أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب – وتبقى المبادرة العربية… ضرورة

نبيل عمرو  21/8/2020

رغم الاختراقات العديدة التي أصابت المبادرة العربية للسلام، ورغم انعدام إسهامها المرتجى في تحقيق تقدم نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي بوجه خاص، فإنها ينبغي أن تظل مطروحة على الطاولة، إلى جانب ما ينبغي إعادة طرحه أو التذكير به على الأقل كخطة خريطة الطريق، ورؤية أوباما – كيري للسلام.

ومع أن ما أقول يبدو كما لو أنه دعوة لإحياء موتى، أو تجميع سيارة من قطع غيار مستعملة؛ فإن أمراً كهذا يبدو منطقياً في السياسة.

الشرق الأوسط كان ولا يزال حقل تجارب نموذجياً لحروب تندلع وتتوقف، ولمبادرات سلام ينجح بعضها ويخفق البعض الآخر. النجاح الذي تحقق – ولنعتبر المعاهدتين المصرية والأردنية نموذجيه الواضحين – ظل موضعياً، أي في نطاق صانعيه، ولم ينمُ ويتطور ويتسع ليجذب سلاماً أشمل كما وعد بذلك صاحب المبادرة الأولى، الرئيس الراحل أنور السادات.

وإذا ما واصلنا اعتبار المعاهدتين المصرية والأردنية هما أبرز نجاح لمحاولات صنع سلام في المنطقة، فإن عدم امتدادهما إلى تأثير في اتجاهات بقية الدول المحاذية لإسرائيل – أي سوريا ولبنان وفلسطين وحتى العراق – فتح أبواباً لحروب لا تقل فداحة عن الحروب التي توقفت، أي حروب الجيوش النظامية على الجبهات التقليدية.

المبادرة العربية للسلام التي منحتها الدولة العربية الوازنة (السعودية) ختمها الأولي لتعززه بأختام كل العرب والمسلمين، هذه المبادرة اعترف العالم بها، وربما هذا هو النجاح الوحيد كإحدى مرجعيات السلام المأمول بين العرب وإسرائيل. لهذا لا يجوز بكل المقاييس سحبها عن الطاولة بسبب الفشل في الوصول إلى الأهداف؛ لأن جميع المبادرات التي طرحت قبلها وبعدها فشلت هي الأخرى، وبالتالي لا مزايا لسحب مبادرتنا حتى لو كانت هنالك مبادرات أكثر حداثة على الطاولة ذاتها، أو في طاولة مجاورة.

سيظل الشرق الأوسط ساحة مفتوحة على حروب ومشروعات تسويات، وكذلك على أجندات متباينة الدوافع والأهداف، فإن لم تحقق المشروعات ما يفترض أنها سعت إليه، فذلك لا يعني ترك المنطقة نهباً لفراغ ينقل واقع الحال من حروب مسيطر نسبياً عليها إلى فوضى شاملة فاقدة لأي قدر من السيطرة. وما حدث ويحدث الآن في عديد من مناطق الحروب العربية، هو نموذج يصلح للتحذير من اتساعه.

الوضع الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة تنقيح جديد للمبادرات جميعاً، لتصاغ بعد دراسة أسباب فشلها، وفي حالة كهذه تكون المبادرة العربية المجمع عليها كإحدى المرجعيات والتي أُيدت رسمياً من جميع الدول العربية والإسلامية جزءاً مهماً من الجديد المنقح، ولعل أهم مقومات النجاح والذي كان أهم عوامل الفشل، هو توقف العالم عن منح إسرائيل حق «الفيتو» على أي مبادرة لا تعجبها، ما أدى إلى تكريس سياسة التكيف مع ما تقبل به إسرائيل أو ترفض، وهذا بعيد كل البعد عن أن يكون سياسة فعالة في أمر التسويات، وإذا ما بدأ التفكير في تنقيح المبادرات واستخلاص ما يمكن أن يُنجحها، فلن يكون الأمر مجرد بداية من الصفر أو اختراع لجديد غير مسبوق، ذلك أن ما نجح من المحاولات يحتاج إلى أفكار عملية جديدة لنقله من واقع النجاح الموضعي المحفوف بالخطر إلى نجاح شامل على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي، ومبادرة كهذه أو تنقيح كهذا حين يوضع على الطاولة، ويكون ذلك بعد الانتخابات الأميركية القادمة التي لا نعرف بالضبط إلى ماذا ستفضي، سيحقق الحسنيين أو إحداهما على الأقل: إما تفادي الفراغ، وإما التقدم نحو هدف السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى