نداف إيال / لا يوجد ما يحتفل به
يديعوت – بقلم نداف ايال – 12/6/2018
خرج الطاغية الستاليني الاخير في العالم امس الى جولة في ارجاء سنغافورة. فهتف له الناس في عدة أماكن، امتشقوا هواتفهم المحمولة كي يصوروا سلفي سريع معه. دكتاتور؟ نجم روك. وهذا حتى قبل المؤتمر الذي عقد في الصباح، حين تكبد الزعيم الاهم في العالم عناء الوصول للقاء كيم يونغ اون في آسيا.
وبالتالي يجدر الان بالذات ان نذكر الامر المسلم به: كوريا الشمالية هي الدولة الافظع في العالم. فالفظائع التي وقعت على ارضها لا تشبه أي شيءنعرفه، على ما يبدو حتى ايام الحرب العالمية الثانية. السجناء في معسكراتها يعدمون، الرضع يقتلون. وكانت تقارير تقول انهم يقدمون كطعام لكلاب الحراسة. ايران هي دولة مع نظام قمعي، كوريا الشمالية هي قصة اخرى تماما. فهي دولة أسيرة لطائفة شمولية أسرية، والامر الاقرب الى المانيا النازية على وجه الارض.
كوريا الشمالية هي ايضا العدو اللدود لاسرائيل واهتمت بأن توفر لاثنين من اعدائها، سوريا وايران، تكنولوجيات نووية. فقد غشت على الاقل مرتين في اتفاقات دولية منظمة وواضحة تستهدف انهاء برنامجها النووي، تلقت مساعدة من الولايات المتحدة وطورت في الخفاء سلاحا نوويا. على مدى 45 سنة استعبدت كل مصدر مالي، ضحت بكل مواطن، نفذت كل اغتيال كي تصل الى القنبلة النووية المنشودة.
لعل المحادثات ينبغي أن تجرى مع كيم الشاب، ولكن الاجواء لا ينبغي أن تكون الاحتفال اللطيف والمبتسم الذي شعروا به في سنغافورة. هذا هو الغرب في ذروة قصوره عن الفعل – كيم يونغ اون هو مجرد “زعيم آخر” يعرف ترامب “كيف يتدبر معه”. نوع من النهج النسبي، كما تعرفون. الشر يدحر الى الزاوية. نعم، لعله كان ينبغي لقاؤه، ولكن هذا حدث ثقيل الوزن وجسيم المظهر، ضروري للسلام العالمي، بعيدا عن الوضع المرغوب فيه.
التفاؤل لازم. هناك من يؤمن بان الجولة التي قام بها كيم أمس في ارجاء سنغافورة قد تكون فتحت عينيه. فها هي أمة آسيوية صغيرة نجحت في أن تبني لنفسها امبراطورية اقتصادية مزدهرة ومتنورة. هذا لم يحصل بسبب بلشفية كورية أو سوفياتية، بل بسبب المبادرة الحرة، التخطيط الدقيق والنشاط – وهي مزايا أنقذت آسيا كلها، باستثناء كوريا الشمالية، من حياة العوز والجوع.
بيونغ يانغ هي الاستثناء الرهيب، ضحية عقيدة سياسية واقتصادية التي دفعت سكانها المرة تلو الاخرى نحو الجوع والموت. فهل كيم، الذي تعلم في سويسرا ويحب كرة السلة، يفهم هذا؟ هل هو مستعد لان يسير نحو بروسترويكا (اعادة البناء الروسية التي وضعها غورباتشوف) كورية شمالية فيوافق – ليس في اعلان عام، بل بتنفيذ حقيقي – على نزع كل قنابله؟ لا يوجد خبير واحد في شؤون كوريا الشمالية يعتقد ان الجواب ايجابي، بالقطع.
وبالطبع يوجد ترامب. اذا ما كان المؤتمر امس بداية مسيرة، فهل هذه مسيرة تهمه؟ الرئيس يفقد صبره بسرعة. هو الذي قال ان لا حاجة لان يستعد للمؤتمر وانه سيعرف ربما “في غضون دقيقة” اذا كان هذا سينجح. مسيرة تنزع عن كوريا الشمالية السلاح النووي وتدخلها الى العالم ستكون مركبة، مفعمة بالمخاطر والتحديات. وفي نهاية المطاف للولايات المتحدة مصلحة كبيرة في نزع السلاح النووي، ولكن كل ما تبقى اقل اهمية لها.
ولعله جدير التفكير ماذا يقول الايرانيون لانفسهم هذا الصباح. في نهاية التسعينيات كانت ايران وكوريا الشمالية في المكان ذاته من ناحية تطوير النووي. في 2003 أمرت أيران بوقف برنامجها العسكري، وبقدر ما نعرف لم تستأنفه منذئذ وان كانت وسعت قدرة التخصيب لديها. وفي النهاية وقعت على اتفاق رقابة نووية، وحسب وكالة الطاقة الذري، وزارة الدفاع الامريكية ورئيس اركاننا – التزمت به.
الاتفاق لم يعجب الرئيس الامريكي الجديد أو اسرائيل، وهو عمليا احبط والغي. والان مقابلها، هي الدولة الكبيرة والهامة في الشرق الاوسط، فان كوريا الشمالية الصغيرة غشت، واصلت تطوير القنبلة، غشت مرة اخرى – وفي النهاية نفذت تجربة نووية على السلاح. وبالمقابل لاحقها العالم والان التقى بها الرئيس الامريكي الذي يعتبر صقريا على نحو خاص، ويغدق على زعيمها شرف الملوك.
بالنسبة للمعسكر الايراني المحافظ هذا دليل قاطع: الغرب لا يفهم الا لغة القوة. اذا كان سيكون الاعتراف الاصغر بنووية كوريا الشمالية، واذا لم يصر ترامب على نزع كامل للسلاح وسريع نسبيا – فان الرسالة التي ستصل الى طهران ستكون واضحة وجلية.