ترجمات عبرية

نداف شرغاي / عودة الى سوق القطانين

هآرتسبقلم  نداف شرغاي  – 21/9/2018

في احد قصور العائلة المالكية الاردنية في عمان تعلق صورة عمرها 133 سنة بريشة الرسام الالماني غوستاف باورن فاينر. مبعوثو الملك حسين (والد عبد الله) قاموا بشراء هذه الصورة له في المانيا. ليس من الصعب التخمين ما الذي جذب الملك حسين لهذه الصورة. فهي تمثل سيادة وسيطرة اسلامية على المكان الاول في قداسته لليهود والثالث في قداسته للمسلمين، والملك حسين اعتبر نفسه وصيا على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس حتى بعد العام 1967.

باورن فاينر وصف لوحته في رسالة ارسلها الى اخته في بيروت بهذا الشكل: “لقد بدأت برسم لوحة “يهود في بوابة الحرم في القدس”. هذه الفكرة بدون تمالك نفسي هي جيدة جدا. قبل باب سوق القطانين فقط يهود يمدون اعناقهم بهذه الدرجة أو تلك نحو جنة عدن خاصتهم التي تشع في ضوء الشمس بعدة من الالوان. قبب وحجارة رخام كانت في السابق الهيكل الوطني لهم. حارس البوابة، تقريبا قلت حارس الهيكل، يمنعهم الآن من الدخول. في الداخل يتجول وينتشر المسلمين وهم يلبسون الوان زاهية، مفارقة جيدة أليس كذلك؟”.

في السنوات الاخيرة وبالتدريج اليهود يعودون الى باب القطانين، الذي يتوسط سبعة ابواب في الحائط الغربي للحرم. هم يأتون الى هناك في 9 آب وفي امسيات ايام السبت وفي الاعياد وفي الايام العادية، بالاساس اليهود المتدينين؛ غالبا بصورة فردية واحيانا بمجموعات. طالما أن قدومهم واحيانا ايضا صلاتهم هناك لا تخلق ازعاج أو تخل بالنظام فان الشرطة تسمح لهم بالوقوف والصلاة والنظر الى الداخل، الى “ارض الميعاد”، التي لم يتم الحصول عليها، “الحرم”، بالضبط مثل اليهود في لوحة فاينر.

باب القطانين تحول في السنوات الاخيرة الى نقطة جذب للزوار والمصلين اليهود، لأنه يقع على حدود حائط المبكى، بالضبط امام المكان المقدر لقدس الاقداس في وسط قبة الصخرة. هذا المكان قريب من المكان المقدر لقدس الاقداس اكثر من ساحة الصلاة الرئيسية في اسفل حائط المبكى في منطقة باب الحديد الواقعة في قلب الحي الاسلامي.  اليهود الذين يمنعون انفسهم بصورة شرعية الصعود الى الحرم، يأتون الى هنا ليس فقط ليكونوا قريبين جدا من الحرم دون الدخول اليه، بل ايضا من اجل مشاهدته عن قرب، الامر الذي هو غير ممكن اثناء وجودهم في ساحة حائط المبكى الكبيرة أو الصغيرة. كلاهما يقطعان حقل الرؤية باتجاه الحرم. هذا التقليد ليس جديدا لكنه يتجدد الآن. في سقف الحوانيت المربعة قرب باب القطانين كانت معلقة طوال سنوات سلسلة من الحديد. يهود القدس حرصوا على عدم اجتياز السلسلة. هم تطلعوا منها باشتياق نحو المكان المقدس.

طواحين قمح وحمامات

باب القطانين الواقع في الحائط الغربي للحرم كان احد اماكن الصلاة الكثيرة لليهود على طول حائط المبكى. وجزء من الواقع غير المعروف اليوم: حتى قبل تخصيص الحكم العثماني في القرن السادس عشر “زقاق المبكى” (بعد ذلك ساحة حائط المبكى) لصلاة يهودية منظمة – فان اليهود قاموا بالصلاة على طول حائط المبكى، شمال وشرق تلك المنطقة. هم صلوا ليس فقط في باب القطانين بل ايضا في عدد من النقاط الاخرى، منها كنيس “اور حداش”. في الحائط الصغير الواقع شمال باب الحديد في البيت المقدس ران الذي يقع في سوق القطانين وقرب باب السلسلة، قرب باب المغاربة وفي الكنيس في ساحة الحاخام بيشل لافن قرب باب المجلس، وحتى قرب الزاوية الجنوبية الغربية للحرم.

عالم الآثار البروفيسور دان باهر يقول بهذا الشأن في ابحاثه إن الاقتباسات الواردة في وثائق القاهرة التي تم احضارها من قبل الجانب اليهودي في محكمة حائط المبكى (في عهد الانتداب) دلت على علاقة اليهود بحائط المبكى. لكنها لم تتطرق كما يعتقد خطأ لمنطقة الزقاق (اليوم الساحة) المعروفة، بل لمكان صلاة اكثر نحو الشمال قرب حائط المبكى امام قدس الاقداس، ربما حتى في منطقة باب القطانين.

ما عزز الوجود اليهودي في باب القطانين وفي المنطقة المجاورة له هو سكن اليهود في هذه الاماكن، الذي انتهى في احداث العام 1929. احد اليهود المشهورين الذين سكنوا في المكان كان الحاخام يوسف شفارتس من الباحثين المعروفين لارض اسرائيل وصاحب كتاب “فوؤوت هآرتس”. وقد سكن حسب شهادته قرب حمام الشفع، الذي كان الدخول اليه من سوق القطانين. اليهود كانوا يأتون لهذا الحمام وكذلك الى الحمام المجاور “حمام العين” واستخدموهما بشكل دائم. في شارع الدكاكين الذي يؤدي الى باب القطانين كان يقع في السابق ايضا عدد من طواحين  القمح الصغيرة التي شغلها اليهود. احدها اشتريت في نهاية القرن التاسع عشر من قبل عائلة بيرمان. من اصحاب المخبز “بيرمان”، وقربها عمل ايضا القبو المعروف لعائلة شور.

التلمود يصف هذه الحوانيت فيقول “اربعون سنة قبل هدم الهيكل كان هناك سنهدرين في مكان الحوانيت، لكن البحث يميل الى افتراض أن هذا الوصف خاطيء. بالمناسبة باب القطانين يقع فوق باب اقدم – باب فيرن، الذي يقع في اعماق نفق حائط المبكى. حسب تقدير فاينر، في فضاء باب فيرن كان يوجد كنيس في العهد الاسلامي القديم، شبطي زكاريا، الباحث في شؤون القدس، الذي توفي قبل سنة، الذي احضر التقدير الذي قدره فيرن والذي يقول إنه تحت باب القطانين الذي هو باب كيفونوس الذي ذكر في احدى الوثائق كباب غربي للحائط. في المقابل عالم الاثار مئير بن دوف يعتقد أن باب كيفونوس هو بالتحديد باب باركلي الذي اكتشف تحت باب المغاربة.

اليهودي المعروف جدا، إبن الاجيال الاخيرة الذي عاش في منطقة الحوانيت التي تؤدي الى باب القطانين كان محيي اللغة العبرية اليعيزر بن يهودا، الذي يشهد على سكنه في المكان ويقول “لقد اصبحت صاحب بيت في القدس. لقد قمنا باستئجار شقة وسنبدأ بالعيش حياة اصحاب بيوت هنا”. شقته كانت في ساحة صغيرة قرب الحرم، الذي في داخل جدرانه من اليمين واليسار انت ترى فتحات مغلقة بالحجارة والتراب وتظهر كفتحات لحوانيت من العهد القديم. واليهود في القدس يقولون إن هذه هي الحوانيت التي ذكرت في التوراة”.

لوحة فاخرة

واقع الحياة المشتركة بين اليهود والعرب الذي كان في سوق القطانين عند قدومك من باب القطانين – هو مكان فقط قبل اسابيع معدودة سجلت فيه محاولة اخرى لعملية ضد شرطي كان يقف في المكان، هذا الواقع وصفه الكثير من الكتاب في العصور السابقة. الكاتب والمؤرخ يعقوب يهوشع والد الكاتب أ.ب. يهوشع يتحدث أنه الى جانب الزوار العرب، الزوار اليهود للمراحيض في سوق القطانين كانوا بالاساس السفارديم وابناء الطوائف الشرقية الاخرى، في حين أن اليهود الاشكناز فضلوا الاستحمام في الحمامات القريبة من الكنيس “حوربا” الذي يقع في الحي اليهودي.

ايضا البروفيسور يوسف يوئيل ريفلين والد الرئيس رؤوبين ريفلين وصف في مذكراته الواقع الذي تطور في الحمامات في منطقة باب القطانين. ريفلين يقول ان جزء من اليهود امتنعوا عن القدوم لحمام العين لأنهم اعتقدوا أنه يدخل في حدود الحرم. ويشير الى أن هذه الحمامات كانت من الاستجمام القليل الذي يمكن للشخص اليهودي أو العربي الذي يعيش في القدس أن يسمح لنفسه به في حينه (نهاية العهد العثماني).

سوق القطانين بناء الامير تنكز الناصري حاكم دمشق في الاعوام 1336 – 1337 على اساسات سوق صليبي مهدم بأمر من السلطان المملوكي إبن قلوون. السوق، حوالي طوله 100 متر، يفضي الى الحرم من شارع باب الواد. الباب الذي في نهايته، والذي واجهته تتجه للداخل نحو الحرم وليس تجاه الخارج، هو احد المنتجات الفاخرة للفن المعماري في ذلك العصر. هو اقصر من باقي الابواب الموجودة في حائط المبكى. ومن الادراج تنزل اليه من مستوى الحرم.

من خططوا السوق ارادوا ان يقودوا الزوار الى الحرم عبر مركز تجاري اصلي، يشبه المجمع التجاري في هذه الايام. المداخيل خصص جزء منها لتمويل النشاطات الدينية في مدرسة التنكزية المجاورة التي اقامها تنكز الناصري. اسم سوق القطانين اخذه السوق بسبب أنه تحول الى مركز محلي لصناعة القطن، التي اعالت المنجدين الذين فصلوا بذور القطن عن الشعيرات التي غلفت القطن والنساء والتجار. على مر السنين تم هجر المكان، معظم الحجاج فضلوا المحور الشمالي، ساحة داود. وشارع باب السلسلة كمحور مفضل لزوار الحرم. مع ذلك، على الاقل حسب احدى الشهادات من كتاب رحلات الحاخام موشيه بسولا في 1522 كان منظر السوق ما زال مؤثرا: “يوجد احد الاسواق اجمل منها جميعا”، سجل بسولا “كله حوانيت قطن، وعلى رأس هذا السوق بوابة تفضي الى الحرم سميت باب القطن”.

الحوانيت في سوق القطانين كانت مهجورة لسنوات كثيرة، الابواب الجميلة لها تحطمت خلال الحرب العالمية الاولى من اجل استخدام الخشب للوقود. والحوانيت نفسها امتلأت بالقمامة. فقط بعد حرب الايام الستة قامت اسرائيل بترميم المكان واعطته للاوقاف الاسلامية التي قامت بتأجير الحوانيت لتجار مسلمين. اسرائيل ايضا منحت الشارع اسمه الحالي، شارع سوق القطانين. الآن كما قلنا يعود اليهود الى المنطقة، لكن ليس لاهداف السكن بل للزيارة، الصلاة والنظر الى ساحات الحرم من باب القطانين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى