أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب من خطاب الوفاق الى خطاب الكراهية

نبيل عمرو 3/5/2021

لُمنا السلطة والقيادة التي أجلّت الانتخابات بمرسوم صدر باسمها، ومثلما بدأت معركة المائة يوم بمرسوم انتهت بمرسوم.. وكأن المراسيم تكرست كنهج دائم، بعد ان تأملنا بأن تحل محلها قرارات ببرلمانية تكتسب قوة القانون، وعلى السلطة التنفيذية ان تقوم بدورها داخل هذا الاطار.

في وضعنا فإن ما كل يملك ما نتمناه ندركه بل غالبا ما يحدث عكسه تماما، ولكي لا ابدو مغاليا راجعوا حالنا في غياب دور المجلس التشريعي وكيف تكرست ظاهرة الارتجال والتوغل في الخطأ خصوصا في مجال الأداء الحكومي.

غير ان قرار تأجيل الانتخابات أي الغائها عمليا او بتعبير مخفف حتى اشعار آخر فإن ما ضاعف من الأثر السلبي للتأجيل هو الخطاب الذي رافقه وبرره، لقد بدا خطابا توتيريا اتهاميا، وكونه متبادلا بين المع والضد، فقد قسم الشعب الفلسطيني بمقتضاه الى قسمين، وطني لمجرد انه ايد القرار، وخائن او كما قال صديقي أبو ردينة متساوقون مع الرغبات الإسرائيلية، أي انه ان لم يكن عميلا فمتعاونا.

وكذلك فيما يتعلق بقدس اقداس كل فلسطيني فقد جرت قسمة الشعب الفلسطيني الى من يحافظ عليها ومن يفرط بها، وهذا توصيف مريض وخطير، للمواقف المتباينة بشأن اجراء الانتخابات فيها، ذلك ان التصنيف الموضوعي والصحيح والصحي هو ان هنالك اجماعا على أهمية اجراء الانتخابات فيها، أي اجماعا شعبيا ونخبويا على شعار لا انتخابات بدون القدس، اما الخلاف فهو على كيفية اجراء الانتخابات وليس على مبدأ التخلي عن حقوقنا في المدينة.

السلطة صاحبة مراسيم اجرائها ثم تأجيلها، تنتظر موافقة إسرائيل وتدعو الوسطاء “العاجزين او المتواطئين ” الى ارغام او اقناع إسرائيل بالموافقة، اما معارضو التأجيل فيرون الامتناع الإسرائيلي فرصة لتحويل الانتخابات في المدينة الى عملية تحد وصراع بين بندقية الاحتلال الإسرائيلي وصندوق الاقتراع الفلسطيني، وهذا ممكن عمليا بذات إمكانية إزالة الحواجز والبوابات الفولاذية والكاميرات.

الخطاب الذي ألوم السلطة عليه اكثر من لوم المعارضة مع انني ألومها كذلك، اتجه الى ان يكون خطاب كراهية اكثر منه تعبيرا عن اختلاف مواقف واجتهادات، وعلينا ان نستذكر ما يبرهن عن نضوج شعب او قوى من خلال اجادة الاختلاف بما يتساوى مع اجادة الاتفاق.

كانت ادبيات الاتفاق حين تم في محادثات إسطنبول وما تلاها صحية ومعقولة، رغم الشكوك في إمكانية تثبيت مضامينها في الواقع، اما خطاب الاختلاف فجاء سقيما ومريضا، شوه صورة الشعب الفلسطيني وبدل ان يقوي ثوابته الوطنية، زرع بذور شقاق في اساساتها، اعني ان الامر طال القدس … وفي حالة كهذه بدا كما لو ان الخطاب المتبادل بحدته ومغالاته في التخوين والتجريح ضاعف الهوة بين القوى السياسية، وضاعف حالة فقدان الثقة بها، وحتى لو عاد خطاب الوفاق الى ازدهاره الذي لاحظناه قبل معركة المائة يوم، فلكثرة ما تم الانتقال الى نقيضه سيبدو امام الناس خطاب نفاق وتحايل.

الصورة الان في غاية التناقض وحتى العبثية فهنالك تخوين متبادل، ودعوات الى حوار شامل يضم المتهَم بالخيانة والمتَّهِم، تترافق مع دعوات يتقاسم فيها المتهم والمتَّهم حكومة تسمى حكومة الوحدة الوطنية، وكأن الحوار والاتفاق على حكومة هما “المَطهر” الذي يغسل الآثام ويبرئ من الاتهامات،وليس على الناس الذين ينفقون على المتهم والمتَّهم سوى التصفيق اعجابا بالاختلاف وبذات حماسة التصفيق للاتفاق، وهكذا ودون كلل او ملل ودون تغيير ولو حرف واحد مما جرى تداوله منذ ولادة السلطة وخلال كل فصول التقاتل على النفوذ فيها.

لست متفائلا باختفاء خطاب الكراهية السائد في بلادنا، فلقد صار ضرورة للمتصارعين الذين يشكلون الطبقة السياسية، فكل منهم بحاجة الى اظهار انه مالك الحق وغيره مالك الباطل والعكس بالعكس، اما الناس الذين يتابعون المشهد العبثي فهم عقلاء الى حد إدارة الظهر للطبقة السياسية كلها، بعد ان تقوضت فرصة اثبات دورهم في صناديق الاقتراع… المنطق يقول لابد وان يأتي يوم ونأمل ان لا يتأخر كثيرا، حتى يسود المنطق ويجسد الناس قدرة على اثبات دورهم في تقرير مصيرهم،ومخطئ من يتخيل ان الناس ان يئسوا من الطبقة السياسية، فسوف ييأسوا من وطنيتهم، لأن التاريخ اثبت بأن الناس دائما على حق، يتعثرون.. يتأخر خلاصهم… ولكنهم وفق قوانين الحياة والتاريخ لابد وان ينجحوا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى