ترجمات عبرية

نظرة عليا – الجمهور العربي قبيل الانتخابات للكنيست الـ 24 : بين البراغماتية الجماهيرية والدوغماتية الحزبية

نظرة عليا بقلم  افرايم لفي،  مئير الران،  خضر سواعد، يوسف  مقالدة21/1/2021

ليس واضحا بعد كيف ستوزع الاصوات في الجمهور العربي وماذا سيحصل في مفاوضات ائتلافية في المستقبل. في كل الاحوال يبدو أن استمرار التعادل السياسي سيزيد جاذبية الصوت العربي  ويسمح له بتحقيق انجازات هامة رغم وجود واضح لنهج الاقصاء له في اوساط الجمهور اليهودي“.

تتصدر الطبقة الوسطى في المجتمع العربي في اسرائيل في العقد الاخير ميلا واضحا يسعى لدمج العرب في الدولة في مجالات الاقتصاد، المجتمع، الثقافة وكذا في المجال السياسي. وذلك في ظل التصدي لاقصاء متواصل، جماهيري، سياسي وثقافي، من جانب أجزاء واسعة من المجتمع اليهودي ومن جانب الدولة. وتلقى هذا الموقف من الجمهور اليهودي ومن الدولة الشرعية القانونية في “قانون القومية” وفي تعديل 116 لقانون التخطيط والبناء (“قانون كامينتس” الذي شدد العقاب على البناء غير القانوني)، وكذا في التحريضات التي يطلقها السياسيون. اما الجمهور العربي من جهته فيواظب على التطلع الى احلال تحسين جذري في مكانته وفي وضعه، بما في ذلك من خلال المشاركة السياسية النشطة في سياقات اتخاذ القرار، كي يحقق المساواة الكاملة في الحقوق المدنية وتوزيع المقدرات اكثر توازنا. وشجع تشكيل القائمة المشتركة (2015) في اعقاب رفع نسبة الحسم، وكذا انجازاتها في الانتخابات الاخيرة، هذا الميل الجماهيري. بالمقابل، يواصل الجمهور الاسرائيلي كقاعدة ادارة الظهر لهذا الميل. في استطلاع معهد “بحوث الامن القومي” (تشرين الثاني 2020) تبين أن نحو 60 في المئة من الجمهور اليهودي يتفق على أنه لا ينبغي تشكيل  حكومة مع الاحزاب العربية.

منذ ما قبل الانتخابات للكنيست الـ 22 (ايلول 2019) صرح رئيس القائمة المشتركة ايمن عودة بان المجتمع العربي ناضج لان يكون لاعبا مؤثرا في السياسة الاسرائيلية. وطلب رؤساء القائمة ثقة  الجمهور في ظل التعهد بالتركيز  على المواضيع الداخلية (الصحة، التعليم، السكن، التشغيل، القضاء على العنف والجريمة) – ضمنيا على حساب الانشغال بمواضيع ذات طابع وطني. وصوت الجمهور العربي بجموعه للقائمة المشتركة فمنحها 13 مقعدا في الكنيست الـ 22 و 15 مقعد في الكنيست الـ 23 – ذروة غير مسبوقة. وجاء التصويت الجارف للعرب للقائمة المشتركة على حساب تصويتهم للاحزاب اليهودية، التي انخفضت نسبة التأييد لها في الانتخابات للكنيست المنصرفة الى الحد الادنى (12 في المئة في الكنيست الـ 23 مقابل 28 في المئة في الكنيست الـ 21 و 18 في المئة في الكنيست الـ 22.

وجسدت هذه التطورات السياسية ولا سيما الانتخابات المتكررة، في ضوء التعادل المتواصل بين الكتلتين المتخاصمتين، جسدت الامكانية الحرجة للصوت العربي ورفعت الى الخطاب  الجماهيري مسألة شرعيته وامكانية دمج العرب في ائتلاف حكومي. هكذا، قبيل الانتخابات للكنيست الـ 24 وبعد سنوات طويلة من المقاطعة، نضج في أوساط الاحزاب الصهيونية من اليمين ومن اليسار الاعتراف بانه يجب النظر الى الصوت العربي كعنصر شرعي في بناء ائتلاف  حكومي.

في الجمهور العربي ايضا يجري حوار يقظ في هذا الموضوع، في ظل خيبة الامل من رفض  كتلة أزرق أبيض الاعتماد على القائمة المشتركة لغرض اقامة ائتلاق برئاستها ولا سيما بعد أن اوصت القائمة بكاملها ببيني غانتس لرئاسة الوزراء. بين عناصر القائمة المشتركة نشب خلاف حاد في مسألة كيفية الرفع الى الحد الاقصى بقوتها السياسية في صالح تحقيق المصالح الحيوية  للمجتمع العربي. منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة (الحركة الاسلامية الجناح  الجنوبي)، والذي يقود الان نهجا سياسيا براغماتيا، في  السعي الى تعاون سياسي مع كل قيادة، بما فيها من اليمين، مع الابقاء في الظل للجانب الوطني –  الفلسطيني. هكذا دعا عباس القائمة المشتركة الا تكون مكبلة بنهجها الايديولوجي – الوطني، الذي لا يسمح لها بمرونة سياسية. في هذا الضوء يمكن ان نرى خطوات عباس الاخيرة، التي تستهدف الدفع الى الامام للتعاون مع الليكود، في ظل التركيز على مجالات عملية بينها التصدي للعنف والجريمة وكذا تمديد الخطة الخماسية لتنمية المجتمع العربي (قرار الحكومة 922 في كانون الاول 2015). يبدو أن نهج عباس يستند الى رؤيته للامزجة البراغماتية في الجمهور العربي وكونه ايضا رجل الحركة الاسلامية، التي تشدد على الجانب الديني والاجتماعي على ذاك الوطني. على هذه الخلفية يمكن أيضا ان نرى تشكيل الحزب العربي الجديد “معا”. من سيقف على رأسه، النشيط الاجتماعي محمد دراوشة، لا يرى تناقضا بين كون اسرائيل  دولة يهودية وديمقراطية وبين اعطاء مساواة كاملة في الحقوق لمواطنيها بروح وثيقة الاستقلال. ويعتزم الحزب الجديد التعاون السياسي مع احزاب الوسط الصهيونية كي يندمج في سياقات اتخاذ القرارات في الدولة.

يرى رؤساء القائمة المشتركة ايمن عودة من الجبهة، انطانس شحادة من التجمع واحمد الطيبي  من العربية للتغيير الى هذه الميول بقلق  شديد. وشجبوا خطوات عباس المستقلة بدعوى انها ستمس بوحدة القائمة وبقوتها السياسية في الانتخابات القادمة. وبالنسبة لهم، على القائمة المشتركة ان تواصل مطالبة الدولة بمساواة الحقوق  والعدالة الاجتماعية للمواطنين العرب دون التنازل عن المواقف  الايديولوجية  الوطنية في الموضوع  الفلسطيني. وذلك الى جانب تعزيز القائمة المشتركة من خلال زيادة التمثيل  اليهودي فيها بالتوازي مع تشكيل “معسكر ديمقراطي، كقوة سياسية خارج برلمانية تضم يهودا وعربا يتفقون على اربعة مباديء: انهاء الاحتلال، تعزيز الديمقراطية، المساواة والحماية لمكانة الاقلية العربية، والعدالة الاجتماعية.

يبرز نهج الجبهة، التجمع والعربية الفجوة القائمة بينهم وبين النهج البراغماتي السائد في الجمهور العربي، الذي يتوقع من ممثليه في الكنيست ان يعملوا لتحقيق نفوذ سياسي حقيقي  والاندماج في سياقات اتخاذ القرار في الدولة بينما اغلبية واضحة في الجمهور العربي (69.8 في المئة حسب جدول العلاقات العربية اليهودية للعام 2019، للبروفيسور سامي سموحة) مستعدة اليوم للاعتراف بحق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية، فان الاحزاب العربية ترفض هذا النهج. وانكشفت هذه الفجوة ايضا حول اتفاقات التطبيع بين اسرائيل ودول الخليج. فبينما نحو ثلثي الجمهور العربي يؤيد هذه الاتفاقات (حسب استطلاعات معهد ستاتنت في كانون الاول الماضي، 28 في المئة من الجمهور العربي يؤيد جدا و 35  في المئة يؤيدون مقابل نحو الثلث يعارضون)، صوت اعضاء القائمة المشتركة في الكنيست ضدها، بحكم موقفهم من النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. دليل آخر على هذه الفجوة انكشف  مؤخرا، وعلى ما يبدو ايضا بتأثير الجوانب الاقتصادية لازمة الكورونا، مع نشر النبأ حول الارتفاع الذي طرأ هذه السنة على تجنيد الشبان العرب، بما في ذلك المسلمون، للجيش الاسرائيلي وللخدمة الوطنية – المدنية. وذلك على رغم المعارضة المبدئية المتواصلة من جانب الزعامة السياسية العربية.

ويقضي جدول الديمقراطية للعام 2020 في المعهد الاسرائيلي للديمقراطية بان 44  في  المئة فقط من المشساركين العرب في الاستطلاع يشعرون بانهم جزء من دولة واسرائيل ومشاركها (مقارنة بـ 84.5 في المئة من اليهود). وفي  استطلاع حديث في 5 كانون الثاني 2021  للمعهد تبين ان 39 في المئة فقط من الجمهور العربي يشارك في الانتخابات القادمة للكنيست. استطلاع اخير لمعهد ستاتنت في بداية كانون الثاني 2021 يتوقع انخفاضا كبيرا في معدل التصويت في الوسط العربي الى 52 في المئة. وحسب هذا الاستطلاع، في حالة تنافس القائمة المشتركة بشكل موحد، سيدعمها 69 في المئة من المقترعين العرب الذين يشكلون نحو 10 مقاعد في الكنيست. اما الباقي 31 في المئة، فسيصوتون للاحزاب الصهيونية، منها نحو مقعدين لليكود (!)  الذي نال في الانتخابات السابقة  تأييدا عربيا يوازي على الاقل ثلث مقعد في الكنيست. اما اذا انشقت القائمة المشتركة (الجبهة مع التجمع والاسلامية مع العربية)، فستحظى القائمتان العربيتان باقل من 11 مقعدا، و 3.4 مقاعد ستعطى للقوائم الصهيونية، منها 1.5 مقعد لليكود. يمكن التقدير بان  معدل الاقتراع المتدني في الجمهور العربي مرغوب فيه لليكود وباقي الاحزاب اليهودية من ناحية انتخابية.  

على هذه الخلفية يمكن أن نفهم محاولات الاحزاب اليهودية مغازلة  الصوت العربي، ولا سيما الخطوات الاخيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يعتبر في الجمهور العربي الزعيم الاكثر ملاءمة لتولي رئاسة الوزراء، بفارق كبير جدا عن يئير لبيد وبيني غانتس. ومن هنا الحديث في الليكود عن ضمان مقاعد واقعية لمندوبين عرب وكذا الوعد بتعيين وزير عربي مسلم اضافة الى التعهد بالاستثمار في مجالات يهتم بها الجمهور العربي: التعليم، الاقتصاد والامن الداخلي (فما بالك ان الخطة الحكومية للقضاء على الجريمة في المجتمع العربي لا تنطلق على الدرب عقب انعدام ميزانية الدولة). الى جانب ذلك، اوضح الليكود مؤخرا بانه لن يقيم حكومة بتأييد الاسلامية او القائمة المشتركة. وعليه، فعلى خلفية الاستطلاعات آنفة الذكر ايضا تبقى مفتوحة مسألة كم ستؤثر هذه الوعود على نتائج الانتخابات التالية في الجمهور العربي الواعي والحساس للامزجة الاقصائية في الجمهور  اليهودي وفي صفوف الاحزاب الصهيونية.

وختاما، واضح انه في اوساط الجمهور العربي تتواصل ميول الاتساع الفكري والعملي لمسيرة الاسرلة متعددة الابعاد والمشاركة في المجال السياسي.  ومع ذلك فان  هذا الجمهور يقظ لالاعيب الاحزاب الصهيونية السياسية تجاهه وحساس للمس بمكانته العامة واقصائه المتواصل، بما في ذلك في المسائل الوطنية واساسا في المجالات العملية  التي تقف  على رأس همومه. وحيال هذا النهج السائد لا تزال تستصعب الاحزاب العربية تبني صيغة متفق عليها تسمح لها بالتعاون السياسي مع الاحزاب الصهيونية، الامر الذي من شأنه أن يمس بقوتها البرلمانية والسياسية وبامكانية ان تتعهد للجمهور العربي بان في وسعها ان تحقق مصالحه الحيوية.

في كل الاحوال يبدو ان التطورات السياسية التي عرضت اعلاه تخلق بعدا جديدا من الشرعية للصوت العربي من جانب الاحزاب الصهيونية من اليمين ومن اليسار وربما ايضا فرصة لشراكة سياسية يهودية عربية. الانتخابات القادمة ستكون اختبارا لاستعداد الاحزاب الصهيونية بالفعل لان تسير باتجاه الجمهور العربي في المواضيع المدنية الهامة له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى