نبيل فهمي: التعامل مع اقتراح ترمب حول قطاع غزة

نبيل فهمي 7-10-2025: التعامل مع اقتراح ترمب حول قطاع غزة
إن أي متابع أمين لأحداث غزة لديه ذرة من الإنسانية، بصرف النظر عن جنسيته، لا بد أن يأمل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإعادة مظاهر الحياة الطبيعية إلى سكان القطاع ووقف المعارك، بما يؤدي إلى الإفراج عن الرهائن والمحتجزين تمهيداً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية بحيث يعيشان في أمن وسلام بين الدولتين.
ومع أهمية بل ضرورة التحرك لوقف المعارك وإنهاء النزاع لاعتبارات إنسانية، وبما يعني تمكين الشعبين من التعبير عن هويتهما السياسية، لا يخفى على العرب والإسرائيليين وغيرهم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تؤمن بحل الدولتين، وهو الموقف المعلن على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفقاً لتصريحات إسرائيلية، يعد من أقرب المقربين لإسرائيل، ومن ثم الظروف العامة صعبة والتوقعات غير مرتفعة والاحتمالات مليئة بالأخطار والكبوات المحتملة.
ويتفق المحللون جميعاً على أن تنفيذ أي اتفاق أمني خاص بغزة يتطلب موافقة إسرائيلية وكحد أدنى، موافقة حركة “حماس”، على رغم أنه من العناصر الأساسية في المقترحات مطالبة “حماس” بنزع سلاحها وخروجها من الأدوار الرئيسة المهيمنة في المشهد الغزاوي، وهو ما أقر به كبير مفاوضي “حماس”.
وإنما عناصره ومراحله المتعددة تعني أن الاتفاق المقترح يستهدف فلسطينياً “حماس” وأهالي غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحتى فلسطينيي الشتات.
ونحن أمام حسابات دقيقة وقرارات مصيرية تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية، تعني الفلسطينيين أولاً، وتؤثر نتائجها على الساحتين العربية والإقليمية بصورة واسعة.
وجاء رد “حماس” إيجابياً وذكياً في مضمونه، بالموافقة مبدئياً، مع التمسك أيضاً بمناقشة عدد من النقاط للتوضيح والتثبيت، وقد فسر البيت الأبيض الرد على أنه خطوة إيجابية.
يعد الحق الفلسطيني بالنسبة إلي كمصري وعربي وآخرين قضية شخصية ووطنية وإقليمية، وإنما أصحاب القرار فيها هم الفلسطينيون أنفسهم، ودورنا هو توفير الدعم والمشورة الصادقة كما فعلنا طويلاً مع “منظمة التحرير” الفلسطينية، ثم مع السلطة تحت قيادة الراحل ياسر عرفات وبعده محمود عباس.
ماذا بعد موافقة “حماس” على “خطة ترمب”؟
من هذا المنطلق، نطرح في ما يلي بعض الملاحظات والتوصيات للتعامل مع المعطيات المعقدة والمرحلة الحساسة والأولويات المتنافسة، مع احترام أن القبول أو الرفض أساساً للطرف الفلسطيني:
يسعى الفلسطينيون بغالبية ساحقة إلى إنهاء دوامة العنف والحرب في غزة. ويحرصون على ألا تكون أي صفقة على حساب السلام الدائم القائم على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة.
يظل حل الدولتين، الذي أقره معظم المجتمع الدولي، المسار الوحيد الحاسم والمستدام نحو السلام، حتى بالنسبة إلى الحكماء في إسرائيل خارج الحكومة.
إنما ترفض الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، حل الدولتين، مما يلقي بظلال من الشك على صدق وجدوى أي اتفاق سلام طموح التوجه، ويزيد من القلق حول عدم التزام إسرائيل باستكمال الطريق بعد الإفراج عن الرهائن.
كما أن تحالف ترمب الوثيق مع إسرائيل ومواقفه المتناقضة، مثل معارضة ضم الضفة من جهة ودعم إسرائيل بقوة من جهة أخرى سببان لانعدام الثقة لدى الفلسطينيين، وتحريفات نتنياهو العلنية في تفسير بنود الأمن ونزع سلاح “حماس” زادا من سلبية التقييم.
طرحت إدارة ترمب مقترحاتها في شأن غزة بصيغ متعددة تراوح ما بين 20 و22 نقطة، بحسب مصدر المستند والخبر، وتختلف قليلاً باختلاف الجمهور المستهدف، علماً أن النسخة الأولى عرضت على تجمع عربي وإسلامي، الذي رحب بها، مع إبداء توضيحات علانية لحماية المصالح الفلسطينية، تضمنت رفض التهجير والترحيل أو ضم الأراضي وإقامة دولة فلسطينية وتوفير مساعدات إنسانية فورية وانسحاب إسرائيلي وضمانات وحقوق الإنسان، وهذا هو النص المسلم لـ”حماس”.
وبعد مشاورات مع نتنياهو، أعلن ترمب عن نسخة منقحة تؤكد الصلاحيات الأمنية لإسرائيل ونزع سلاح “حماس”، مما عده الفلسطينيون تحولاً سلبياً يزيد من السيطرة الإسرائيلية، وجعل المبعوث الباكستاني يعلن صراحة أن ما أعلن لا يتطابق مع الذي نوقش معهم.
إضافة إلى ذلك فإن الجدول الزمني المرجح لتنفيذ الخطة طويل الأمد يمتد إلى ما بعد رئاسة ترمب، مما يثير مخاوف في شأن اختلاف الرؤى داخل أميركا ومماطلة إسرائيلية سعياً إلى الاستفادة من المعارك الانتخابية الأميركية.
مع هذا، وافقت “حماس” على المقترح الأميركي، مع التمسك بإجراء مشاورات وتوضيحات حول آلياته وبعض البنود، والمطلوب الآن هو تحصين الموقف الفلسطيني حول غزة وما بعدها، وتتوافر أرضية لا بأس منها لتحقيق ذلك إلى حد ما بالنسبة إلى عدد من البنود والمواقف التي تضمنها المقترح.
ومن عناصر التأمين والتحصين إشارات دولية واضحة ومتنامية باعتراف الدول بالدولة الفلسطينية بالأمم المتحدة ورفض ترمب في تصريحاته ضم الضفة والتمسك بالنص الأصلي للمقترح والمسلم من المجموعة العربية الإسلامية، والبيان الرسمي الصادر عن هذه المجموعة فور الإعلان عن المقترح، وكذلك البيان العربي الإسلامي الصادر رداً على نتنياهو بعد لقائه مع ترمب، وما صرح به ترمب خلال الساعات الأخيرة بأن هدفه وتطلعه للسلام الشامل والأمن والأمان في الشرق الأوسط.
وهناك تأييد دولي واسع أن المسار كله يجب أن تكون له سمات وهوية فلسطينية، وأن أي ترتيبات إنسانية يجب أن تكون تحت مظلة الشرعية الدولية، وقد فتح الاقتراح الأميركي الباب لذلك، ووجود قوات دولية ستحتاج حتماً إلى تصديق أو دعم دولي واسع، من أجل استدامة أي اتفاق بما يتجاوز العوامل المتغيرة السياسية. إذا قرر الموافقة الكاملة بعد التشاور قد ينظر في أن يطالب الفلسطينيون بصدور قرار من مجلس الأمن يؤكد الاتفاق ويضع فرصة لتسجيل المواقف بالتفصيل، وهو ما قام به مسبقاً منذ أشهر على مشروع قرار أميركي، لإعطاء الزخم السياسي والتفسير السليم لضمان تنفيذه حتى بعد إدارة ترمب، بما يحمي الحقوق الفلسطينية ويضمن سلاماً دائماً.
الخلاصة
يعكس الرد الفلسطيني على مقترحات ترمب أن هناك رغبة في التجاوب الإيجابي، على رغم التناقض أحياناً بين الحاجة الملحة لإنهاء الأعمال العدائية، وضرورة حماية الحقوق الوطنية والسيادة وعدم الاطمئنان للموقف الإسرائيلي.
وبينما يعد السلام والاستقرار في غزة هدفاً ملحاً، والقراءة السياسية الدولية والإقليمية مزعجة ومقلقة وغير مواتية للتفاؤل أو الاطمئنان للغير، ليس غريباً أن يطالب الفلسطينيون والمؤيدون لهم أن يستند أي حل دائم إلى الاعتراف بحقوقهم الوطنية وعلى إطار حقيقي وضمانات لحل الدولتين، خصوصاً ومطلوب منهم، أو في الأقل من “حماس”، اتخاذ مواقف جوهرية بالنسبة إلى دورها.
ويمكن تحقيق ذلك بإصدار قرار من مجلس الأمن يسجل أو يأخذ علماً بالاتفاق، وهي خطوة اتخذتها أميركا ذاتها بالنسبة إلى مبادرة لها سعياً إلى وقف إطلاق النار، مع العلم أن رد الفعل الروسي المبدئي للمبادرة كان منفتحاً، خصوصاً أن المقترح تضمن دوراً لمؤسسات المنظمة ويتحدث عن وجود قوات دولية بالقطاع.
في نهاية المطاف، يتطلب تحقيق السلام الدائم التوفيق بين هذه المتطلبات المتضاربة، من خلال عملية سياسية شفافة وعادلة ومدعومة دولياً، وربنا يوفق الفلسطينيين ويحقق لهم والعرب والشرق الأوسط الأمن والأمان.