ترجمات عبرية

نظرة عليا / السعودية تتقدم في البحث النووي

نظرة عليا – بقلم أفرايم أسكولاي ويوئيل جوجنسكي  – 3/12/2018

وضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شهر تشرين الثاني حجر الزاوية لمشروع اقامة مفاعل بحث نووي أول في المملكة. وذلك في اطار سبعة مشاريع علمية – تكنولوجية تأتي على حد قوله للسير بالمملكة الى الامام. فاهتمام المملكة بالمسار النووي ليس جديدا، مثلما هي ايضا المخاوف القائمة في أنه في ملابسات وظروف معينة من شأنها ان تختار التوجه الى الاتجاه النووي العسكري. ناهيك عن أنه ليس لديها بعد قدرات حقيقية، فان المخاوف من مشروع نووي سعودي لاقت مفعولا في شهر اذار الماضي، عندما في رد على سؤال في الموضوع قال بن سلمان – لاول مرة علنا وصراحة – انه اذا اكتسبت ايران قدرة نووية عسكرية – فان المملكة ستكتسب قدرة مشابهة، ولا تأخير.

بينما لا تشكل اقامة مفاعل بحث نووي شرطا مسبقا، الزاميا، لاقامة مشروع مفاعلات توليد قوة واسعة النطاق، مثلما جسدت ذلك اتحاد الامارات، فان هذه من ناحية معينة هي خطوة فهيمة من جانب دولة فقيرة في البنى التحتية البشرية والتكنولوجية. ولكن مثل هذه الخطوة من شأنها ان تقلق، اذا تبين ان هدفها ليس فقط تأهيل طاقم لمشروع اقامة مفاعلات توليد طاقة في الدولة بل وايضا لاعداد البنية التحتية لانتاج محتمل للبلوتونيوم من الوقود النووية التي ستبث في مفاعل البحث. هذا الامر هو بالتأكيد في اطار الممكن اذا تذكرنا بان المفاعل العراقي هو الاخر عرض كمفاعل بحث نووي وكذا مفاعلات اخرى يمكنها، في ظروف معينة، ان تستخدم لهذا الغرض. معقول ان تطلب الولايات المتحدة، ان يشغل المفاعل بوقود مخصبة الى درجة 20 في المئة. فالامر سيمنع استخدام الوقود لفصل البلوتونيوم عنها، ويجعل من الصعب (بل ويمنع) بث اليورانيوم الطبيعي لاهداف انتاج البلوتونيوم منه. ليس معقولا أن توفر الدول الدائمة العضوية الخمسة للرياض مفاعلا مشغلا باليورانيوم الطبيعي، والذي من الاسهل انتاج البلوتونيوم للاغراض العسكرية منه. وحسب احد المصادر، فان قدرة المفاعل ستكون متدنية جدا – نحو مئة كيلو واط بمستوى يسمح بالدراسة والبحث ولكن ليس لانتاج البلوتونيوم بكميات ذات مغزى.

وبالتوازي، فان المفاوضات للتعاون في المجال النووي بين الولايات المتحدة والسعودية استؤنفت في السنة الاخيرة. ووصلت الاتصالات بين الطرفين الى طريق مسدود في عهد ادارة اوباما بسبب رفض المملكة التنازل عن “حقها” في تخصيب اليورانيوم القادر على أن يشكل كوقود نووية لمشروع مفاعلات توليد الطاقة.

ولكن ادارة دونالد ترامب تفكر بتغيير النهج والسماح بالتخصيب في السعودية ضمن قيود. وزير الطاقة الامريكي، ريك بيري، هو بقدر كبير القوة المحركة من خلف الخطوة، ولكنه يصطدم بمعارضة معينة من جانب مشرعين جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء ممن يطرحون تخوفا من نوايا المملكة في المجال النووي. اضافة الى ذلك، فان بعضهم يسعى الان الى تجميد المفاوضات السرية مع السعوديين في اعقاب قتل خاشقجي والتدخل السعودي في اليمن. الضغط من جانب الكونغرس على الادارة سيتغلب الان على الكثير من المشرعين الكثيرين ممن يسعون الى اجراء “اعادة تقويم” لمنظومة العلاقات مع الرياض، الامر الذي سيجعل المفاوضات النووية اكثر صعوبة. يجدر بالذكر ان تخصيب اليورانيوم يمكن بالتأكيد ان يستخدم لاغراض شرعية تتمثل بتوريد وقود نووية لمفاعلات توليد الطاقة، ولكن يمكن ان يستخدم ايضا كمصدر للمادة المشعة لسلاح نووي، مثل المشاريع العسكرية التي طورتها الباكستان وايران.

لا تريد السعودية التخلف عن ايران، وقد أعلنت قبل بضع سنوات عن مشروع نووي طموح، بل طموح جدا، لبناء ما لا يقل عن 16 مفاعل نووي كان موعد انهائها يتأجل كل الوقت، وهو اليوم 2040. ولغرض بناء المفاعلين الاولين تلقت الرياض اقتراحات من شركات في الولايات المتحدة، الصين، روسيا، فرنسا وجنوب كوريا، واعلنت بانها ستختار قريبا الشركات التي ستبدأ ببناء المفاعلين اللذين سيكونان نشيطين قبيل نهاية العقد القادم ويقاما، على ما يبدو على شاطيء الخليج الفارسي قرب الحدود مع اتحاد الامارات. وتحظى شركة الكهرباء الكورية الجنوبية “NPT” بتقدير شديد في الرياض في ضوء نجاحها في بناء المفاعلات في اتحاد الامارات، ولها على ما يبدو فرصا كبيرة لان يتم اختيارها لبناء المفاعلات السعودية.

تطرح السعودية حججا ثقيلة الوزن حول حاجتها للطاقة النووية المدنية للاستجابة الى مطالبها المتعاظمة من الطاقة، وتخفيض تعلقها بالنفط وتحرير المزيد منه للتصدير، ولكن واضح تماما ان الدافع الرئيس في هذا الوقت لتطوير النووي هو دافع امني. ففي نظر السعودية، زاد الاتفاق النووي الذي وقع مع ايران عدوانية طهران ولم يوقف تطلعاتها النووية بعيدة المدى. دافع آخر هو المكانة. مثلما لا يريد السعوديون التخلف وراء ايران، فانهم لا يرتاحون للتقدم السريع نسبيا والذي كان حققه اتحاد الامارات في هذا المجال. فمنذ الازل كانت المنافسة على المكانة ميزة مركزية في العلاقات بين دول الخليج العربية، وهي تحرك الكثير من النشاطات في مجالات البنية التحتية في هذه الدول، ولكن في مجال المشتريات العسكرية ايضا. يحتمل أن يكون التهديد المبطن في تحريك المشروع يستهدف ممارسة الضغط على الولايات المتحدة والاسرة الدولية لتشديد الضغط على ايران لمنعها من الحصول على سلاح نووي. ولكن للاعلان عن بناء المفاعل، في هذا التوقيت، يوجد ايضا بعد داخلي يرتبط بمكانة بن سلمان ورغبته في تثبيتها، ولا سيما على خلفية قضية خاشقجي.

اتحاد الامارات الذي أكمل في شهر نيسان 2018 بناء مفاعل نووي مدني أول في اراضيه، تعهد في اتفاق مع الولايات المتحدة من العام 2009 بعدم تخصيب اليورانيوم، مقابل تلقي مساعدة نووية دولية ضرورية. وحظي هذا المستوى بلقب “منسوب الذهب” لنظام منع الانتشار النووي، ولكن السعوديين غير مستعدين لقبوله، إذ برأيهم اذا كان مسموحا لايران، فمسموح لهم ايضا.كقاعدة، فان السعودية معنية بان تثبت نفسها هكذا بحيث تكون لديها معظم الخيارات، بما فيها النووي، مفتوحة. يوجد لها، اكثر من أي جهة اخرى في المنطقة، دافع استراتيجي وقدرات اقتصادية لعمل ذلك. فبرنامج نووي في الوقت الحاضر سيساعدها على السير في الخط ليس فقط مع ايران بل ومع اتحاد الامارات، تركيا ومصر، التي توجد في بداية الطريق، ولكن تتقدم عليها في هذا المجال. وبالنسبة للرقابة على البرنامج النووي السعودي، فقد وقعت الرياض على اتفاق منع انتشار النووي NPT“” ومع انها موقعة على اتفاق الرقابة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ 2009، الا ان هذا اتفاق بالحد الادنى وليس “اتفاقا شاملا” وهي ليست موقعة على “البروتوكول الاضافي” الذي يوسع جدا صلاحيات رقابة الوكالة. اما الاتفاق الحالي فيلزمها بالقليل جدا، وهو واجب التغيير في كل الاحوال، مع بدء اقامة مفاعل البحث.

ان تطوير برنامج نووي مدني سعودي هو هدف للمدى البعيد بسبب غياب البنية التحتية المعرفية والمنشآت المناسبة في المملكة. الاتفاق مع ايران، اذا ما بقي على حاله، يمنح السعودية عقدا من السنين تتمكن فيه من تطوير جهد نووي “مدني”، دون ان تترك ميثاق منع نشر السلاح النووي. في المدى القصير، في سيناريو تنطلق فيه ايران نحو سلاح نووي في اثناء هذه الفترة، يحتمل ان يكون لدى السعودية جواب معين على شكل الباكستان. هذه، رغم الخلافات معها في السنوات الاخيرة، لا تزال تشكل سندا استراتيجيا للسعودية، ومن شأنها أن تعطيها المساعدة في مجال السلاح النووي.

تقف اسرائيل امام معضلة. من جهة، فان اعطاء شرعية، حتى وان كانت بالصمت، لقدرة تخصيب في السعودية في اطار المفاوضات بينها وبين الولايات المتحدة، من شأنه ان يجر انهيارا متتابعا للانتشار الاقليمي، اذا ما طلبت دول كالاردن، مصر وتركيا هي الاخرى هذا “الحق”. من شأن اتحاد الامارات ايضا ان يرى نفسه غير ملزم بالاتفاق معها، مثلما سبق أن ألمح. في كل الاحوال اذا قررت السعودية في المستقبل بان عليها ان تحصل على قدرة نووية عسكرية، فان المشروع  النووي المدني المخطط له اليوم من شأنه ان يسمح بمسار قصير نحوها. بالمقابل، لاسرائيل مصلحة أن تكون الولايات المتحدة، الملتزمة اكثر بمنع الانتشار النووي، وليس الصين أو روسيا، هي التي تحظى بحق الوصول الى السوق النووي السعودي.

وبالتالي، معقول ان تضغط الولايات المتحدة لمنح الرخصة لكوريا التي ستبني مفاعلات توليد طاقة من انتاج ويستنغ هاوس. هكذا تتمكن واشنطن من أن تكون على علم بما يجري في هذا المجال هناك، وتحظى برافعة تأثير اخرى على الرياض. بهذا الشكل سيكون ممكنا ايضا تقليص القدرة والدافعية لدى السعودية لتطوير قدرات نووية بالسر. وهنا يطرح السؤال الواجب بشأن الشركة التي ستنتج مفاعل البحث في الرياض. هناك مصادر عديدة محتملة لهذا الامر، بدء بالولايات المتحدة ومرورا بالعديد من الدول مثل فرنسا، روسيا، الصين، الارجنتين ويحتمل ايضا الباكستان. وسيقرر مورد المفاعل بقدر غير قليل  ما هي غايته، اذ واضح بما يكفي انه سيكون لهذا المورد تأثير لا بأس به سواء بالنسبة لغايته المستقبلية أم بالنسبة لتوريد مفاعلات توليد الطاقة.

لن تنجح الرياض باستكمال المشروع النووي القادر على الديمومة دون مساعدة مكثفة من الخارج. وسيتعين على الولايات المتحدة والسعودية أن تجد حلا وسط. احدى الامكانيات هي منح شراكة (مالية – وليس فنية) في منشأة امريكية تخصب اليورانيوم، من مادة خام سعودية (الشاه الايراني كان شريكا في مصنع تخصيب فرنسي). امكانية اقل معقولية هي أن تقيم الولايات المتحدة وتشغل منشأة التخصيب على ارض السعودية. يسعى الرئيس ترامب الى الحفاظ على علاقاته مع الرياض، ويرى امام ناظريه مصالح الصناعة النووية الامريكية التي توجد في مصاعب. يجدر باسرائيل التي تتقاسم هي الاخرى مصالح لا بأس بها مع الرياض، ووفقا لبعض التقارير تتمتع بتعاون معها، ان تعمل في واشنطن على منع اعطاء قدرة تخصيب غير محدودة للسعودية وان تحاول التأكد من أن الصفقة النووية بينهما، اذا ما خرجت الى حيز التنفيذ، ستكون قريبة قدر الامكان من “منسوب الذهب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى