أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب – فلسطين … مسارات أزمات جديدة

نبيل عمرو  29/9/2020

الأزمة الفلسطينية تزداد اتساعاً وتعمقاً وابتعاداً عن الحلول العاجلة .. جذرها التقليدي… الأزمة المركبة التي تجسدها العلاقات المتدهورة مع إسرائيل، وأحد وجوهها المستجدة أزمة المال الفلسطيني الذي لا يزال محتجزاً عند الإسرائيليين.

وغير الأزمة المالية أزمة مستجدة غير تقليدية كذلك هي أزمة كورونا، فمهما حاول الفلسطينيون عزل أنفسهم عن الانتشار الواسع للوباء في إسرائيل، إلا أنهم لم ولن يحققوا نتائج حاسمة في هذا الأمر، بفعل الاختلاط الواسع والجغرافيا التي مهما أغلقت تظل ثغراتها مصدر انتقال سهلاً وسريعاً للوباء، إذ ليس صدفة أن نشهد اتساعاً لانتشار الوباء في الضفة بتناسب ثابت مع ارتفاعه واتساعه في إسرائيل.

ولندع الأزمات المستجدة ذات المنبت الإسرائيلي جانباً أو لنسجلها على حساب الأزمة الجذرية الدائمة التي ينتجها استمرار الاحتلال، وما ينجم عنه من مضاعفات تطال كل جوانب الحياة الفلسطينية، لنذهب إلى مسار أزمات جديد دخلت إليه الحالة الفلسطينية؛ وعنوانه الاعتذار عن مواصلة رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، وتحت هذا العنوان أزمات ناطقة وأخرى صامتة مع العديد من الدول العربية التي لم تتفق مع الفلسطينيين في كيفية معالجة مسألة التطبيع.

وإذا وجدنا سبيلاً لتحجيم مسار أزمة العلاقات مع العديد من الدول العربية بالتهدئة أو المعالجات الدبلوماسية الموضعية، أو فرز المتعجلين في أمر التطبيع والمترددين أو الممانعين أو حتى الرافضين، فإن الأزمات الداخلية الفلسطينية تنهض كتحدٍ صعب يضاعف أثر مسارات الأزمات الأخرى، ولنأخذ مثلاً أزمة الانقسام، والمسألة هنا تتصل ببطء المعالجة ومحدوديتها، ولقد بدأ حوار تتسابق أطرافه على الإشادة بمزاياه المحتملة، مع أن الأمر والحالة هذه ليسا مجرد إشادات لغوية متبادلة أو مشاركات ذات طابع رمزي في بعض الأنشطة السهلة كالتظاهرات الاجتماعات والندوات، بل الإجابة عن سؤال كيف يتمكن طرفا الانقسام الرئيسيان (فتح وحماس) من تصفية الواقع المعقد الذي أنتجه الانقسام طويل الأمد؟ وكيف تعاد وحدة الوطن إلى ما كانت عليه قبل ذلك اليوم المشؤوم الذي أنتج انقساماً وصل في العديد من تجلياته حد الانفصال؟

في ظل هذا الواقع دخلت على الخط القناتان التركية والقطرية؛ الأولى سياسية تضامنية والثانية سياسية مالية رأس حربتها الفاعل على الدوام حقيبة العمادي، التي تتوقف للتزود بالتصاريح اللازمة في مطار بن غوريون وتستأنف رحلتها لتهبط في غزة، ولا مناص من دفع بعض الرسوم السياسية والأمنية لإسرائيل في الذهاب والإياب أو بين رحلة وأخرى.

تردد أخيراً قول لا أعرف ما يكفي من معلومات تفصيلية حوله، مفاده أن السلطة في رام الله بذلت جهداً للتوصل لحل أزمة السيولة المالية التي جذرها في إسرائيل، إما عن طريق قروض أو منح، ولكن بالتأكيد ليس على طريقة حقيبة العمادي، فما تحتاجه السلطة في الضفة لو استمر احتجاز المال الفلسطيني يقدر بمئات الملايين، وحتى لو وجد الاحتجاز الإسرائيلي حلاً على يد الفرنسيين مثلاً، فإن الموارد الفلسطينية التي كانت غزيرة في زمن أوسلو والآخذة بالتناقص، ستجعل أصحاب النوايا الحسنة الذين يتناقصون كذلك غير قادرين على التعويض بالقدر الذي يحتاجه الحد الأدنى من الإنفاق الفلسطيني.

إن الأزمات تحمل دائماً في ثناياها اختبارات لكفاءة أي قيادة في حلها أو تحييد تأثيرها أو حتى التعايش معها، والأزمات التي اختصرت مساراتها في هذه المقالة بالعناوين هي الاختبار الحقيقي والحتمي، إما لنجاح مرتجى أو لفشل كارثي.

اللغة التي يستخدمها أهل السلطتين في رام الله وغزة تعد بحلول، يقول رئيس الوزراء الفلسطيني إننا في ربع الساعة الأخير من عمر الأزمة المالية، غير أن الأمر الذي لا يزال مجهولاً يكمن في المدى الزمني لمصطلح ربع الساعة الأخير؛ هل هو أيام أم شهور أم ماذا؟ هذا ما لا ينبغي التسرع في إصدار الأحكام المسبقة حوله، فقادم الأيام يحمل الإجابة اليقينية.

* كاتب وسياسي فلسطيني .

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى