ترجمات عبرية

نحميا شترسلر / لماذا عارض افنيري الدولة الواحدة

هآرتس – بقلم  نحميا شترسلر – 24/8/2018

سُجي اول أمس جثمان اوري افنيري في بيت سوكولوف. مئات الصحافيين، السياسيين والمعارف جاءوا لأن يؤدوا له الاحترام الاخير. ففي نهاية المطاف كان افنيري أولا وقبل كل شيء صحفيا، وليس مجرد صحافي، بل الصحافي رقم واحد. ولكنه كان المفكر المركزي لمعسكر السلام، واذا كان ثمة موضوع واحد اغاظه حقا، فهو الموضة الجديدة لتأييد “الدولة الواحدة”. من ناحيته يعبر هذا التأييد عن يأس يمس بالكفاح من اجل الحل الصحيح. فقد كان أول من تحدث، منذ الخمسينيات، عن اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، الفكرة التي ترجمت بعد حرب الايام الستة الى صيغة “دولتين للشعبين”.

“يدور الحديث عن رومانسيين لا يفهمون طبيعة الانسان”، اجابني افنيري على سؤالي عن رأيه في حل الدولة الواحدة، “هم لا يتعلمون من التاريخ”. وشرح قائلا إنه قبل ملايين السنين فضل الانسان ان يتجمع في جماعات صغيرة وفرت له الامن وشعور الانتماء. وبعد ذلك انتظم كقبائل وفرت له احتياجات مشابهة. اما اليوم فتحل القومية والدولة محل القبيلة، ولكن الدور مشابه: توفير الامن في وجه كل تهديد خارجي وداخلي من خلال الجيش والشرطة، واعطاء مظلة اقتصادية واجتماعية لحين الضائقة وتلبية الحاجة النفسية العميقة للانتماء الى جماعة محددة.

من اجل الحفاظ على الجماعة وخلق احساس الانتماء، فان كل قومية تمكنت من تمييز نفسها عن القومية الاخرى بواسطة اللغة، الثقافة، التاريخ والدين المختلف. هكذا حافظ اليهود على هويتهم القومية على مدى الفي سنة الى أن عادوا الى بلاد آبائهم واجدادهم، وهذا بالضبط ما يريده الفلسطينيين الآن. دولة قومية مستقلة، منفصلة عن اسرائيل.

وعليه، فان كل محاولة مصطنعة لتوحيد هاتين القوميتين المختلفتين في دولة واحدة تقريبا نصف – نصف محكومة بالفشل، قال افنيري. مثل هذه الدولة المصطنعة ستعاني من حرب اهلية داخلية لا نهاية لها على السيطرة: من يقف على رأسها، من يحظى بالميزانيات. هذه ستكون حرب اهلية بكل الوسائل، بما في ذلك الارهاب والقتل. وثمة على ذلك نماذج كثيرة في التاريخ، وعليه فان “الدولة الواحدة هي فكرة شوهاء عديمة الاساس. طوباوية عديمة الأمل”.

في ايام 2007 اجرت “كتلة السلام” جدالا داخلية في الموضوع. افنيري مقابل المؤرخ ايلان بابيه. افنيري قال ان “الدولة ثنائية القومية معناها حل دولة اسرائيل، و99 في المئة من الجمهور اليهودي غير معني بالحل”. واضاف وقال إن “اغلبية واسعة من الشعب الفلسطيني تريد دولة خاصة به، وهذا مطلوب لاعادة عزته القومية، واشفاء صدمته، ومن يفكر خلاف ذلك، يقع في خطأ الاحلام”. بل قال إنه “يوجد فلسطينيون يتحدثون عن دولة واحدة، ولكن هذا هو الاسم الشيفرة لحل دولة اسرائيل”. في كل العالم، قال، الميل ليس اقامة دولة متعددة القوميات، بل بالذات تفكيكها الى وحدات قومية منفصلة.

“كيف ستؤدي “الدولة الواحدة” مهامها؟”، سأل، “هل ساكن بلعين سيدفع الضرائب مثل ساكن كفار سابا؟ هل سكان جنين ونتانيا سيصيغون معا دستورا؟ هل سكان الخليل والمستوطنين سيخدمون في ذات الجيش؟”، بل إن افنيري توقع أنه في “الدولة الواحدة” سيكون اليهود هم السائلون، بسبب تفوقهم الاقتصادي والتكنولوجي، والفلسطينيون سيتحولون ليصبحوا حطابين وسقائين، وبالتالي فان الاحتلال سيستمر بشكل خفي، الى أن تأتي المرحلة التالية – نشوب حرب اهلية مضرجة بالدماء على السيطرة.

“دولة واحدة هي طوباوية وعلينا أن نحذر من الطوباويات”، أجمل افنيري؛ “الطوباوية تبدو كالنور الصافي في نهاية النفق، ما يجذب القلب، لكن هذا نور مضلل سيدخلنا الى نفق بلا مخرج”. وبالتالي لعله من المجدي أن ننصت له في هذا الموضوع ايضا؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى