على ثلثي الدولة، ولا سيما على العمود الفقري الذي يربط بين المدن الكبرى حلب، حمص ودمشق، وبقدر اقل في الجنوب. منطقة ادلب في شمال غرب سوريا، هي جيب للثوار برعاية تركيا، على طول الحدود السورية التركية توجد مناطق تحت سيطرة تركية. معظم المناطق في الشمال الشرقي من الدولة، والتي تضم معظم المقدرات الطبيعية، تخضع لسيطرة كردية برعاية الولايات المتحدة. وفي وسط وشرق سوريا تعمل خلايا لداعش. السيطرة على الحدود السورية تشهد هي ايضا على سيادة منقوصة: 1. الجيش السوري، التابع لنظام الاسد، سيطر على نحو 15 في المئة من الحدود البرية الدولية؛ 2. حدود سوريا – لبنان توجد تحت سيطرة حزب الله؛ 3. حدود العراق – سوريا توجد تحت سيطرة ميليشيات شيعية – فروع ايرانية – على جانبيها.

       حدود سوريا: تركيا توجد تحت سيطرة جملة من الجهات ليس نظام الاسد وسيدته ايران بينها.

       الوضع الانساني: في العقد من الحرب فقد حياتهم نحو نصف مليون شخص (في مرحلة معينة توقفت محافل الامم المتحدة احصاء الضحايا)؛ نحو 12 مليون شخص فقدوا بيوتهم وهم اليوم إما لاجئين أو نازحين، 90 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. يسيطر الاسد على نحو 12 مليون نسمة من السكان الذي يقدر عددهم بـ 17 مليون. وتوجد الدولة على شفا ازمة نجاعة بينما النقص في المواد الاساسية لا سيما مع الخبز والوقود يتعاظم. يقدر بان نحو 11 مليون  من السكان يحتاجون الى مساعدة انسانية.

       البنى التحتية: اكثر من ثلث البنى التحتية في الدولة دمرت أو تضررت بشدة. في الحرب ضد المعارضة المسلحة، هاجم سواء النظام ام حلفاؤه – روسيا وايران – مراكز المدن، بما في ذلك في ظل استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة كجزء من استراتيجية التدمير لتصفية المناطق التي يسيطر عليها الثور. وتقدر كلفة اعادة بناء سوريا بنحو 250 – 350 مليار دولار وفي هذه المرحلة لا توجد جهة قادرة أو معنية  بتمويل اعادة البناء.

        المكانة الاقليمية والدولية: يقاطع الغرب نظام  الاسد ويلوح أن ادارة بايدن تواصل السياسة الامريكية الحازمة تجاه الاسد، باتخاذ عقوبات ضده وضد محيطه، عدم الاعتراف به كزعيم شرعي او بنتائج الانتخابات للرئاسة التي ستجرى في نيسان – ايار وذلك طالما لا تلوح في الافق اصلاحات  سياسية وبداية استقرار واعادة بناء سوريا وفقا “لخريطة الطرق” التي وضعتها الامم المتحدة – مشروع  2245. للاسد عدد قليل من الاصدقاء في الشرق الاوسط، رغم أن عدد الدول التي طبعت  علاقاتها معه مثل عُمان، البحرين واتحاد الامارات بل ومصر والاردن  سلموا ببقائه في الحكم، وهم يدعون مؤخرا الى التخفيف من العقوبات على الشعب السوري. ومع ذلك، بقيت سوريا خارج الجامعة العربية. روسيا، التي تعترف بانه مطلوب اصلاح سلطوي واقتصادي في سوريا كي يعترف العالم بالنظام فيها كصاحب السيادة الشرعي، لا تنجح في تحقيق تسوية سياسية. من ناحيتها، الثمن  السياسي لانهاء حكم الاسد جسيم لانها لا تشخص جهة مستقرة يمكنها أن تحل محله. على هذه الخلفية، تحاول موسكو ان تسوق كشرعي نظام الاسد الاجرامي في اوساط الاسرة الدولية.

       لماذا ينبغي لنهج “الشيطان المعروف” ان يتغير؟

       منذ بدأ التدخل الروسي في الحرب في سوريا، في اواخر 2015، سلمت اسرائيل استمرار حكم نظام الاسد بمثابة تفضيل “الشيطان المعروف”. وباستثناء جهد متواصل للتشويش على بناء “آلة الحرب” الايرانية في الاراضي السورية، اختارت اسرائيل الجلوس على الجدار وعدم المشاركة في الصراع بين الجهات السورية المتخاصمة. ولكن صورة الوضع الحالية تستوجب اعادة تقويم السياسة الاسرائيلية واساسا الفهم بان النهج الذي وجه سياسة عدم التدخل فقد مفعوله للاسباب التالية:

       اولا، بشار الاسد هو الذي منح ايران الفرصة لتوسيع نفوذها في سوريا والتموضع في مستويات مختلفة في الدولة على مدى الزمن، وهكذا خلق لاسرائيلي تحديا امنيا عظيم المعنى على حدودها الشمالة. دعمت طهران الاسد ولا سيما من خلال حزب الله، وكيلها اللبناني وكذا ميليشيات قتالية جندت من السكان الش يعة في العراق، افغانستان والباكستان. في السنتين الاخيرتين، تركز ايران على تجنيد مقاتلين سوريين ودمجهم بميليشيات الدفاع المحلية، تدربهم وتسلحهم؛ تعمق ايران نفوذها في الجيش السوري من خلال تأهيل قادة كبار والمساعدة في بناء القوة العسكرية؛ يسيطر حزب الله على طول حدود سوريا ولبنان ويشكل خلايا ارهاب في هضبة الجولان؛ تهيىء ايران قواعد لقوة القدس من الحرب الثوري الايراني في شمالي سوريا، مما يسمح بانتشار سريع للقوات ووسائل اطلاق  الصواريخ والطائرات المسيرة الهجومية نحو اسرائيل عند الطواريء. اما الهجمات الجوية الاسرائيلية فلا تمنع التموضع والنفوذ الايراني المتعاظم في سوريا وان كانت تشوش بعض الشيء المخططات الايرانية  لخلق جبهة هجوم  ضد اسرائيل في اراضي الدولة. طالما كان الاسد في الحكم – فان التحدي الامني امام اسرائيل بهذا المعنى سيتعاظم.

       ثانيا، لا يوجد توقع لحل سياسي للازمة في سوريا طالما كان الاسد في الحكم. قسم هام من سكان الدولة لا يعترفون به كحاكم شرعي. شرارات الاحتجاج تبدو منذ الان حتى في أوساط الطائفة العلوية، التي لم يتجاوزها العوز والجوع. من هنا فان بقاء الأسد سيضمن لسنوات أخرى انعدام الاستقرار وسيعمق تلك الظروف التي أدت الى نشوب الحرب منذ البداية. وإصرار الأسد على عدم اجراء اصلاحيات سلطوية او أي تنازل سياسي هو عائق في وجه كل محاولة تحقيق تسوية بوساطة الأمم المتحدة او بقيادة روسيا. فما بالك أن الولايات المتحدة تمتنع عن المطالبة الصريحة بـ “تغيير النظام”، ومطالبها تدل على انها تسعى الى هناك. إدارة بايدن تواصل خط نظام ترامب وتمنع كل مساعدة اقتصادية لاعادة بناء سوريا بغياب تنازلات سياسية وعودة الى مسار الأمم المتحدة. إضافة الى ذلك فان بقاء الأسد في الحكم يضمن الا يعود معظم اللاجئين الى سوريا خوفا من ان يعتقلوا ان يجندوا قسرا الى صفوف قوات النظام. إضافة الى التخوف من العودة الى الدولة التي سلبت فيها ممتلكاتهم، مع اقتصاد مدمر وغياب افق تشغيلي.

       ثالثا، بقدر ما يدور الحديث عن نظام الأسد، فان حجة أنه يوجد “عنوان مسؤول” يمكن ان تتبع تجاهه قواعد لعب فقدت من قيمتها. والدليل هو أن الأسد لا يسيطر بشكل فاعل حتى في المناطق التي سيطر عليها عسكريا. جنوب سوريا هو حالة اختبار واضحة لذلك: مع عودة السيطرة الى قوات النظام في صيف 2018، أصبحت المنطقة مجال للفوضى في خليط من الفصائل المسلحة التي تقاتل الواحدة الأخرى دون أن ينجح النظام في لجمها –  بينها جهات معارضة، جهات تخضع للنفوذ الإيراني او الروسي وكذا جهات محلية تتمتع بقدر من الاستقلالية في علاقاتها مع النظام المركزي.

        وأخيرا، فضلا عن تقويمات الوضع الاستراتيجية، فان الاعتبار الأخلاقي يجب أن يؤخذ بالحسبان من جانب اصحاب القرار في اسرائيل والاسرة الدولية. الاعتراف الدولي بزعيم ارتكب على مدى السنين جرائم حرب ولا يزال يواصل التنكيل بالمواطنين – بعض من الحالات لم ينكشف للعالم الا مؤخرا – هو ليس اقل من وصمة عار أخلاقية على جبين من يسعون الى قبوله في حضن  المنظومة الإقليمية والدولية.

       التوصيات

        ثلاث فرضيات لإسرائيل تبددت: الأولى ان جهد الهجمات سيمنع التموضع الإيراني العسكري في سوريا؛ الثانية، ان روسيا ستبذل جهدا لدحر الفروع الإيرانية عن سوريا وتقليص نفوذ طهران في الدولة؛  والثالثة ان من الأفضل حكم مركزي، حتى تحت قيادة الأسد، في دولة موحدة، على كثرة العناوين. يجمل بإسرائيل أن تعترف بان سوريا ستبقى منقسمة ومتنازعة وانه طالما كان الأسد في الحكم لن يكون ممكنا دحر ايران وفروعها من أراضي الدولة. وبالتالي عليها أن تشجع مبادرة واسعة لازاحة الأسد عن الحكم مقابل المساهمة الدولية ومن دول الخليج العربي لاعادة بناء سوريا.

       الى أن تستقر سوريا من جديد، على إسرائيل أن تأخذ مخاطر في المدى الزمني القصير كي تمنع ايران وفروعها من السيطرة على سوريا، وذلك من خلال زيادة دورها في ثلاثة مجالات استراتيجية حيوية لها:

       جنوب سوريا– لمنع ايران من إقامة حدود إرهاب واحتكاك عال في هضبة الجولان من خلال فروعها، على إسرائيل أن تستغل ضعف نظام الأسد ومنافسة النفوذ بين ايران وروسيا كفرصة لاتخاذ سياسة فاعلة في المجال: ضرب الفروع الإيرانية، بما في ذلك قوات حزب الله وبالتوازي تعزيز القوات المحلية، سواء السنية أم الدرزية وإقامة علاقات مع السكان المحليين المعارضين للنظام في ظل منح مساعدة إنسانية تساهم في خلق “جزر نفوذ إسرائيلية” وهكذا تشوش مخطط التموضع الإيراني في المنطقة.

       في شمال شرق سوريا – مع التشديد على منطقة الحدود العراقية السورية على إسرائيل أن تستعد لسيناريو اخلاء قوات الولايات المتحدة. ايران جاهزة للسيطرة على الفراغ الذي سينشأ لتثبيت الجسر البري من العراق الى سوريا ولبنان. نوصي إسرائيل بتطوير قنوات تعاون، في الظل، مع القوات الكردية ومنحها مساعدة عسكرية واقتصادية والى جانب ذلك بناء منصة لنشاط عملياتي متواصل في هذه المنطقة لمنع السيطرة الإيرانية على هذا الإقليم الاستراتيجي، الغني بمقدرات الطاقة والزراعة.

  1. الحدود السورية – اللبنانية. الرد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل اتسع الى الأراضي السورية الى المنطقة المحيطة بالحدود السورية – اللبنانية. هذه المنطقة التي توجد تحت سيطرة حزب الله تسمح للمنظمة بنقل الوسائل القتالية الى لبنان وإقامة صناعة تهريب حيوية لها بل ونشر وسائل قتالية في يوم الامر توجه ضد إسرائيل. ان سيطرة حزب الله على الحدود السائبة بين سوريا ولبنان تعبر عن ضعف استراتيجي لإسرائيل سمحت بتعاظم المنظمة بعد حرب لبنان الثانية وتشكل رافعة نفوذ سياسي عسكري اقتصادي واجتماعي لحزب الله في سوريا. نوصي بان تصعد إسرائيل نشاطها العملياتي في المنطقة في اطار الحرب ما بين الحروب. والى جانب ذلك ان تشجع تدخلا دوليا لاغلاق الحدود بين سوريا ولبنان على أساس التقدير بان هذه الخطوة حيوية لاعادة بناء لبنان مثلما لاضعاف الجهات المتطرفة في المنطقة كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى