ترجمات عبرية

نداف شرغاي / صفقة الشقاق

إسرائيل اليوم – بقلم  نداف شرغاي  – 13/7/2018

ها هو حدث ذو معنى كبير يختبيء خلف كواليس المساعي الامريكية للترويج لخطة السلام الاقليمية التي تسمى “صفقة القرن”: السعودية حامية الاماكن الاسلامية المقدسة في مكة والمدينة، طلبت لنفسها موطيء قدم ومكانة ايضا في الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس، اي: الحرم.
ادارة ترامب، التي ترى في السعودية الحجر الرئيس في محور الدول العربية المعتدلة، والتي بدونها لن تقوم تسوية هنا – لم ترفض ذلك. اما الاردن، وهو مدماك آخر في المحور العربي المعتدل، والذي في اتفاق السلام مع اسرائيل في 1994 حصل على نوع من الوصاية على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس واصبح عمليا شريك اسرائيل الهاديء في ادارة الحرم – فقد صخب.

توجه الاردنيون بداية لاسرائيل في القنوات المتبعة. في اسرائيل حاولوا تهدئة روعهم. توجد لنا معاهدة، قال الدبلوماسيون الاسرائيليون لمبعوثي عبدالله، ولكن الملك رفض ان يهدأ، وطلب منهم ان يتحدثوا مع الامريكيين.

تحدثت اسرائيل مع الامريكيين. شددت على اهمية الاردن كذخر استراتيجي، اقليمي وامني لاسرائيل، وكشريك يمكن العمل معه  في مسألة الحرم المتفجرة. بل وفصلت سلسلة من اوجه التعاون في مجالات مختلفة بينها وبين المملكة الهاشمية، تعطي ثمارا للولايات المتحدة ايضا، ولكن الاجوبية التي جاءت من ترمب لم ترضي عبدالله. فقد اراد تعهدا لا لبس فيه بان مكانته كــ “وصي على الاقصى” لن تتضرر.

من زاوية نظر الاردن، فان هذه الوصاية، المنصوص عليها في معاهدة السلام مع اسرائيل، هي احد المراسي الاقوى لمواصلة وجود المملكة، التي يتضعضع وضعها الاقتصادي؛ والتي يشكل فيها البدو والقبائل الموالية للاسرة المالكة اقلية بين السكان هناك؛ والفلسطينيون، بمن فيهم من الاخوان المسلمين، يشكلون مصدر قلق مستمر، وغير مرة يهددون الحكم.

ينبغي أن يضاف الى هذا الشحنة التاريخية والخصومة طويلة السنين بين الاردن والسعودية على الهيمنة على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس. بعد الحرب العالمية الاولى خسرت السلالة الهاشمية للسعوديين منصب حامي الاماكن الاسلامية المقدسة في مكة والمدينة. وواست نفسها بالوصاية الفرعية  على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس.

الحسين بن علي، الذي كان شريف وأمير مكة، كان من السلالة الهاشمية التي يرى اجدادها انفسهم من نسل النبي  محمد. وقد مات في 1931 ودفن في الحرم. ابنه الثاني، الملك عبدالله الاول، قتل في المسجد الاقصى في 20 تموز 1951 على خلفية اتصالاته مع قادة الحاضرة اليهودية في بلاد اسرائيل. حفيده، الملك حسين الذي ورثه بعد وقت قصير من ذلك، كان شاهد عيان في الاغتيال.

ملك الاردن الحالي، عبدالله، هو الابن البكر للحسين، وحفيد عبدالله الذي اغتيل في  الاقصى. وحتى بعد ان وحدت اسرائيل شطري القدس في  1967، واصل الاردن الحفاظ على الصلة بالحرم، شغل ودفع اجور عاملي الاوقاف، واستثمر على مدى السنين الكثير من الاموال لترميم قبة الصخرة والاقصى.

هذا التاريخ يعرفه الامريكيون ايضا، ولكن عندما تلبثت الايضاحات من واشنطن بالوصول، قرر عبدالله العمل بطريقة “عدو عدوي هو صديقي”.

في الحالة المحددة، الصيغة الادق كانت: عندما يتشارك عدوي معي في خصومة مريرة اكثر لعدو مشترك آخر، فان عدوي النسبي يمكن أن يكون صديقي ايضا.

لقاء المليارديريين

مرتان في الاشهر الاخيرة كلف عبدالله ملك الاردن نفسه عناء السفر الى تركيا. مرتان شارك في اجتماعات الطواريء لمنظمة التعاون الاسلامي التي نظمها اردوغان الرئيس التركي في  اسطنبول للاحتجاج على نقل السفارة الامريكية الى القدس.

اردوغان ليس كأس شاي عبدالله. ابعد من ذلك. فالرئيس التركي يرى نفسه كأب الاخوان المسلمين في ارجاء العالم؛ بما في ذلك اولئك الذين في الاردن، الذين يهددون غير مرة استقرار حكم عبدالله.

غير أن الملك الاردني افترض بان اردوغان، الذي يسعى علنا الى معقل له في القدس وفي الاقصى، قلق مثله من امكانية ان يتركهما السعوديون بدعم من الامريكيين في الوراء. فاللامبالاة السعودية – مقارنة بالغضب التركي – في ضوء نقل السفارة الامريكية الى القدس، الى جانب البلاغ السعودي لتركيا بانها تلغي صفقة سلاح معها بمبلغ 2 مليار دولار، خلق نقاط التفاهم بين الاثنين. التهديد السعودي لاحتلال الحرم ايضا عززها.

لقد كان تلميح عبدالله للامريكيين شديد الوضوح: الاردن لا يوجد في جيب ترامب، وهو ليس شريكا تلقائيا للمحور العربي المعتدل. وقد وصلت الرسالة. وكانت النتيجة لهذه اللقاءات ان خفضت السعودية بعدة مستويات الاحاديث عن وصايتها على الاماكن المقدسة في القدس. حاليا على الاقل تخلت عنها. فللسعودية حدود طويلة مع الاردن. والاردن يمنع محافل متطرفة من التسلل الى الاراضي السعودية. والمصلحة السعودية في وجود المملكة الهاشمية ذات الوضع الاقتصادي الصعب كبيرة لا تقل عن مصلحة اسرائيل.

فضلا عن ذلك، فان المظاهرات في الاردن والازمة الاقتصادية العميقة هناك شجعت السعوديين على عقد قمة في مكة لحل مشاكل الاردن الاقتصادية العسيرة. وولد لقاء القمة هذا رزمة مساعدة للاردن بمبلغ 2.5 مليار دولار (من السعودية واتحاد الامارات). المظاهرات في الاردن الى جانب لقاءات عبدالله في تركيا، أدت الى أن يحصل الاردن على اقرار متجدد من اسرائيل والولايات المتحدة بالنسبة لمكانته في   الحرم.

ومع ذلك، فقد طلب من الاردن ايضا دفع ثمن. فالاردن يدفع الثمنم لاسرائيل في التسليم العملي (غير الرسمي) بالارتفاع الهائل في عدد الزوار  اليهود الى الحرم. فيما أن التحفظ على هذه الموافقة واضح: الزيارات – نعم، الصلوات – لا. لا يزال الاردن مطالبا بتأييد فكرة اقامة العاصمة الفلسطينية في ابو ديس، التي على حدود الولاية الشرقية للقدس. حاليا يعارض الاردن ذلك وهو بالطبع مطالب ايضا بالتوقف عن التسكع مع محور الشر الذي يعتبر اردوغان اليوم جزء منه.

أما الان، وبعد ان تنازلت السعودية، مؤقتا  على الاقل، عن مطالبتها بمكانة في الحرم، في  اطار صفقة القرن، وعندما يكون الاردن ضمن ظاهرا مكانته هناك، فان السعودية والاردن تعودان مرة اخرى الى التعاون في مواجهة النشاط التركي في القدس وفي الحرم. وكلتاهما اعربتا امام اسرائيل عن قلق من المكانة التي يكتسبها اردوغان لنفسه في شرقي القدس وفي الحرم من خلال ضخ الاموال من جمعيات تركية مثل “تراثنا”، “تيكا”.

الارهاب يخرج الى النور

قبل نحو نصف سنة بدأت قيادة الامن القومي بجمع المواد عن الاموال التركية التي تضخ الى شرقي القدس. وكان الهدف المعلن هو محاولة التقليص قدر الامكان من النشاط التركي في العاصمة. والمس بالقنوات المالية التي تضخ من المال التركي الى المدينة.

والمشبوهون الفوريون في العلاقة مع هذه الجمعيات هم حماس والجناح الشمالي من الحركة الاسلامية. صلتهم الايديولوجية بتركيا لا تحتاج الى دليل، ولكن من اجل العمل ضد الجمعيات التركية مطلوبة ادلة على اتصال – مالي او غيره – محظور حسب القانون. معلومات كثيرة جمعت وهي تدرس الان، وقريبا ستعرض على المستوى القانوني والسياسي.

قسم من المواد مأخوذ من مصادر علنية. فالتقرير الجديد الذي ينشره هذه الايام بنحاس عنبري، الباحث في المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية، مأخوذ اساسا من هناك. وهو يدل على تقارب محتمل بين قسم من الجمعيات التركية وبين فروع الارهاب.

يروي عنبري بان تركيا تسللت منذ الان الى المؤسسة الاسلامية الدينية في المدينة من خلال رئيس المجلس الاسلامي الاعلى، الشيخ عكرمة صبري، الذي بدأ حتى بلبس ملابس  الشيوخ البيضاء التي تمثل المؤسسة الدينية التركية. وورد في التقرير بان صبري يتمتع بخط مباشر مع الرئيس التركي اردوغان والكثير من الناس في شرقي المدينة يستخدمون خدماته كي يعقدوا اتصالا مع السلطات التركية.

يصب عنبري ضوءا جديدا سواء على نشاطات صبري ام على نشاط السياحة التركية الى الحرم. وحسب نتائج هذا البحث فان المجموعات السياحية المنظمة تتشكل من اتراك عاطلين عن العمل يتلقون اموالا على مشاركتهم في المشروع السياحي الذي له هدف واحد هو “احتلال الحرم”.

هذه  الحقائق ومعطيات الخلفية لا تقض مضاجع محافل الامن الاسرائيلية فقط بل وتقلق جدا الاسرة المالكة الاردنية، التي تحاول الان كما اسلفنا العمل مع اسرائيل والسعودية ضد المحاولات التركية لكسب معقل لتركيا في الحرم في البلدة القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى